صحة نفسية

من حرية التفكير الى التكفير

 

د.اسعد الامارة - السويد
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

elemara_32@hotmail.com

 عرف عن الانسان بأنه الكائن الحي الوحيد الذي يستطيع ان يفكر بالعلن وبالصمت ايضا حتى وان منع من ذلك فإن احلامه تكشف عما يدور في داخله ويقول الفيلسوف "شوبنهور" إن الحلم مرض عقلي قصير يستغرق الليل. ويدرك هذا السلوك الصادر منه  بعض الافراد والجماعة والاخرين المحيطين به، فالجماعة في اي مجتمع لها رأى، واذا انشق فرد ما على اجماع الجماعة او المجتمع قالوا عنه "إنك لمجنون" واذا اصر على رأيه حتى وان كان صحيحا مبدعا او خلاقا جديدا جندوا القوة لأن يكفروه . معظم العقلاء يرون ان الانسان لا يمكن ان يحُجر على فكره او ما يقوله او ما ينطق به فهو حر الى حد كبير اذا لم يتعارض مع رأي الاجماع (؟!؟!) فهو في مثل هذه الحالة يلغي الابداع ويلغي الجديد وعليه ان يساير المجموع ولكن الواقع غير ذلك،فالواقع يفرض دائما الجديد حتى وان لم يتفق معه المجموع وهذا ما نلاحظه في صرخات الازياء  المحمومة التي لا يردها حتى اعتى الجبابرة وتلك صيحات العادات  التي تخترق منازلنا عنوة وتفرض علينا وجودها بلا استئذان ولكن يختلف الحال في الفكر الذي يخلق الصيحات في الملابس ويخترق العادات ولكن نقبله على مضض فلطالما نحن نصر على ان كل من يخالفنا في الرأي في أمسنا مجنون يصبح عاقلا بالضرورة في غدِ  وهو اليوم، ومن يتحدث عن الغد وما سياتي به الغيب من تطورات في الافعال والافكار والتكنولوجيا سوف يجرنا الى موقع الجنون بالتاكيد وسوف يكفره البعض ويوصمونه بالجنون بلا محالة . فالامس مهما مضى وانتهى فهو جزء منا لا يمكن أن نغفله،والغد جزء كامن منا سوف نكون عليه ولا يمكن ايضا ان نغفله ووجودهما حق علينا اردنا ام لم نرد كما يقول"د. محمد شعلان"، واذا كنا نريد التغيير علينا ان نقبل حرية التفكير واذا كنا نريد الابداع فعلينا ان نرى في الجنون عظمة ولن يأتي تغيير الواقع بقبوله كما هو وإلا لما عاش نبي الرحمة "محمد –ص" في الدنيا خانعا لواقعه، او قبله سيد التسامح " عيسى – ع" مستكينا لواقعه، فالرسول "ص" عاش في الدنيا وفي الآخرة معاً ولكنه لم يذهب الى آخرته على حساب وجوده في دنياه بل قام بدوره فيها كاملا بكل ابعاد الصراع الذي يقتضيه هذا الوجود، فقلب الوافع بالتفكير اولا رغم انهم كفروه ووصموه بالجنون، واذا كان التغيير يؤدي بصاحبه الى الجنون فهو اعظم الانجازات في تغيير مسار السكينة في اي مجتمع انساني، فنحن نستطيع ان نتقبل الواقع ونرفضه معاً ونستطيع ان نخلق الصراع من خلال تفكيرنا بالتغيير، فمن يدافع عن الواقع فقط فهو يتمسك بالآمال ولن يستطيع ان يجمع بين القبول والرفض معاً، يريد  ان يبقي الحال كما هو ويبقى في التأمل، ولن يغير التأمل شيئا من الواقع وتدلنا الخبرة النفسية يجب ان تجتمع الاضداد وينتفي الصراع بينهما ليحل السلام محله في اي مجتمع فمن يكون في الوسط لن يحل الصراع ولن يخلق التغيير ولن ياتي الابداع لمن يقبل الواقع كما هو . فحاضرنا اي واقعنا ليس ابدع ما يمكن ان يكون ولا هو اسوأ مما كان، وهو لم ياتي صدفة ولكن صنعناه نحن بأنفسنا فحاضرنا هو امتداد لماضينا وهو بنفس الوقت خطوة نحو مستقبلنا حتى وان كان حاضرنا به من النكسات ما لا حصر لها فهو اكثر ميلا للتغيير نحو المستقبل وليس قبول الواقع، ايا كان حتى ولو كان جميلا ومزهرا فلن يدوم، فدوام الحال من المحال كما يقول المثل العامي وربما نقول انه ليس في الامكان ابعد مما كان ولكن بما اننا في حالة قبول التغيير وقبول التفكبر المؤدي الى التغيير فإننا لا يمكن الا أن نعي ان هناك في الامكان أبدع مما هو كائن الان شريطة ان لا يكفر التفكير ويرفض التغيير مهما كان جامحا وقويا فكل مجتمع ينضح بما فيه .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com