لقاءات

 

لحظة تشعر أنك مطيع، يحتبس الكلام.. مقابلة مع الروائية الإيرلندية إدنا أوبراين
 

ترجمة : صالح الرزوق

ولدت إدنا أوبراين في غرب إيرلندا. كانت صيدلانية ثم تفرغت للكتابة. وهي تعيش الآن في لندن مع ابنيها بعد طلاقها من زوجها. من مؤلفاتها : بنات من الريف، بنات وحيدات (أعادت نشرها بعنوان : بنت بعينين خضراوين)، بنات في النشوة الزوجية، آب شهر شرير، سيرورة سلمية، بلد وثني، عامل الحب (قصص)، أمنا إيرلندا، وسواها. من مؤلفاتها أيضا : الليالي العربية (ظهر عام 1977 مع صور بكاميرا جيرارد قلجين). وهذا اللقاء نشرته مجلة صالون في صفحة أحاديث أدبية.

مع أنها لا تعترف بمرجعية ناثنيال هوثورن، غير أن له في كتاباتها، وبالأخص رواية (بلد وثني)، ظلا مكثفا يعكس اهتماماتها بالقضايا الوجودية والإيمانية التي تسيطر على ضميرها، ولا سيما الإنجازات والكوابح حسب تسمية المفكر الأمريكي ليسلي فيدلر.

س : أنت من بلد يبدو أن معظم أهله يهجرونه. هل هو أفضل لك أم أسهل عليك أن تكتبي عن إيرلندا من الخارج؟.

ج : أول كتاب لي وهو (بنات من الريف) كان حكاية بسيطة وصغيرة عن فتاتين تحاولان أن تغادرا البلد والقيود المفروضة عليهما وحياتهما الخاصة في بيتهما الخاص إلى المدينة الكبيرة. لقد أغضب ذلك كثيرا من الناس، بمن فيهم عائلتي ذاتها. لقد منعت : ولقبت بالقذى على وجه النسوية الإيرلندية. وإن قسا من كنيستنا حث من فوق المذبح كل من اقتنى نسخة أن يأتي بها ويلقيها على هذه الأرض. في تلك الأمسية اشتعلت هناك نار صغيرة. قالت والدتي إن النساء أغمي عليهن، فقلت لها ربما السبب يعود إلى الدخان. وحينما خرج كتابي الثاني إلى النور (بنات وحيدات)، كان الرأي السائد أن الكتاب الأول هو ترنيمة صلاة بالمقارنة مع هذا. لقد قرأت والدتي الكتاب وطمست بالحبر كل كلمة استفزازية. لقد فرضوا علي أن أشعر بالعار، فرضوا علي أن أشعر أنني ارتكبت غلطة. إنه من الصعب عليك أن تبدع كتابا من الأساس. عليك أن تنقب وتفتش في لا وعيك. ثم تأتي بقصة من نوع ما ولغة وعاطفة وموسيقا، ولا شك أنت تود لو تحصل على بعض التأييد ممن تعرف. وإن كنت تتمتع بأي قدر من احترام الذات يجب أن تسرع في مغادرة المكان، لتستمر بالكتابة.

لقد عاش جيمس جويس كل حياته في المنفى وكتب بهوس وتمجيد عن إيرلندا. غادر إيرلندا بجسده، لكنه بقي فيها سيكلوجيا، وليس لدي ما أضيف على ذلك فيما يتعلق بي. إنني لا أستبعد أن أعيش فترة من الوقت في إيرلندا. ولكن في مكان ناء، حيث أجد الهدوء والخصوصية. إنه من المهم أن تتمتع بالحرية حين تكتب، من غير الاستجابة لأحد. لحظة تشعر أنك مطيع يحتبس الكلام. لا تستطيع أن تفعل شيئا.
س : أنت تكتبين الكثير عن الحروب، حرب في البيت، حرب على الأرض، حرب في القلب. هل الإيرلنديون أكثر عرضة لهذه الظواهر التي تعود إلى الماضي ؟.

ج : أنا أعتقد حقا أنهم أكثر تقلبا. إنهم أكثر قلقا بالهجرة وباللغة. وإن تاريخهم دفعهم إلى معاناة جحيمية في أمور كثيرة. لقد كتبت عن العلاقة بين الأم والطفل، وبين الزوج والزوجة، وفي (بيت في عزلة رائعة) بين بلد مجزأ إلى وطنين.

عضو في جيش التحرير الإيرلندي أخبرني ذات مرة " حينما تطلق النار لا ينتابك إحساس. ولكن حين تقتل تستيقظ مشاعرك، لأن نصفك يأمل أنك حققت إصابة مميتة، والنصف الآخر يأمل بعكس ذلك. فنحن جميعا إيرلنديون فيما وراء جلودنا ". ذلك كان بالنسبة لي قصة عن الحرب. الحرب.. سواء بين امرأة ورجل، وأجزاء من الوطن، وبين أمم مختلفة، هي على الدوام، دائما أكثر تعقيدا من كلا الطرفين المتنازعين. ذلك هو ما أرغب بالكتابة عنه. إن المشكلة والعقدة المختفية ضمن ظواهر المشكلة هو ما يهمني. إنه من المستحيل على كاتب على أي قدر من الوعي فيما يتعلق بالنفس البشرية والشرط الإنساني أن لا يكتب عن الحروب، مهما كانت محلية.؟ لأن الناس يختلفون مع بعضهم البعض، أحيانا يسامحون بعضهم البعض، ثم يختلفون مجددا فيما بينهم. إن الحياة ليست بركة راكدة، إنها بحر متلاطم وعاصف، ونحن في هذا الخضم. وربما كنت أنا، بسبب العِرق الذي أنتمي إليه، أبذل اهتماما أكبر بذلك الموضوع بالمقارنة مع الطروحات الهادئة. على كل حال، هذا هو قدري.

س : هل ذلك هو هدف ورسالة كتاباتك ؟.

ج : لست على يقين أن لدي رسالة ـ ـ ربما هي " صرخة " إدوار مونش، ربما.

الهدف ؟. إنه سؤال عويص جدا. في البداية وفي الجوهر عندي تأتي اللغة. أحد أعظم مباهجي في الحياة أن أستمع إلى قبسات لغوية، شريط من الشعر، مثل قول والاس ستيفنس : " لست أدري ماذا أفضل / جمال الاستحواذ وجمال الإبهام / زغرودة الطائر الأسود، وما بعدها ". لا أستطيع أن أخبرك ما هو هدف والاس ستيفنس من تلك السطور الثلاث. كل ما أعرفه، حين أسمعها، أنها تحرضني. اللغة شيء مذهل. إنها أقوى من أي سلاح نووي. تستطيع أن تفعل بها ما شئت. جيمس جويس حقق ذلك. تستطيع أن تجعل من باطنِها ظاهرَها. تستطيع أن تتلاعب بها، تستطيع أن تبدع بها مجرة، وأن تفجر عواطف القارئ ومشاعره، وأن تصل بالقارئ إلى ذروة النشوة التي ليس لديه سابق علم بها. أنا أعشق أيضا الإمكانيات القليلة التي أستطيع أن أتعامل بها مع تلك السيسرورة وذلك الإيقاع.

س : من هو الكاتب الذي يحرك مشاعرك، يؤثر فيك أكثر من سواه؟.

ج : ما من شك أنه جيمس جويس. هذا القول ليس بسبب المشاعر القومية. ولكن ببساطة لأنني حين كنت أعمل في دبلن في صيدلية، اشتريت في أحد الأيام كتابا بأربعة بنسات عنوانه " مقدمة إلى جيمس جويس " بقلم ت. س. إليوت، وقد فتحته على مقطع من " صورة الفنان في شبابه "، مشهد عشاء عيد الميلاد، وكانت الشعلة الزرقاء فوق حلويات العيد. حتى ذلك الحين كنت أكتب بلغة حالمة أوظف فيها كثيرا من النعوت. حين قرأت ذلك المقطع، فهمت أمرا واحدا : ليس علي أن أشرد بعيدا إلا مع ما في داخلي، مع تجربتي الخاصة، في أي شيء أكتبه. لقد كان فعلا، من غير التشبه بالقديس بول، رؤيا ساطعة لي.
الآخر هو ويليام فولكنر. إذا كان هناك في السماء رجلان، وهذا اعتقادي، ضع في ذهنك أن جويس لا يود أن يأتي على ذكر هذا المكان ـ إن كانا في صحبة واحدة هناك في الأثير، أتمنى أن يكونا يتبادلان الأنخاب، وسوف أشرب أنا أيضا نخب عظمتهما، نخب ما اقترفت يداهما من جليل الأعمال.

إنه مذهل ذلك الذي منحاه للحياة. هنالك كتّاب لا يمكن عدهم. ولكن عندي لا يوجد غير جويس وفولكنر.
 

هذه هي ترجمة لنص المقابلة التالية:

 The minute you feel answerable, you're throttled , Salon. litchat. Interview with Edna O'Brien. 2003.

 

  

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com