صحة نفسية

الغيرة والجنون!!

 

د.اسعد الامارة - السويد
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

elemara_32@hotmail.com

سنحاول التعرض لموضوع الغيرة لا عند النساء فحسب وانما عند الرجال ايضا والامر سيان بينهما، فالموضوع به صعوبة اذا ما تضمن الرجل والمرأة رغم ان د. عادل صادق رحمه الله يقول إنه أمر شاق أن نتناول موضوع الغيرة وعند المرأة بالذات به صعوبة وهذه الصعوبة مركبة مضاعفة، ويرى ان الغيرة شعور محير غامض بالاسرار يخفيه الانسان في معظم الاحيان واذا افصح عنه فبغضب وألم .

اما عند معشر الرجال فتنطوي الغيرة على مكنونات دفينة في النفس لا نتلمس آثارها إلا اذا ذهبنابعيدا وعميقا في اغوار الطفولة المبكرة ونتفق حينئذ مع (فرويد) حين ذهب الى ان تكوين شخصية الانسان تتحدد في السنوات الخمس الاولى، فتكوين الشخصية يبدأ من تلك السنوات فلا نتفاجأ اذا وجدنا شخصية شكاكه في الكبر او انطوائية او تتسم بالبخل او الكرم او الملاطفة او شخصية متزنة نعرف تماما انها تكونت في تلك المرحلة من  الطفولة، فالغيرة هي ايضا تكونت اولى ملامحها في الطفولة وخصوصا عند الرجال ولا يختلف الامر عند النساء رغم ان بعض المتغيرات فرضت نفسها على الفتاة وهي كبيرة لكي تحافظ على ما امتلكته وخصوصا اذا الأمر يتعلق مع من تحب (رجل ) طبع كل حياتها منذ لحظة الاقتران ولا نغالي ابدا مع القول الذي يرى أن الغيرة إمرأة .. هذا الرأي به من التعسف اكثر مما به من  المنطق او الموضوعية، فبالرغم من ان موضوع الغيرة عند المرأة به بعض الخيوط الدقيقة التي تفصلها عن مشاعر أخرى تتشابه معها مثل حب التملك أوالحسد والشك وكلما اقتربنا اكثر من المرأة كما يقول (د.عادل صادق) تفوح راحة الغيرة من قلبها ويصطبغ وجهها بلونها وتلمع عيناها بوهجها، إمرأة يهتز كيانها بالغيرة فيضطرب صوتها قبل أي شئ آخر ويكتسي برنين عجيب يكشف عن الغضب والألم، لانها ترى انها اختارت الانسان الذي احببته بوعي كامل وارادة حرة، وهي ادركت تماما ذاتها من خلال حبها له، فهي في عينيه كما تعتقد أجمل النساء وأفضلهن، وتؤمن ايمانا مطلقا بانها اكتشفت جمالها الحقيقي وصفاتها الجميله من خلاله ووجدت اعظم مكاسب الحب التي نعمت بها من خلال الشعور بالامان معه لذا تستوجب الغيرة ان تكون المعيار الذي لا يدانيه فيها أحد او يشاركها فيه لا من قريب ولا من بعيد .. فمن الخطأ الاستسلام للمشاعر الغريبة الغامضه التي يسميها البعض كما تعتقد هذه المرأة مشاركة امرأة اخرى بهذا الرجل الذي امتلكته مهما كانت القوانين او الاعراف او حتى القيم السماويه ان تتيح له ان تشاركها اخرى في هذا الرجل !!؟؟ فتكون حينئذ مشاعر الغيرة مقرونة بمزيج من القلق والخوف والاضطراب والتوتر والضيق .. هذه الملامح اذا استفحلت وزادت ربما تقود الى الاضطراب النفسي وحتى العقلي.

ونتسائل هل هناك غيرة صحية واخرى مرضيه؟

ام هل هناك مستويات من الغيرة عند المرأة والرجل؟

هذا ما سنحاول معرفته من خلال هذه السطور عزيزي القارئ الكريم ..

نعم للغيرة وجهان الاول :سوي والآخر : مرضي، ففي الاول يكون الاعتداد بالذات ظاهرا تماما يمتلك شعارا قويا مقترنا بالثقة بالنفس يقوم على : أنا في آخر وآخر في أنا وهو الوجود الصحيح للانسان وهو القائم على ان الحياة لاتستمر وتتعاقب الاجيال إلا من خلال اللقاء الدائم والمتوازن بين الرجل والمرأة – التزاوج والانجاب- فلايمكن لرجل وحده ولا امرأة وحدها ان تنجب ان تجدد نفسها وتكرر وجودها من خلال آخر هو ابنها او بنتها ولا يمكن لرجلين معا او امرأتين معا ان يتوالدا، فتكون الغيرة حينئذ سوية ..صحيه حيال الآخر الذي يكون الاخر، اما اذا كانت علاقة اذلال او تشعر المرأة بهزيمة الذات مع رجل تقترن به فالامر يختلف، فالنجاحات التي تحققها المرأة وربما اصبحت لامعة وذكية ومتقدة الذهن وقادرة وناجحة في اشياء كثيرة في حياتها ولكن لم تحقق السعادة مع من تحب فتصدر عنها ايماءات تبدو بها وكأنها متخلفه عقليا، او فقدت السيطرة على اتزانها بسبب تصرفات من تحب وربما ترتكب حماقات تصل لأن تجرحه بها وتضايقه وتعتقد انها الاسلوب الصحيح لاعادته الى صوابه، انها فقدت رباطة الجأش في التعامل معه حتى اوصلتها غيرتها الى حالة انهزامية تعادي نفسها بنفسها ولا تستطيع ان تتوقف عن ايذاء زوجها او حبيبها حتى تفقده تماماً.

اما الغيرة عند الرجال فتنشأ منذ الطفولة المبكرة حينما تبدأ مظاهر التصرفات الطفلية غير السوية مثل الاسراف في الطعام حتى يزداد وزن الطفل بشكل واضح او حينما يمتنع عن الاكل حتى ينحف الى حد خطير او ربما نشاهد عند بعض الاطفال مظاهر مثل حك الوجه بالاظافر وخصوصا عند الاناث او بنزع الشعر بشكل هستيري، وهو سلوك لا ارادي قهري لتوجيه العدوان نحو الذات بدلا من توجيهه نحو الاخرين كما يقول د. عادل صادق، وحينما ينشأ ويبلغ النضج تكون شخصيته ظهرت ملامحها بشكل واضح فهو يحمل صراعه بداخله وهو كان في الاصل في تصارع مع البيئة ثم ادخلها بوساطة الاستدماج واصبح يحملها بداخله ويقول (د.محمد شعلان) فهو وان كان صراعا داخليا لاول وهلة فهو ايضا خارجي بمعنى أنه يحمل هذا الخارج بداخله فضلا عن انه بوساطة الاسقاط يعيد تحويل ما كان بداخله الى الخارج ويتصارع معه وهو بذلك يحق لنا  ان نقول ان لديه صراع داخلي ولكنه اسقطه على الخارج على شكل سلوك به غيرة  واضحه وهو سلوك اناني مقرون بالشعور بالنقص ويقول علماء النفس إنه حجر الزاوية والقاعدة التي تبني عليها مشاعر الغيرة وتتصاعد وتتضخم وتملأ العقل وتهز النفس وتفسد الرؤية وترهق الجسد وتشل التفكير.

ويضيف علماء النفس هناك ثلاث انواع من الغيرة:

- الغيرة العادية

- الغيرة المرضية

- جنون الغيرة

اما الاولى وهي الغيرة العادية فتتميز بالحب الشديد ورغبة الرجل او المرأة في تمَلُكْ الآخر، هذا التَملكْ يشمل العواطف والمشاعر والتفكير والجسد ويأخذ عدة اشكال مثل التوجيه المقترن برغبة عارمة بالتمَلكْ او ابداء النصائح المصحوبة بقسوة واضحه او نقد لاذع وتنتهي عادة هذه الافعال بالمصالحة او التخفيف من شدتها بعد زوال الموقف الداعي لها.

اما النوع الثاني من الغيرة وهي الغيرة المرضية وفيها يغالي الشخص (انثى او ذكر) بالغيرة حتى يصل بالآخر الى ان ينغص حياته وتكون عادة مصحوبة بشكوك ووساوس واضحة مثل التصنت على المكالمات  او الدخول الى البريد الاليكتروني للاخر  او في بعض الاحيان للمتابعة او تأجير رقيب مع التفتيش الدائم للملابس او شم رائحتها وهي تكون عند الرجال والنساء معاً، ولا يقتصر هذا النوع من الغيرة فقط تجاه الزوج او الزوجة وانما يمتد ليشمل البنت او الابن من طرف الاب او من طرف الام فيشعر الابناء بالمضايقة وعادة تكون مثل هذه الشخصيات شخصيات شكاكه او شخصيات وسواسية اكثر من اللزوم.

اما جنون الغيرة وهو النوع الثالث من هذه الانواع فإن صاحبها او صاحبتها تصدر منه هذاءات اشبه بهذاءات مضطرب العقل وحينما تزداد اكثر يعتقد الرجل بإن زوجته لها علاقة مع طرف آخر دون وجود دليل يؤكد هذه الادعاءات وهو الحال عند المرأة ايضا حينما تشك بزوجها وتهاجمها رياح الغيرة العاصفة بشكلها المرضي ولا تنتهي هذه الغيرة عند سن معين وانما تستمر مع الزوج وهو كبير في السن او عند المرأة وهي مسنة دخلت سن الشيخوخة وغالبا ما تكون اعراض لاضطرابات فصاميه او اكتئابية او على الاقل شخصيات تحمل هذه الانواع من الاضطرابات.

نحن لا نتحدث هنا عن الغيرة التي تصدر من البعض في مجالها السوي مثل غيرة المنافسة العلمية او الغيرة الدافعة نحو التفوق في مجال علمي او مهني ولكن شريطة ان لا يكون الاخر مهما كان جنسه او نوع المنافسه التي يدخل فيها شرا ينبغي انهاءه او دحره او تصفيته فتتحول غيرة المنافسة الى ايقاع الاذى بالاخر وتصفيته، ففي مجال الرياضة تكون المنافسة مشروعه، وفي مجال التفوق العلمي ايضا مشروعه وفي المسابقات الاستكشافية تكون مشروعه ايضا ولكن بحدود المنافسة الشريفة .

وهناك العديد ايضا  من انواع الغيرة التي نشاهدها في حضارتنا العربية ومنها الغيرة الشديدة من الام تجاه ابنها وهو يمنح الحب والحنان لزوجته التي اقترن بها وهو ما يسمى بغيرة (الحماة او العمة) حتى تكاد تفسد عليهم عيشتهم لكثرة تدخلاتها في كل صغيرة وكبيرة، وكثرة توجيهاتها لهم حتى تتسلل الغيرة من زوجته تجاه ابنها، وهي غيرة مرضية بالتأكيد من الام تجاه ابنها التي تعتقد انها فقدته واصبح ملكا لاخرى . 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com