شيء من القلق .. شيء من الدقة

 

د.اسعد الامارة - السويد
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

elemara_32@hotmail.com

عرف عن القلق بانه يربك الفرد ويخل توازنه الداخلي وان كان شديدا ينعكس على توازنه الخارجي . القلق كما قال سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي انه المادة الخام لكل الامراض النفسية ويقول (د. عبد الستار ابراهيم) عن القلق بانه ضريبة ندفعها لوجودنا ومعايشتنا لهذا العصر الحديث. ويضيف العلماء والادباء والشعراء بأن عصرنا هو عصر القلق والمعاناة ويرى الكاتب يحيى الطاهر ان للقلق طريقة لإثراء حياتنا الفنية والادبية لذا يمكننا القول واستنادا لرأي عالم التحليل النفسي العربي الشهير"مصطفى زيور" ان كلمة القلق تشير الى حالة نفسية عامة تتميز بعدم الاتجاه نحو موضوع خارجي بعينه .

 

ما هو القلق :

 يجب اولا ان نفرق بين انواع القلق ونتناول فقط ما يلي :

· القلق الطبيعي

· القلق الهائم

· القلق المرضي "العصابي"

 اننا نتعايش مع القلق بأنه جزء من الحياة اليومية ولا يمكن ان تستمر الحياة بدون حد ادنى من القلق، فالقلق البسيط ربما يكون دافعا قويا للانجاز وبه يحقق للفرد الكثير من اعماله بدقة عالية، فهو اذن يمدنا بالطاقة المتاحة المضافة للطاقة المهيئة لدينا للعمل . وهي التي تدفعنا الى العمل الجيد او تحقيق النتائج الكاملة في اعمالنا او لدى الطالب لتحقيق اعلى مستويات للنجاح والتفوق .

ومن اعراض القلق السوي انه يكون دائما قلقا دافعا نحو النجاح فالدقة والضبط والانتباه الشديد اثناء قيادة السيارة هو الآخر عاملا مهما في تجنب الحوادث وكذلك لدى العمال الذين يعملون في المصانع الكبيرة التي تكون طبيعتها محفوفة بالمخاطر مثل معامل الصلب او تكنولوجيا صناعة السيارات او معامل الخشب التي تحوي مناشير آلية كبيرة وقاطعة، فالقلق الطبيعي والانتباه الشديد يكون عاملا قويا للسلامة المهنية ونود ان نذكر بهذا الصدد ان القلق السوي – الطبيعي يصاحبه دائما جوانب معرفية عالية مثل ادراك المواقف التي يعايشها الفرد مع التفكير بما يدركه اثناء المواقف المتعددة فضلا عن الانتباه مع القدرة على تحليل المواقف التجريدية وهذا لا يحدث في القلق الآخر" العصابي – المرضي" .

يقول د. علي كمال ان الشخصية القلقة غير المرضية تتميز بالاحتفاظ بالمكانة الاجتماعية ويحرص على الدقة ويعتصم بالامانة في اداء الواجب فضلا عن خوفه من الفشل ويضيف "كمال" ان بعض خصائص الشخصية القلقة متوفرة في معظم الناس في حدود طبيعية ذلك ان بعض التحسس بالقلق ضرورة حياتية اقتضتها علاقة الفرد مع المحيط والمجتمع لتمكنه من الحذر والتهيؤ للدفاع عن النفس .

 اما القلق الهائم وكما عبر عنه "مصطفى زيور" وهو ما نعني به وجود كمية من القلق هائمة تطوف بنفس الشخص ينبؤنا عنها عندما يقول انه يحس قلقا لا يدري سببه وكان هذا القلق الحائر الذي لا يجد متنفسا او مخرجا للتفريغ يضغط على النفس حتى يستقر به المطاف اما ببناء فعل ادبي او قصة او قصيدة او كتابة مسرحية او رسم لوحة او نحت معبر به من المزيد بقوة القلق الهائم وشدته . ان القلق الهائم ربما يكمن زمنا حتى يستطيع ان يهز كيان الفرد من الداخل واذا لم يجد المتنفس المقبول "التفريغ" المناسب ربما يقع صريعا لنوبة حادة من القلق، ويقول علماء النفس قد تقتصر هذه النوبة على شعور بقلق عنيف بالغ يشبه الذعر الإ انه ذعر لم يسببه حادث خارجي .

يرى علماء النفس ان الشخص الذي يعاني من القلق العصابي (المرضي) يتميز بأنه يظل في حالة ثابتة تقريبا من الخوف والترقب فاذا كان يعمل في السوق "العمل التجاري الحر" فانه يخاف من ان يفقد امواله ويخشى انه لن يكون موفقا في عمله . اما اذا كان طالبا فهو ربما يظل متعلقا بدرجة شديدة وفي قلق دائم بالنسبة لدرجاته التحصيلية او فيما يتعلق بامكاناته العلمية اما اذا كان في عمل فانه غالبا ما يتردد في اتخاذ القرار او الجرأة في المواجهة وتصف عالمة التحليل النفسي "كارين هورني" بأن العصابي يحمي نفسه من قلقه من خلال انه :

 - يسعى الى اضفاء او الحصول على المحبة والعاطفة من الاخرين مستندا في ذلك في قوله مع نفسه (إنك اذا احببتني فأنت لن تؤذيني)

- يكون مسالما مطيعا مستسلما فهو يعتقد بأنه اذا استسلم فأنه لن يصاب بأذى.

- يحاول الانسحاب معتقداً انه اذا انسحب فلن يطاله الاذى .

 ان القلق العصابي "النفسي" ينشأ عادة بوجود شخصية مهيئة لهذا الاضطراب فضلا عن التكوين النفسي لدى الفرد فاذا ما تعرض الفرد الى مواقف نفسية حياتية بها شيئا من القلق وهو ما وصفنا عصرنا الحالي بانه عصر القلق فان استمرار القلق بعد زوال الموقف الذي سببه ولا يستطيع حينها الفرد في هذه الحالة التخلص منه، تتشكل اعراض اضطراب القلق رغم ان اطباء وعلماء النفس يؤكدون على ان الاضطرابات العصابية بما فيها "القلق العصابي" لا يمكن تفسيرها في ضوء اسس قاطعة لان اسبابها كثيرا ما تكون مركبة ومعقدة ومتداخلة لذا فالطريقة الافضل التي وجدوها لدراسة الاسباب هي تقسيمها الى

- اسباب "مهيئة" للمرض

- اسباب "مثيرة له " .

 

هل يكون القلق منبه للانذار

 ان الانسان وخلال مسيرة حياته اليومية يواجه الكثير من المصاعب والمواقف التي تحتاج الى مواجهة وقدرة يجب ان يوظفها لحل تلك الاشكالات وتفكيكها وبالتالي عليه لكي يستمر يجب عليه ان يبتدع الاساليب المختلفة في المواجهة ومن تلك المشكلات التي تثير القلق مشكلات الابناء ونموهم وانعكاس ذلك على الاباء والامهات، مشكلة تعلم الاطفال في المدرسة او الشارع عادات سلوكية خاطئة وهي بدورها تحتاج الى حلول جذرية، مشكلات تتعلق بالعمل، مشكلات تتعلق بالبطالة او فقدان العمل المفاجئ، مشكلات الزوجة التي تعلم ان زوجها يوشك على الانفصال او الطلاق،المشكلات الناجمة عن الابناء في فترة المراهقة، مشكلات الآمن في بعض المجتمعات والدول او مشكلات الانتقال الى اماكن اخرى او ترك البلد بسبب التهديد الآمني او مشكلات اخرى عديدة لا حصر لها .

ان المشكلات المعاصرة في حياتنا اليومية كثيرة ومتنوعة ومتعددة لذا فان هذه المشكلات وغيرها يعد اشبه بجرس انذار او منبه قوي للانسان لمواجهة الخطر، وهذا المنبه او الجرس هو في الحقيقة بداية لاعراض القلق وما يحمله من تشعبات .

 

يمكن ان نعرض بعض تعريفات للقلق بانواعها :

القلق السوي : هو القلق الدافع نحو تحقيق الانجاز بكل دقة واتقان بدون ان يترك اثارا سلبية جانبية على النفس او يربكها . والقلق السوي يحفز النشاط ومواجهة الخطر .

اما القلق العصابي فيعرفه (د.عبد الستار ابراهيم) بانه انفعال يتسم بالخوف والتوجس من اشياء مرتقبة تنطوي على تهديد حقيقي او مجهول.

وهنا وجب علينا ان نفرق كثيرا بين القلق بشقيه رغم انه منبه وانذار لكثير من المواقف الا ان علماء النفس يرون ان القلق جزء لا ينفصل عن الحياة البشرية وانه يتطور ويتخلق بانواع مختلفة وان كانت مصادره متنوعة ومتفاعلة حتى كادت هذه الظاهرة الانسانية تشمل العالم باسره" المتقدم .. امثلة ذلك مشكلات البطالة والايقاف المفاجئ عن العمل والاغتراب النفسي .. الخ، والعالم غير المتقدم "الثالث" فكوارث الحروب والازمات الناجمه عنها وانعدام الامن وضياع قيمة الانسان بفعل سطوة رجال الامن والفساد المالي والاداري وسوء السياسات الداخلية والخارجية ونهب الثروات وسيطرة الاسر على معظم موارد البلد .. الخ "

ان ازمة القلق شملت كل نواحي الحياة الفردية والجمعية فيقول مؤسس التحليل النفسي " سيجموند فرويد" لعلي لا احتاج شخصيا ان اعرفكم بموضوع القلق لكن كل واحد منا دون استثناء عانى واختبر هذا الاحساس او على الاحرى هذه الحالة الوجدانية مرة او اكثر في حياته .

ان قلقنا نحن البشر في كثير المواقف ربما يحدد مصيرنا او تطورنا او تقدمنا في تحقيق اهدافنا الحياتية فهو بذلك يكون القلق الدافع والحميد احيانا وهو قلق ضروري للتطور والنمو وكذلك للنضج وعادة تكون هذه المواقف القلقة هي مواقف مؤقتة، اذن القلق المؤقت قليل الحدة والشدة وربما به بعض المنشطات النفسية والعضوية وهو اشبه بالصعقة الكهربائية المفاجئة التي تضفي على دواخلنا بعض النشاط وتحريك احشائنا، انه لا يترك اعراض العصاب او الاضطرابات النفسية اذا ما احسن الفرد ادارته وتوجيهه واستثماره نحو تحقيق الاهداف والاماني، ويرى علماء النفس ان وجود شئ من القلق ربما يكون احيانا علامة على الصحة والنضوج.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com