دنيا الطفل

الأطفال العرب أكثر صلابة في مواجهة الأزمات

منى صلاح

 

على الرغم من قسوة ومرارة الواقع الذي اغتال براءتهم ونحت خطوطه المؤلمة على أيام عمرهم المشحون بمآسي الحرب، والفقر، والمرض، إلا أنهم يحاولون تحدي الحاضر الذي تجرد من الإنسانية وانتهك حقهم في حياة كريمة، على أمل الوصول إلى مستقبل تحفره أناملهم الصغيرة، يتمتعون فيه بحقوقهم المشروعة.. فالأطفال العرب ـ ابتداء من أطفال الحجارة إلى العراق ـ رغم كل شيء هم الأكثر تماسكا والأكثر صلابة في مواجهة الأزمات بين أطفال العالم.

 أكدت الدراسات الحديثة أن الطفل العربي الذي ينشأ في مجتمعات مفعمة بالأزمات يبدو أكثر تماسكاً وصلابة في معظم الأحوال من نظيره الذي ينشأ في مجتمعات مرفهة تعاني من مشكلات جوهرية!

 ويرى د. رشاد عبداللطيف استاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان أن البعض قد يظن أن الأزمات المجتمعية أو الضغوط الدائمة على مختلف الأصعدة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، تتسبب على الدوام في جعل الأطفال غير أسوياء نفسياً أو سلوكياً، بحيث يصابون بالاحباط، أو القلق والاضطرابات، أو يصبحون عدوانيين أو انطوائيين، ولكن في كثير من الأحيان تخلق هذه الأزمات طفلاً قادرا على التحمل.

 ويوضح د. عبداللطيف أن الأزمات والشدائد قد تتسب فعلاً في إحداث هزات نفسية وسلوكية لدى بعض الأطفال، ولكن ذلك يحدث في نطاق ضيق.. في حين أن النسبة الأكبر أو الأعم بين الاطفال يكتسبون من هذه الأزمات والضغوط المحيطة بهم وباسرهم ومجتمعهم بصفة عامة جرعات مكثفة من قوة التحمل، وبالتالي يشب الاطفال وهم أكثر صلابة وأشد تماسكاً من نظرائهم الذين لم يتعرضوا لمثل هذه الضغوط والمكابدات.

 ويعتبر الواقع المرير في فلسطين والعراق حالياً هو خير شاهد على قدرة أبناء هذا الوطن المبتلى في تحمل أقسى ظروف الحياة..

 فاطفال فلسطين يتعرضون يومياً لمختلف أصناف التعذيب التي تتفنن فيها قوات الاحتلال الإسرائيلية وتنوعها ما بين مجازر وسجن واعتقال وتشريد على مرأى ومسمع من العالم الذي يكتفي بالشجب والادانة والاستنكار.. دون أي رد فعل حقيقي لدرء طوفان الدمار الذي يجتاح نفوس أطفال أبرياء لا ذنب لهم!!

 وقد أكد «ستيف سوسبي» مؤسس ورئيس مجلس إدارة صندوق إغاثة الاطفال في فلسطين، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، أنه نتيجة للجرائم الوحشية التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة فإن 90% من الاطفال الفلسطينيين يعانون من اضطرابات نفسية شديدة شبيهة بتلك التي تعرض لها الجنود الأمريكيين أثناء حرب فيتنام.

 وقال: إن الجرائم الوحشية التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليست جرائم ضد الفلسطينيين أو العرب وحدهم، وإنما هي جرائم ضد الإنسانية جمعاء.

 ودعا سوسبي المجتمع الدولي للتدخل من أجل وقف المأساة اليومية التي يعانيها الاطفال الفلسطينيين في ظل الاحتلال الإسرائيلي، محملا مسؤولية ذلك لجميع الفعاليات والقوى الحية الدولية التي تؤمن وتعمل من أجل العدالة والقيم الإنسانية.. ومؤكدا رفضه للأعمال البربرية الإسرائيلية ضد المدنيين من الاطفال والنساء والشيوخ.

 ومن جانبها أكدت وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، أن الأسرى الاطفال في معتقل حوارة الاحتلالي قرب نابلس، يعانون الأمرين بسبب اجراءات الاحتلال التعسفية بحقهم ولوجود نقص حاد في المستلزمات المعيشية.

 وأشار برنامج تأهيل الأسرى المحررين في الوزارة، في بيان له، إلى ان الأسرى الاطفال أوضحوا خلال زيارة احد المسئولين بالوزارة بأن وضعهم في غاية المأساوية والسوء بسبب التصعيد الاحتلالي بحقهم.

 ونقل المسؤول عن هؤلاء الاطفال قولهم أنهم محرومون من أبسط حقوقهم كأسرى، وكأطفال وكبشر، وأن السوائل المقدمة لهم تقتصر على الماء فقط، وأنهم يحرمون من أكل الوجبات الساخنة وتقتصر الوجبات المقدمة لهم على الجافة، وشكا الأسرى الاطفال من قلة الرعاية الطبية والخدمات الصحية واقتصارها فقط على اقراص المسكنات في حالات الضرورة القصوى.

 ويوضح المسؤول الفلسطيني انه رأى خلال فترة الزيارة بأم عينه جنوداً اسرائيليين يعتدون بالضرب المبرح بالأرجل على احد المعتقلين الجدد والذي كان ملقى في ساحة السجن وهو مكبل اليدين والرجلين ومعصوب العينين والدم ينزف من يديه بسبب إحكام القيد.

 وذكرت الوزارة انه للمرة الاولى يتمكن محامي برنامج تأهيل الأسرى والمحررين من دخول معتقل حوارة الذي يعتبر قاعدة للجيش الإسرائيلي، وهو غير صالح كسجن، مشيرة إلى انه يضم الآن حوالى 65 معتقلا موزعين على ثماني عشرة مساحة، كل واحدة منها تسعة أمتار مربعة.

 وكان تقرير لوزارة شؤون الأسرى والمحررين قد كشف عن أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي كثفت منذ سبتمبر 2000 من اعتقال الاطفال الفلسطينيين الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة، ولجأت من خلال أوامرها العسكرية غير القانونية، إلى خفض سن الاطفال المسموح باعتقالهم، وشرعت عملية احتجازهم لفترات طويلة، ودون محاكمة..

 وشهدت السنوات الثلاث الماضية ارتفاعا في وتيرة اعتقال الاطفال الفلسطينيين، حيث بلغ عدد الاطفال المعتقلين منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، أكثر من ألفي طفل، حيث اعادت حكومة اسرائيل عام 1999، تطبيق الأمر العسكري رقم 132، الذي استخدم على نطاق واسع خلال انتفاضة عام 1987، لقد سمح هذا الأمر العسكري باعتقال اطفال فلسطينيين في الفئة العمرية من 12 14 عاماً.

 ومن الجدير بالذكر، أنه لا يزال 286 طفلا تتراوح اعمارهم بين 14 ـ 18 عاما، رهن الاعتقال في مراكز التوقيف والاعتقال الإسرائيلية، من بينهم 35 طفلا رهن الاعتقال الاداري.

 وقد اتهمت السلطة الفلسطينية حكومة الاحتلال بتوظيف أدوات القانون والقضاء الإسرائيليين لإتاحة المجال أمام قواتها العسكرية اعتقال وتعذيب واحتجاز الاطفال الفلسطينيين لفترات طويلة، ودون محاكمة، في مراكز عنف وتعذيب تفتقر للحد الادني من شروط الحياة الآدمية.

 ولا يختلف هذا الوضع كثيرا عن حال اطفال العراق فقد كشف تقرير دولي ان اطفال بغداد يعيشون حالة من الاضطرابات النفسية بسبب ظروف الحرب الامريكية ـ البريطانية المستمرة حتى الآن حيث حفرت تجارب القصف والقتل والتدمير أثراً لا يمحى في نفوسهم خاصة من لا تزال عالقة بأذهانهم عمليات القصف عام 1998.

 وقد أظهر التقرير ان الاطفال العراقيين اصبحوا يشعرون بالوحدة نتيجة الخوف الذي ينتابهم مشيرا إلى وجود نقص في الحوار بين الاطفال والاهل لأن الاخيرين لم يجدوا الطريقة المناسبة لطمأنة اولادهم.

 وأعلن متحدث باسم صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف) ان معدلات الاصابة بالاسهال ومن يصحبه من أمراض مرتفعة بشكل خطير بين الاطفال العراقيين.

ويقول جيفري كيلي في بيان صحفي ان معدلات الاصابة بتلك الامراض ومنها الكوليرا والدوسنتاريا والتيفوئيد ارتفعت بمعدل مرتين ونصف عنها في نفس الوقت من عام 2002.

 ويعلق كيلي على الأمر قائلا: «انه امر مقلق جدا» مضيفا ان استطلاعا محدودا أشار إلى أن كثيراً من الاطفال العراقيين عانوا من نوبة واحدة من الاسهال على الاقل هذا العام، ان 66 حالة كوليرا مؤكدة ظهرت في مدينة البصرة توفيت منها ثلاث وكان اربعة أخماس الضحايا من الاطفال دون الخامسة.

 وقال كيلي: كما نعرف فإن العام الماضي كانت هناك الفي حالة (تيفوئيد)، بينما هذا العام، ببساطة لا نعرف لان النظام الصحي توقف عن العمل.

 وفي هذا الإطار تقول انتوليا باراديلا المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ان مليون طفل عراقي عانوا من سوء التغذية قبل الحرب.. ومعظمهم بسبب الاسهال الذي نتج عن سوء الصرف الصحي اكثر من نقص الغذاء.

 وتسبب الغزو وما تلته من فوضى في قطع امدادات المياه النقية ونظم الصرف وجمع القمامة مما فاقم من المخاطر الصحية التي تواجه اطفال العراق الضعفاء.

 كما اعرب مسئولون ببرنامج البيئة في الأمم المتحدة عن مخاوفهم من ارتفاع عدد الاطفال المشوهين في بغداد بسبب استخدام الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا لليورانيوم المنضب في حربها على العراق.

 وفي نفس الإطار نبه الاطباء العراقيون إلى ان انتشار الامراض الخبيثة لا يوجد حتى الآن تفسير له وأن هذه الأمراض تنتشر حول البصرة، مشيرين إلى حالات السرطان التي تتطلب زراعة العظام.

 يذكر ان الولايات المتحدة الامريكية استخدمت في حرب الخليج الاولى اليورانيوم المنضب في المناطق الجنوبية واستخدمته ايضا في حربها الاخيرة، ولكن في كثير من الاماكن العراقية المكتظة بالسكان، وكان نسبة اليورانيوم قد بلغت من 1100 إلى 1400 طن تم استخدامها خلال الحرب على العراق.

 ويظل السؤال المُلّح الذي يبحث عن إجابة شافية.. هل ينجح هذا الطفل بكل معاناته وظروفه القاسية التي صهرت براءته وجعلته يشيب قبل الاوان، وحرمته من لحظة احساس بالأمان، في خلق غد يعوضه عن كل ذلك..؟

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com