محاولة نفسية لتفسير الخوف عند الاطفال

 

د.اسعد الامارة - السويد
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

elemara_32@hotmail.com

كلنا نعرف ان طفل الانسان عاجز بيولوجياً منذ الولادة ويحتاج الى مساعدة والديه والاعتماد العضوي عليهما لكي يعيش فهو لا يستطيع ان يطعم نفسه او يحمي نفسه من المخاطر او صد من يعتدي عليه الا بتدخل الكبار لمساعدته، فالطفل حينما ينمو عضوياً يساير هذا النمو، نمواً آخر هو النمو الانفعالي والنفسي والعقلي، وتسير كل تلك بمسار واحد متواز فإذا ما تخلف في احد هذه فإن الطفل سيكون حينئذ يعاني من هذا التأخر مستقبلا بشكل واضح.

ان الخوف هو شعور طبيعي لدى كل البشر وبما فيهم الطفل الذي ربما يتعلمه - اي يكتسبه من خلال البيئة التي يعيش فيها او ربما هو جانب تكويني في شخصيته ( ليس وراثي) وانما تكويني. ان ما هو كيف يتكون الخوف وكيف ينشأ الخوف، سوف نستعرض ذلك من خلال السطور القادمة. اما في ما يتعلق بانواع الخوف يمكن ان نحصرها في:

· خوف طبيعي

· خوف مرضي

 يعد الخوف الطبيعي في مستواه المعتدل شعور عند الطفل او حتى عند البالغ وهي ظاهرة طبيعية وتكون عادة رد فعل لمؤثر خارجي يتخذ الانسان ازاءه اسلوبا دفاعيا او وقائيا تجاه الموقف ليتجنب الخطر او الوقاية منه. اما اتخاذ موقف مضاد احترازيا كان او تجنبيا يعد هو الآخر سلوكا طبيعيا وخصوصا في حياتنا المعاصرة اليوم بعد ان اتسعت مسارات الحياة والرفاهية بالنسبة للكبار"البالغين" مثل قيادة السيارات الحديثة بسرع جنونية او المغامرة بقيادة طيارة او دراجة نارية سريعة او المشاركة بسباق المجازفات الجنونية التي تؤدي في احيان كثيرة الى الموت. وما يهمنا في هذه السطور يتعلق بمشاعر الخوف عند الطفل الانساني الذي لا يعي معنى الخوف ولكنه يدركه فيرتد ويتقهقرويطلب الحماية او يظهر الخوف على وجهه او زيادة ضربات القلب ويقول علماء النفس ان الخوف يصاحبه دائما زيادة معدل ضربات القلب حتى عند الاطفال.

اشارت الدراسات النفسية ان الاطفال في سن عشرة ايام يدرك الخوف ويبدي رد فعل دفاعي اذا اقتربت الاشياء من وجهه قرباً شديداً، واثبتت التجارب ان رد الفعل الدفاعي هذا ناتج عن الادراك البصري للطفل. ان هذا السلوك الذي يقوم به الطفل هو سلوكا صحيحا ثم مع مرور الزمن والنمو والنضج العقلي وزيادة معارفه ومعلوماته يستطيع ان يفسر كل المواقف، فما كان يخاف منه في الطفولة لا يخاف منه في الكبر او البلوغ.

اما الخوف المرضي فهو شعور قد لا يكون محدداً او هو شعور بالخوف العام وربما يكون خوفاً وهمياً وبدون سبب واضح وهذا ما نشاهده عند الاطفال كثيراً اذا ما اخذ الصورة الكلينيكية فأنه يشخص خوفاً مرضياً وربما يحتاج الى التشخيص بصورته المرضية ويحتاج الى علاج ومن امثال هذا الخوف هو الخوف من الغريب، المعلم، المدرسة، الشرطي، البرق،الرعد، انسياب المياه بسرعة عالية... الى الخ. سنحاول في هذه السطور التعرف على بعض صور الخوف عند الاطفال ولنأخذ الخوف من الغرباء.

 ان الطفل في عمر ستة اشهر يشعر بين اسرته انه يشاركهم اللعب والمسرة والافراح وفي بعض الاحيان الغضب والزعل وخصوصا اذا كانت الاسرة بها عدة ابناء، يتعرف الطفل في هذه السن على اسرته تماما ولكنه لا يدرك معنى هذه العلاقة وصلة القرابة ومعنى الغرباء فنراه يختبأ عند امه عندما يتقرب احد الجيران له لغرض ملاطفته او مداعبته وربما يطمر رأسه اكثر عند امه لانه لا يفهم ان الاخرين هم مثلنا ولديهم اطفال ونكن لهم الاحترام والتقدير والمحبة والتواصل فهو لايفرق هذه المعاني او يدركها ونلاحظ ايضا ان الطفل حينما تأتي اسرة لزيارة اهله بمناسبة لغرض التزاور او تقديم التهاني يمناسبة العيد او التبريك على حالة تحصل في العائلة نراه يرتعب ويخاف ويلتصق بامه حتى وان ابدوا كل العاطفة والحنان تجاهه او رغبوا بمداعبته، انه لا يدرك من هم هؤلاء الغرباء فيفر بعيداً اذا ضايقوه ويصرخ كلما اقتربوا منه، انها حالة انسانية طبيعية في هذه السن يتكفل الاهل باضفاء المعرفة وتفسير ماذا يحدث وماذا تعني الزيارة او الناس او الضيوف.

يبقى الطفل في حيرة بين قبول هؤلاء ورفضهم حتى اذا ما دخل شهره الثامن من العمر ووجد نفسه بمواجهة مرآة موجودة في البيت معلقة او موضوعة على طاولة فيتناولها، هنا ادرك ان هناك آخر يشاركه الوجود، فحينما ينظر هذا الطفل الى المرآة ويرى صورته تنعكس يحاول التقرب يحاول التقرب منها بلمسها بيديه، يقرب فمه ووجهه كله ثم ينظر الى نفسه بالواقع ويقول بداخله من هذا الماثل امامي.. انا هنا اذن من يكون هذا الآخر.

يقول عالم التحليل النفسي "لاكان" ان مرحلة المرآة ليست لحظة من لحظات النمو النفسي فحسب بل هي وظيفة تعد نموذجاً لعلاقة الفرد بصورته في المرآة بقدر ما تمثل الانموذج الاول للأنا ويضيف "لاكان" فالفرد يخبر في "مرحلة المرآة" رؤية ذاته وانعكاسها وتصور ذاته على نحو مختلف عن حقيقتها وهو منظور اساس للانسان الأمر الذي يشيد حياته التخيلية في الحاضر والمستقبل. واثناء ذلك يدرك الطفل انه ليس الوحيد في العالم مع اسرته ويدرك ان هؤلاء الغرباء "الجيران" او الآخرين هم ايضا يشاركونهم الكثير من المسرات والافراح والاحزان وهنا ينشأ لدى الطفل اما قبول الآخر او الخوف منه والشك فيه واعتباره مغاير له وليس مكمل معه هذه الحياة، فاذا ما نجح بقبوله شكل معه الآخر الذي يتواصل معه، يقبله، ويتقبله، يتضامن معه بدون عُقد حتى وان اضافت الحضارة او التعقيدات اللاحقة مثل المكونات الدينية او المذهبية او التعصبية او السياسية رؤى جديدة فهو سيكون محصن وقوي له القدرة على فرز الصحيح بكل موضوعية.

يقول علماء التحليل النفسي ان الاشباع الذي يتعلمه الطفل ويدركه كجزء من تكوين شخصيته خلال مراحل الطفولة الاولى.. هذه المرحلة مثلا لا يرتبط فحسب بقرب الموضوع وانما يرتبط بالخبرة الخاصة بالوحدة والتعيين الذاتي"التوحد – التقمص" بالتعرف على ذاته بوصفها موضوعا كاملا لا سيما ان التعيين الذاتي (التوحد – التقمص) هي عملية نفسية تتمثل الشخصية بوساطتها احد مظاهر او خصائص او صفات شخص آخر، فهو يبدأ في قبول الآخرين وتقبلهم ويكون في البلوغ شخصاً ودوداً اكثر ميلا الى المساعدة وبعيداً عن الانانية وحب الذات، مخلصا وربما يتمتع بصحة نفسية عالية تخلو منها صفة الانانية، اما اذا لم يستطع ان يحل اشكالات مرحلة المرآة وظل يخاف الغرباء فانه من المحتمل ان يكون نافرا للاخرين رافضا لوجودهم، انانيا تقرب شخصيته الى النرجسية، يحاول اشباع رغباته الخاصة قبل كل شئ، لديه سلوك المنافسة مع الآخر بشكل عدواني او كما يقول"هيجل" الرغبة في اختفاء الاخر بينما في الحالة السوية قبول الآخر وتتحق في الآخر وبوساطة الآخر.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com