تداعيات الكذب عن الاطفال

 

د.اسعد الامارة - السويد
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

elemara_32@hotmail.com

يعد الكذب لدى جميع الناس سلوكاً والسلوك ناجم عن دوافع اولية لأن وراء كل سلوك دافع كما يؤكد علماء النفس لذا ان هذا السلوك هو الدافع الاولي لذاته في ظاهرة الكذب، ويصنف علماء النفس هذه الظاهرة بعدة تصنيفات وانواع منها:

الكذب الايهامي، كذب إلتباس، كذب اعتذاري،كذب الغرور، كذب الانتقام، كذب اناني، وكذب التبرير كما صنفها د. عبد المنعم الحفني في موسوعة الطب النفسي. وما يهمنا في هذا الموضوع هو الكذب عند الاطفال وتداعياته النفسية، فالكذب شئ مألوف عند الطفل في مرحلة عمرية معينة ويعد حالة عارضة ومؤقتة في مرحلة زمنية محددة من العمر الا انها تصبح مرضية اذا استمرت معه واخذت ابعاداً جديدة فيقول علماء النفس تكمن خلفيات الكذب عند الطفل في ان له دوافع ومحركات نفسية قوية بداخله ولها امتدادات وجدانية، ولأن الدوافع والمحركات النفسية لها تأثير قوي على السلوك فانها تنتج مظاهر انحرافية عدة منها: السرقة، العناد، الخوف، الغضب الشديد.. الخ.

عد الكذب كما السرقة انحراف في السلوك حينما يبلغ الطفل فترة المراهقة ومازال يلجأ اليه كوسيلة لتحقيق ذاته ونجد ان الام في معظم الاحوال تشجع طفلها على ان يعيش هذه التخييلات التي تسد شيئا من نقص التوافق مع الواقع لانه ربما يكون مؤلما او ما يريده الطفل او المراهق فعلا صعب التحقيق لذا نؤكد ان الواقع المعاش شئ والتمنيات شيئا آخر فيلجأ الطفل او المراهق في البداية الى احلام اليقظة وبها ايضا الشئ الكثير من التخييل وهو يتسلل ايضا الى ذات الطفل او المراهق مكونا بعض لبناته على نحو محرف مستخفِ غير ان هذا السلوك بمرور الوقت مع ازدياد كمية الافكار المتخيلة التي لا تظهر ابداً وتظل حبيسة مكبوتة لا يسمح الطفل او المراهق لنفسه بالتعبير عنها واطلاق سراحها الا على نحو مقنع مستتر في سلوك الكذب او بدافع آخر في على شكل احلام اليقظة او حتى على شكل صور في احلام الليل. ويقول علماء التحليل النفسي ان بنيان الحلم في بعض جنباته يحمل انواعاً تليده من التخييل يرجع تاريخه الى سنوات الطفولة وهو ما نراه من قبيل ما يصدر من اطفالنا اثناء لهوهم ولعبهم مع اقرانهم او منفردين بأنفسهم يتخيلون انواعاً من السيناريو يعبر عما يدور بأنفسهم من رغبات وصراعات ومحاولات للكشف عن المبهم. يقول د. مصطفى زيور هذه الاخاييل التي يصوغ بها العديد من "السيناريو" تظل قابعة حتى اذا بلغ الرشد رايناها تطفوا بشكل كبير في بناء شخصيته وتكوينه وخصوصا تلك الاخاييل والاحاسيس التي كان عليه ان يسترها بصمته لأنه تعلم ان الافضاء بها جزاءه الزجر والعقاب.

معظم الظواهر النفسية المشابهة مثل السرقة والخوف وضعف الشخصية وضعف الثقة بالنفس فضلا عن الكذب هي ظواهر تكتسب من البيئة التي يعيش فيها الفرد مع وجود قابلية كبيرة لدى الطفل في قبولها لذا تساهم اسرة الطفل بمختلف مشكلاتها على بروز هذه الظاهرة فالاسرة المفرطة في العقاب او الزجر او النهر او التحقير للطفل تظهر لدى اطفالها ظواهر عديدة واضحة على السلوك، وكذلك الاستخدام والافراط في الكمال والدقة ايضا يترك آثارا سلبية فالكثير من الاسر بأسم رعاية الطفل وتربيته وحمايته من الانحراف تمارس عليه درجات مختلفة من القهر والقمع والكبت فلا يسمح له بأية درجة من التعبير المباشر عن ما يجول في داخله فاذا ارتفع صوته او زادت حركته او مارس فضوله وفوضويته فانه يعنف وينهر حتى يصبح طفلا مطيعا او خاضعا او على احسن الاحوال طفلا"مثاليا" كما يعتقدون ولكنه في الواقع انه ملئ بالخوف ويكبت رغباته الطفلية التي ستتحول فيما بعد الى سلوك عدواني او يلجأ الى احلام اليقظة لكي يشبع رغباته المقموعة.

ان هذا الاخضاع للطفل بطرفيه السلبي (القسوة والعقاب) والايجابي (الافراط في الكمال) فانه يؤدي الى التعبير المقنع بالسلوك مثل الكذب، او صورة الالتفاف بالكلام والتعبير عما يريد ولا يقول مباشرة ما يريده، او اللجوء الى احلام اليقظة، او الهروب من المواجهة والاعتمادية وهي كلها اساليب تميل الى الانحراف اكثر مما تميل الى السواء.

يشكل الكذب بانواعه وبدوافعه المختلفة انحرافا قد يؤدي الى المرض حتى سمي احد هذه الانواع بالكذب المرضي وهو ناتج عن شعور الطفل بالنقص امام زملاءه او ناجما عن رغبته في السيطرة او للتأثير في زملاءه واستمالتهم له. ان في هذا النوع من الكذب الذي يمارسه الطفل هو في الحقيقة تلفيق حقيقة مشاعره الداخلية واحتباسها حتى يبدو في صورة اما تعظيم لذاته المقهورة امام الغير او بغية البحث عن الاحترام والتقدير لغرض اضفاء شيئاً لنفسه لغرض اعلاءها وسموها، انه يستجدي باسلوب الكذب مكاناً في الوسط الذي يعيش فيه واحيانا يدعي الطفل التمارض لغرض تحقيق مكاسب ثانوية له فهو ليس مريضا ولا مصاب بحالة جسمية او ما شاكل ذلك انما يبحث لنفسه عن المكانة والتقدير. ان داخل هذا الطفل مشحون بانفعالات لا يستطيع التنفيس عنها او تفريغها فيلجأ الى اساليب مثل الكذب او التخييل او احلام اليقظة حتى يصبح هذا السلوك جزءا من شخصية ويكون بمستوى الادمان.

اما الكذب " المتخيل" الخيالي، وهو احد انواع الكذب الذي يمارسه الاطفال في سن صغيرة يريد بها الطفل تحقيق اماني او رغبات لا يستطيع الافصاح عنها فيتأمل على مستوى الخيال وينسج افكاره ولكنها غير موجودة في الواقع وتتداخل لدى الاطفال في هذا النوع من الكذب بعض الصور المتكونة بسبب سماعها او نسجها وهي من الخيال او من الخرافة والاساطير المنقولة او المحكاة والتقليد داخل الاسرة وتختفي هذه التوهمات مع النمو العقلي – المعرفي كلما تقدم بالعمر زمنياً.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com