لقاءات

 

ليس كل ما تكتبه النساء أدبا نسويا..

مع الروائي العراقي برهان الخطيب عن أدب المرأة وشجونها

 

الجزائر: من كريمة الإبراهيمي

 

تاركا ضباب المدن العتيقة هناك... يقطع شوارع الحرف من -أبي نواس- الى –المتنبي-...شامخا على أرض الرافدين معلنا أن (بغداد) ستظل للرشيد وليلها القاتم حاليا سوف يزاح.. لتعود ليالي ألف ليلة الملاح... ذاك هو الروائي الكبير برهان الخطيب...

 برهان الخطيب...من الروائيين العرب الذين عايشوا مراحل مختلفة من التاريخ العربي منذ الستينات، اذ صدرت له روايات عديدة منها (خطوات الى الأفق البعيد) عام1967 و(ضباب في الظهيرة) عام1968 تلتها (شقة في شارع أبي نواس) عام1971 اضافة الى (ليلة بغدادية) و(الجنائن المغلقة) و(الشارع الجديد) وغيرها من الروايات...

 لقد غاص أبو البراهين، كما يحلو لعارفيه جيدا تسميته، في الواقع العربي انطلاقا من الوضع في العراق مصورا اياه خارطة مجسمة، إحداثياتها الزمان والمكان، ونقطها المضيئة أبناء وبنات هذه الأمة المنكودة مشرقين بتفاؤلهم وقوتهم الروحية فوق الإحباط، فاسحا المجال لقارئه للتنقل بين أبطاله ومشاركتهم تفاصيل يومياتهم على أصعدة متعددة استطاع الكاتب منحها ذاك الحضور المتميز وذاك الألق الذي تمنحه تلك الأمكنة والأزمنة الصعبة والطيبة رغم كل شئ لذاكرتنا كونها لا تنفصل عن كيان حضاري يمتد إلينا وفينا ومنا إليه...

 ان برهان الخطيب وبأعماله الكثيرة الجادة فتح الباب لنقاد كثيرين جالوا عبر حروفه قارئين لها من وجهات نظر مختلفة، مؤكدين في الأخير أن كتابات الخطيب والروائية منها خاصة جديرة باحترام كبير وباحتلال مكانة هامة في مشهد الرواية العربية المعاصرة...

* المرأة العربية في فترة تفتح، أديبات، أكاديميات، مخرجات، صاحبات أعمال، يظهرن كل يوم بالتلفزيون والصحافة بموازاة الحديث في جامعات وإعلام عن مصطلح (الأدب النسوي) أو أدب المرأة، ما موقفكم منه؟..

ـ يمكن النظر إلى مصطلح أدب نسوي من عدة زوايا طبعا، من زاوية ناقد يبحث عما يميز أدبا تكتبه امرأة عن آخر يكتبه رجل، للناقد الحق طبعا في منهجه، خاصة إذا عثر على ما يميز أدبها عن أدبه. كما يمكن النظر إلى هذا المصطلح من زاوية امرأة تفكر في الكتابة، هل تعترف به أو ترفضه، هذا القبول أو الرفض يترك أثره في تفكيرها وصياغاتها ونوعية إبداعها، لاحقا في تكريس أو تهميش هذا المصطلح في الثقافة والمجتمع شيئا فشيئا. كما يمكن النظر إليه من زاوية سياسي أو سياسية يريد أو تريد للمرأة وضعا خاصا يؤطرها أو لا يؤطرها ضمن المجتمع، تأطير المرأة تأطير للمجتمع برمته، هي أكثر من نصفه، لو أريد لها التحرر من صورة قديمة لجنسها، متحققة كإنسان كامل مع حقوق وواجبات كالرجل، يُرفض المصطلح في هذا الحال أو يُنتقص منه. مسألته ليست بسيطة، في مجتمع يعطيها هذه الحقوق نراها تُشيّئ، الذنب لا يقع على التشريع والمصطلح طبعا بل على اختيارها.

 لو نظرنا إلى إبداع بإقلامهن نجد الفارق عن المكتوب بأقلامهم يضمحل عند التطلع إلى ذرى أدبية لهما معروفة، ويتسع هذا الفارق مع خفض النظر إلى أعمال بائسة كتبت من نساء أو رجال زعقوا بالفرق بينهن وبينهم. عاليا هناك (ذهب مع الريح) مثلا لهنريت ستاو، (مرتفعات وذرينغ) لأميلي برونتي، وما كتبته شقيقتها، رواية (جين إير)، (ريح الشرق وريح الغرب) لبيرل باك، وغير هذا من أعمال رائعة لأديبات مقتدرات صعب التعرف عليها كأدب بأقلام نساء، كذلك هناك أعمال رائعة عن نساء كتبها رجال ولا يمكن التعرف عليها باعتبارها مكتوبة بأقلام رجال، مدام بوفاري مثلا لفلوبير، أنا كارينينا لتولستوي ليف، وغيرهما، نقرأها نشعر أنها مكتوبة بقلم امرأة أحيانا. بالمناسبة تولستوي تأثر بذهب مع الريح حين كتب الحرب والسلم، وفلوبير قال عن مدام بوفاري هي أنا. خلاصة لا يوجد عقل مؤنث وعقل مذكر، يوجد تفكير صحيح وآخر خطأ، التفكير الصحيح رياضيات، في الرياضيات لا يوجد تأنيث وتذكير، هذا إذا كنا نتكلم عن الذرى ذكرت. القول بأن عقل المرأة ميال إلى السلام وعقل الرجل إلى الحرب غير علمي تماما، غولدا مائير وجاندارك وهند بنت عتبة وغيرهن خضن حروب كالرجل. إذا خفضنا أبصارنا نحو كتابات تسعى للتعبير عن النفس، غير عابئة كثيرا بمجتمعها حاضنتها، يكون الفرق بيّنا بين أدب يكتبه رجل وآخر تكتبه امرأة، بموازاة الفرق بين ما في نفسية المرأة والرجل. المرأة غير الواعية في مجتمع يكرس سيطرة الرجل تنحو للخضوع له، كما يريد هو اخضاعها. تبدأ المشكلة حين يتقد الوعي. هنالك رجال لهم درجة من الحساسية تفوق ما للمرأة، تجعل أعمالهم تتسم بكثير من الرقة، لنأخذ مثلا أدب تورجينيف، مقابل هذا هناك أدب رجولي كتبته نساء قويات، أعمال جورج صاند مثلا، الأدب النسوي مصطلح قابل للنقاش، إنما ليس لتحديده بكيت وكذا، ليس كل ما تكتبه نساء أدبا نسويا ولا كل ما يكتبه رجال أدبا رجوليا، الأدب يجب أن يكون أدبا، لا نسويا ولا رجوليا. وأن تكون المرأة في مركز العمل الأدبي لا يجعله نسويا، في مركز معظم الأعمال الأدبية، إذا لم أقل كلها، نجد المرأة وحولها الأحداث، حتى قيل لا يمكن كتابة رواية من غير امرأة، حاولت نفي هذه القاعدة بروايتي الأولى ( ضباب في الظهيرة) في الستينات، عندما جعلت أبطالها ثلاثة شبان ولا امرأة بينهم أو معهم. قد يمكن القول أن مناصرة قضية المرأة في عمل إبداعي، بغض النظر عمن كتبه، امرأة أو رجل، يجعله أقرب إلى هذا النوع، الأدب النسوي، لو سلمنا بشرعية هذا المصطلح. معالجة قضية المرأة تختلف أيضا من كاتب إلى إخر، هذا يريدها محجبة وذاك متعجبة، وكلاهما يقول نناصر المرأة، ويأتي ثالث يقول: بعض المحجبات متحرر أكثر من مفرعات، بل وبعض المتحررات متحجب على عقله ولا يفقه، ويأتي رابع يفتينا: المحجبات لم يصنعن خيارهن بل صنع لهن، وهكذا حتى نخرج مع هذا المصطلح من ميدان الإبداع إلى ميدان السياسة المليء بالصخب..

اعتقد إن الدماثة واللطف والرقة سوف تكون من نصيب الرجال أيضا في مجتمعاتنا الجديدة لو تخلصنا من العنف والفقر أي مما يردم الهوة بين أدب يكتبه رجل وآخر تكتبه امرأة..

 

طفرة نفسية ومعرفية هائلة

 * كلامك عن الإطار الذي تكتب فيه المرأة والرجل فيه كثير من الحكمة أرى، فما تقييمك للأدب نفسه الذي تكتبه المرأة؟

ـ الرد على هذا السؤال متشعب، يستوعب أدب المرأة في العراق، في الوطن العربي، في العالم عموما. لعلك تعلمين للمرأة العراقية منذ نازك الملائكة ولميعة عمارة مساهمة ذات شأن في أدب منطقتنا، زادت بعد الستينات، متقدمة ربما بعض الشئ على تجربة أخواتها في سوريا ومصر والمغرب العربي في تلك الفترة رغم السطوع الشديد السابق لأديبات هناك منهن كوليت خوري، غادة السمان، أميلي نصر الله، لطفية الزيات، فدوى طوقان، مي زيادة، بنت الشاطئ. ما قدمته ديزي الأمير مثلا، بثينة الناصري، لطفية الدليمي، سهيلة داوود، هيفاء زنكنة، سميرة المانع، وغيرهن من العراقيات، متقدم نوعا ما على تجربة زملائهن المجددين العراقيين، أشرت إلى هذا في دراستي عن القصة العراقية في الستينات والسبعينات، وما زلن يكتبن حتى اليوم، كذلك عالية ممدوح، أنعام كججي، هاديا سعيد التي حظت أخيرا بجائزة محترمة، بينما راحت تظهر أسماء جديدة كهدية حسين التي كتبت رواية جيدة، خولة الرومي، والآن نقرأ لشاعرات وكاتبات مقالة ذوات باع واطلاع كنادية فارس، بلقيس حسن، أميرة شموؤيل، فينوس فائق، فاتن أنور، وغيرهن. حالهن في السابق كان تعثر ككل مسيرة الأدب للأسف في العراق إلاّ ندرى مع الحرب والحصار والاحتلال. إنما برزت أسماء جديدة لامعة من مصر وفلسطين والكويت والجزائر وتونس، منها أهداف سويف، ميرال الطحاوي، ليانة بدر، حنان الشيخ، نادية خوست، بزة الباطني، ليلى العثمان، وأخيرا اشتهرت عن جدارة هدى بركات، أحلام مستغانمي، وبالمقالة السياسية المتألقة بثينة شعبان، ما قدمته هاته الأديبات الفاضلات ذو قيمة أدبية ملموسة، يمكن النظر إليه باعتباره مؤشرا لنهضة نسوية أيضا ترتفع في الوطن العربي عموما، وسيكون لها دور على بقية نساء منطقتنا في المستقبل سواء كتبن بالعربية أو بغيرها أو غير كاتبات. في مصر أديبات نفخر بهن كفريدة النقاش، ونوال السعداوي التي سعت لترشيح نفسها لمنصب رئيس الجمهورية، قبل أسابيع تكلمت في القاهرة مع كاتبات ناشئات مثل ليلى الرملي، عفاف الصاوي، ولمست في أحاديثهن، سواء كن محجبات أو غير محجبات، طفرة نفسية ومعرفية هائلة تبشر بأن التحولات المرجوة لمجتمعاتنا تتم تدريجيا في خفاء أحيانا بعيدا عن الصخب الذي نسمعه في المقاهي والشوارع. كل هذا لم يكن ليتم بغير خروج المرأة، عن إطار ضيق تسجن فيه لو حصرت اهتماماتها بجنسها فقط، إلى رحاب التفكير الحر المتزن. إذا نظرنا إلى أدبهن خارج منطقتنا، ذكرت لك في ردي على سؤالك السابق بعض الأمثلة من أدبهن الذي ارتقى إلى ذرى أنسانية عالية كأدب هنريت ستاو، أميلي برونتي، شارلوت برونتي، بيرل باك، كذلك فرجينيا وولف، سيمون دو بوفوار، وغيرهن الكثير، أنا شخصيا تأثرت بأدبهن، بعضهن أثر على عمالقة معروفين كهمنغواي، تولستوي، نحن لا نستطيع رسم حدا فاصلا بين إبداعهن وإبداعهم المؤثر في صياغة وتطوير مستقبل الجنس البشري، مستقبل يرتسم في سلام وكلام لحالمين على ضفاف نهر، ومتوحدين تحت سماوات مشرقة أو مقمرة، ومتهامسين على مقاعد باصات أو دراسة، أكثر مما يرتسم على ساحات حرب، هن مؤثرات منذ عهد الجاهلية والأغريق، كيف يمكن أن ننسى اسم الخنساء وصافو وتوني موريسون وغيرهن..

 

الأدب صراط مستقيم

 * لكن لعل هناك خصوصية ما لهذا الأدب النسوي يمكن استلهامها كمؤشرات لمعاني أكبر، ما رأيك؟

ـ الخصوصية تنبع ليس من كونه أدبا نسويا بل من كونه كتب من هذه المرأة أو تلك، الخصوصية ملمح فردي، مَن يستطيع أن يقول أن أدب أغاثا كريستي كتبته امرأة؟ في روسيا الآن أفضل مَن يكتب القصص البوليسية الجادة الشديدة نساء، بولينا داشكوفا، داريا دانتسوفا، الكساندرا مارينينا، ناتاليا الكساندروفا، أوستينوفا، وغيرهن، طبعا بموازاة تصاعد وتائر الجريمة ونشاط المافيا في روسيا، نصوصهن يصعب التعرف قبل قراءة أسم المؤلفة على الغلاف ما إذا كان كاتبها ذكرا أو أنثى.

أذكر أني نقدت في بداية الثمانينات قصة معتبرا كاتبها، لعذوبة النص وتشابه اسمه (جنان) مع اسم صديقة لنا، امرأة. ثم التقيته بعد حين فإذا شاربه وكر نسر. لكن إذا دققنا في سمات عامة لما تكتبه المرأة عموما أقول هي غالبا أكثر واقعية ورقة من الرجل. إذن المهم كيف توظف هاتان السمتان في صياغة الشكل والمضمون، الشكمون، إذا كانا شيئا واحدا. مع إحكام سيطرة العقل على ناظم النص نقترب أكثر إلى الدقة، أكان الكاتب امرأة أو رجلا، ابتعدنا تحولنا من الرياضيات إلى الإنشاء، سقطنا في فضفضة. خطأ شائع أن الشعر والانسيابية نقيض الرياضيات، العكس هو الصحيح، الرياضيات كما اكتشف برتراند رسل قبلنا نوع من موسيقى، بعد حل إحدى مسائل الثرمودايناميك المعقدة ومعادلات الدرجة الرابعة الوعرة كنت وبعض زملائي في الهندسة نشعر أننا تحررنا من أجسادنا ووقعنا في روح الشعر، اقتربنا أكثر إلى الله. لم تكن بين إيدينا حينه آلات حاسبة، كالمستخدمة اليوم في ثانية لحل أعقد العمليات، غير المسطرة الزالقة، رغم معونتها الكبيرة استغرق حل مسألة بها عشرين دقيقة تقريبا ونحن الممنونين. كالحرية والالتزام يتلازم الشعر والعقل. بفصلهما تسود فوضى أو نظام يخلق الفوضى. صديق فيزياوي جاركم قال النظام الشديد حافز لفوضى، قلت كما من الفوضى يولد النظام.

 التفكير الدقيق من امرأة أو رجل منبع لشاعرية أكثر جاذبية وتأثيرا، هكذا أجد أدبها بين المحكم والمدغم متسما بعاطفية وأنسيابات منطقية خلافا لكل ما يقال عن شعرهن الطويل وعقلهن القصير. أنظري إلى ما كتبته وتكتبه غادة السمان ومستغانمي وهدى بركات الرائعة وبثينة شعبان الألقة وغيرهن من زميلاتهن، تفكيرهن أكثر دقة وشفافية من رجال أدباء اعتبروا أنفسهم عباقرة. لقد فازت بركات وهاديا سعيد بجائزة مرموقة وهذا يعني شيئا، يعني أولا أن الجائزة تحترم نفسها حين تمنح لمن يستحقها وأيضا أن كاتباتنا يحققن مستويات عالية من الإبداع. حين قرأت بركات وجدت صعوبة في تلمس اثر الأنثى في كتاباتها، ما يعني أنها ارتفعت فوق جنسها لتبدع إنسانة لا كأنثى. طبعا نعثر عند التقصي على لمسات في العمل الإبداعي قد لا تضعها سوى أنثى إذا كانت كاتبته. سطوركِ التي قرأتها تدخل في هذا السياق. في إمكان عين الأديب المحترف، بالمعنى الإيجابي لكلمة محترف، الانتباه أيضا إذا وزع انتباهه كزميلته الانثى على ضرورات الإبداع ، إلى ما يمكن أن يكون بعيدا عن انتباهه في الحياة اليومية. مثلا خطوط المودة، ألوان الفساتين، نوعية الأقمشة، تسريحة الشعر، تأثير الرائحة، ما تخفيه النظرات، ما تحت الكلمات، وما إلى ذلك في هذا الموقف وهذه الفترة أو تلك. أعود وأختصر: لا أؤمن بوجود عقل مؤنث وآخر مذكر، بل عقل ناضج وآخر فج، رغم وجود الأنثى والذكر وحسن تركيز الأنوثة فيها والذكورة فيه. لكن المظهر الأنثوي أو الذكوري لا يعبر حتما عن مقدار الأنوثة والذكورة وراءه. ثمة مظهر ذكوري يخفي أنوثة أحيانا، العكس صحيح أيضا، على مستوى معين نجد في كل منا أي شئ، الخلل حين يزاح العقل ويطغي نقيضه. نساء يمتزن بقدر هائل من الأنوثة صعدن إلى مناصب تحتاج قدرا كبيرا من شدة الذكور، العكس حدث أيضا، الأدب صراط مستقيم ممتد بين الذكورة على جهة والأنوثة على الأخرى إلى جنة الإبداع بحفظ التوازن أو جحيم الفشل بفقدانه. يبدو لي كلما تميز أدب بصبغة نسوية أو رجولية كان أقرب إلى الروج البدائية، اختفت هذه الصبغة اقترب إلى ميدان الإبداع الراقي الإنساني. الرقة ليست سمة نسوية، ولا الخشونة سمة رجالية، كلاهما سمة للإنسان عموما، الأولى إنسانية، الثانية للضواري، مقدار أي منهما في امرأة أو رجل ليس بمقدار الأنوثة أو الذكورة فيها أو فيه بل بمقدار تحقيقهما إنسانيتهما، هذا يصطدم بمعوقات، الخوض فيها يدخلنا ميدان السياسة الذي أحاول تجنبه، لأنها ليست حرفتي، لا تعففا، فبعض الساسة الذين يرأفون بخصمهم كما بإهلهم أنبل من أدباء يتكلمون عما وراء الطبيعة وهم يتصرفون في أفضل حالاتهم مثل كلاب، ما أن يشموا رائحة غيرهم على هذا المنعطف أو ذاك حتى يسارعوا برفع قائمتهم ليقوموا باللازم، وإذا التقوا معهم على طريق ولم يحسنوا لغة الحوار نبحوا متصورين فيهم شجاعة.

 

تطويع القوالب السائدة

 * اقتربنا إلى السياسة أرى رغم اتفاقنا على عدم الاقتراب إليها فهي مع الدين والجنس نعرف ثالوث محرم على الكتاب عموما في عالمنا، فهل تمكنت المرأة الكاتبة من كسر هذه الطابوهات؟

 ـ تعاني المرأة الكاتبة ضعف معاناة الرجل الكاتب أمام هذه الخطوط الحمراء، رغم هذا وجدنا كاتبات جريئات استطعن التعامل مع هذه المحرمات وتجاوزن أخطارها ضمن هامش الحرية الصغير في مجتمعاتهن أو دفعن الثمن باهضا أو هينا أحيانا، ليلى العثمان تذكر هنا، نوال السعداوي، فريدة النقاش، اليوم هذا الهامش يتسع بالمتغيرات الجديدة الداخلية والخارجية، مشكلة تعبير المرأة في تجاوز حدود الرقيب في مواضيع تشكل أسس وجودها ووجودنا اليومي جزء من مشكلة أكبر، من وضع حقوقها في المجتمع، ومن مشكلة أخرى أكبر من هذه، هي مشكلة الإنسان عموما في وطننا العربي أكان امرأة أو رجلا، بل ويمكن الخروج من هذه الحلقة إلى أخرى أكبر وهي مشكلة العالم الثالث عموما بين دول متقدمة في يدها مفاتيح التغيير والتطوير غير مستخدمة إياه كما ينبغي لتحويل كرتنا الأرضية إلى فردوس كلي للجميع بدل الجحيم الذي يعيش فيه الفقراء على درجات ومستويات وفي وسطه أو إلى جواره جنان يعيش فيها أغنياء ليس هم أذكى غالبا من غيرهم لكن أوفر حظا في تواجدهم صدفة أو بميراث أو بمسعى جاد من أفضلهم قرب مراكز الثروة. نحن أبناء الطبقات الوسطى نساء ورجالا حلمنا منذ الخمسينات بتغيير يجعل حياتنا أكثر إنسانية، هذا الدافع كان وراء امتشاقنا القلم بـأدب، الآن الطبقة الوسطى تكاد تضمحل في منطقتنا، هذا مؤسف وخطر لأنه يغذي نزعات متطرفة، فيما تظل الحاجة إلى التغيير حاضرة مستمرة، هذا طبيعي عند البشر مثل صعود الماء في نسغ الشجر الحي، للنساء بالقلم وغيره دور في تطوير وتغيير ينبغي تحقيقهما من ذوي الخبرات لا من غاضبين أو نهازي فرص يحولون التغيير إلى كابوس، دخلنا ميدان السياسة نعم ترين، أي ما أحاول تجنبه، الاسترسال في التفكير والتعبير يقودنا إليه، لا مفر من هذا سوى بإعلاف من ثقافة هابطة، آنذاك يتجه التفكير ومعه التعبير إلى العشوائية أو البهيمية، أو بإتلاف مع ما ينسينا ويبلدنا بمختلف ألوانه، هذا يصبح شائعا للأسف، العوض عند الانترنت، تدخل البيوت شيئا فشيئا وتتسع فئة النساء والكاتبات المتمكنات من رؤية مشاكلهن في إطارها الواسع، مع هذا الاتساع تعمق معالجة مشاكلهن ومعها المشاكل الأكبر، بعضهم يسخر عن أية معالجة تتكلم وكل شئ بالقوة اليوم؟ هذا تطرف نتيجة فقدان الثقة بالقدرة على التغير سلميا، بالكتابة الصاحية، ما فعلته غادة السمان طويلا وبثينة شعبان ما رشحها لجائزة نوبل للسلام مؤخرا عن حق، وزميلاتهما أديبات الإمارات والسعودية الشجاعات، إحداهن دخلت مبارزة معي على الانترنت حتى اضطررت لإعلان استسلامي مبكرا للطفها الجارح. التفاؤل موجود رغم مؤشرات سلبية حولهن. نريد نتائج ملموسة سريعا وهذا غير ممكن. تختلف ساعة المجتمع عن ساعة الفرد. عموما أرى لم تقصر الكاتبة في منطقتنا في أداء دورها، لم يفسح لهن المجال حسنا ورغم هذا أبدعن، إذا كان إبداعهن لا يرقى إلى مصاف أدب عالمي إلاّ في حالات نادرة جدا فلأن للظرف سطوته عليهن، نضج كتاباتهن يتأتى من نضج العقل الجمعي أيضا، مسؤولية هذا التنضيج تقع على عاتق رؤساء دولنا ومثقفينا. هن لا يستطعن كسر تابو أو محظور والقانون يحاسبهن، رغمه فعلن ضمن حدود، المطلوب في رأيي ليس كسر أي شئ، لأننا مكسرون بما فيه الكفاية، المطلوب تطويع القوالب السائدة لتستوعب نزعاتنا الإنسانية على أمل أن تفكك هذه النزعات حين يكتمل تعبيرها عما فيها قوالبها تحقيقا لنزعات أبعد وأوسع، الثمرة لا تشق غلافها لتكبر بل تكبر من الداخل مع غلافها تدريجيا، هذا ما ينبغي أن يسير عليه التغيير والتعبير في منطقتنا، نسائي أو رجالي، هنا البزة واحدة.

الأدب والسينما

* الأديب الروائي فيك يتكلم بالصورة، ترسمها بالكلمات، للسينما تؤديها كاميرا، جملك الروائية مشحونة بطاقة تعبيرية هائلة، فماذا تقول عن تحويل عمل أدبي (روابة) الى سينما؟ هل تخدم السينما النص الأدبي؟ وهل كل عمل أدبي يصلح للسينما؟ أدب المرأة والمرأة (السينمائية) كيف برأيك العلاقة بينهما؟

ـ المرأة بطبيعتها أكثر بحثا عن التفاصيل من الرجل، ولها قدرة عالية على التفسير بهاجسها، قبل عام كنت مع شقيقتي أكلم بلطف غريبا صدفة، ابتعد عنا قليلا فحذرتني منه، زوجها لامها على سوء ظنها، غير أن ظنها أصاب، إذ بدر من الغريب بعد قليل ما استوجب الحذر فعلا. والمرأة تدير بيتا في الغالب فلها قدرة تنسيق الأجزاء في كل، هكذا تكون صالحة ربما أكثر من الرجل للإخراج السينمائي، خاصة نقلا عن عمل أدبي جاهز، وأكثر لو عالج أمورا لبنات جنسها وهي أعرف بها. أفلام إيناس الدغيدي مثلا ذات مستوى طيب. ساندرا نشأت، رشا شربتجي، من الجزائر آسيا جبار بلغت شأوا عاليا في هذا المضمار. من المغرب فريدة بليزيد، ومن تونس زهيرة بن عمار، ومن السعودية هيفاء المنصور، والسورية واحة الراهب، والفلسطينية ليانه بدر، أكدت بتحولها من الأدب إلى السينما العلاقة الوثيقة بينهما، ومن العراق المخرجة المعروفة عاتكة الخطيب، ابنة عمي، كلهن مخرجات حققن إنجازات طيبة جدا، أثبتن قدرة للمرأة في هذا الميدان خاصة، وهناك غيرهن على هذا الطريق يتتبعن خطاهن. معلوم أربع فلسطينيات حصدن جوائز الفيلم التسجيلي في فرنسا، وغير هذا، مجتمع منطقتنا يحتاج مساهماتهن خاصة في هذا المجال، هن ينظرن إلى الوجه الآخر لقمر الإبداع، ويمكن الإفادة منهن إضافةً لإبداع الرجال بما يغيب عن بالنا.

 تحويل عمل أدبي إلى فيلم سينمائي يشبه ربما زفة عروس إلى عريسها، أقصد بالتحويل تصل دورة حياة المخلوق الأدبي إلى مستقر سعيد، تتجلى عنده أمكانياته وأبعاده الخفية والإضافات الممكنة عليه من عقول فريق السينما، يجب أن يكون فيه نساء، بهن تكتمل النظرة قلت إلى العمل الإبداعي. قد يتعرض النص لتحريف طبعا، أو حتى لتشويه، هذه مسألة أخرى. لكن بالنقل الأمين المبدع يتخذ العمل القصصي، الروائي، أبعادا وحضورا متعدد الجوانب لدى القراء، خاصة إذا تعاون رجل وامرأة على إعداد الفيلم.

أفضل الأفلام في رأيي المعدة عن أعمال أدبية، تورتة على تورتة أمامك في هذا الحال، خذي موبي ديك، ذهب مع الريح، سيد الذباب، قصة حب، زوجة الكولونيل الفرنسي، العراب، ثلاثية محفوظ، الحرام، الأرض، البوسطجي، باب الشمس أخيرا، ومئات غيرها، طبعا ليس جميع الأعمال الأدبية صالحا للسينما، غثيان سارتر مثلا أو أعمال مارسيل بروست لا يمكن نقلها إلى السينما، حركتها داخلية صرف، فكرية، حسية، يصعب ترجمتها إلى حركة فعلية هي أساس لغة السينما. بعض الأعمال الأدبية المتسم بحركة ظاهرة وعمق فكري يفقد الكثير من قيمته عند نقله إلى سينما. في الستينات شاهدت فيلما (وجوديا) لروبرت حسين، كان مملا رغم تشبثي بلقطاته لفهمها وتحليلها. وأنت تمسكين بالكتاب وتتابعين الحركة الداخلية للنص الجارية تحت سطح الكلمات يمكنك التوقف غالبا للتفكير والربط، في السينما لا تستطيعين التوقف، يصعب جمع الأفكار والتفاصيل وصولا إلى استنتاجاتك الخاصة، تحصيلها إبداع ثان منك، في السينما يقوم المخرج بهذه الوظيفة غالبا وبطريقته وفهمه الخاصين، يوفر نعم للقارئ جهدا لكن يفقده بعضا من متعة الاكتشاف وتطوير النص ذاتيا، بل يستطيع المخرج تفسير النص نقيضا لرغبة المؤلف. إذن متعة التذوق السينمائي لا تعوض متعة قراءة الكتاب الأصلي. كثيرا ما يخرج مشاهدون أثرياء الذات من صالة السينما ويبحثون عن كتاب الفيلم لقراءته تنقيبا في تفاصيله وزواياه. إذن لتحويل قصة إلى سينما ثمة مزايا ومثالب، هذا طبيعي في الحياة، الحياة نفسها نوعا من موت، الموت نوعا من حياة، كذلك مسرحة و(تسنيم) رواية، إحياء وقتلا لها في آن، خاصة إذا قامت بها امرأة، تضفي عليها آنذاك بعدا خاصا حتما من عندها، أنثويا، يأخذ من القصة ويعطيها، وقد تشتبك في صراع مع المؤلف إذا كان امرأة، وحين تجتمع رؤيتان لإمرأتين على موضوع واحد تعرفين يا كريمة النتيجة، كفش ودبش في أسوأ حال أي نعمة مقابل رصاص الرجال، يأخذ الحاصل إذن بعدا جديدا على أي حال، ليس هناك دروس نهائية طبعا في أي موضوع، هناك أساسيات نعم، الأفضل أن تدرس وتناقش كل حالة على انفراد.

 

الظلال المضيئة

 * هل تجد إحراجا لو سألتك كيف هي المرأة في كتاباتك، باعتبار لهذا الموضوع علاقة بكيف هي المرأة في حياتك وما قد يجر الرد إلى مواضيع خاصة يفضل عادة عدم الخوض فيها، سؤالي أبقيه عنها في كتاباتك، لا عن الإحراج نفسه طبعا، لأني أنا المحرجة تراني أمامك بسبب نفاذ نظرتك..

ـ لا أجد إحراجا في أي سؤال حتى لو سألتيني عن ملابسي الداخلية، ليس لأني لا أعرف العيب، بل لأني أعرفه تماما، وليس لدي ما استعيب منه في حياتي. المرأة في كتاباتي موضوع ذو عدة أوجه كمجمل مواضيع رواياتي. أنا لا أخلق شخصية ضمنا النسائية من العدم طبعا، وهي ليست عبدة للواقع أيضا. لها دفع من ثقافتها وجذب من مرتفعات تطلعاتها، أي كما عرفتها عن قرب، قوية، مثابرة، شريفة. جدتي بلقيس أول قابلة مرخصة رسمية في العراق كانت في حالة استنفار دائم، أكثر من نصف سكان مدينة المسيب استقبلت رؤوسهم بيدها، ووالدتي اختيرت من نساء محافظة بابل عام 1958 لتمثلهن أمام الزعيم قاسم نصير الجزائر وفلسطين، له تمثال عندكم، وكذا مصطفى البارزاني والمهداوي وغيرهم من قادة العراق الجديد، مرت تحت يدها أيضا رؤوس نساء مدينة الحلة بعملها في بيتنا. شقيقتي الكبرى فازت على الشباب والشابات حينه في مباراة الخطابة وامتحانات البكالوريا التي سمح بها لهن قبل أسبوعين من بدئها فجأة ولم تدخلها حينه من البنات في المحافظة سواها. عمتي قائدة نسوية معروفة راقدة جوار قائد الثوريين في العالم ماركس، وهكذا غيرهن من عائلتي اللآئي مزجن المحافظة بالتحرر، لا عن تظاهر وتصنع وتمرد بل عن ضرورة وفهم دقيق للقيم وتشجيع من رجالهن، برزن في المجتمع، وكان تأثيرهن في رواياتي جد طبيعي. امرأة كشريفة في أكثر من رواية لي، دؤوب، مجدة، استلهمت صورتها من صورة أمي، رجاء وأمل في (ليلة بغدادية) من شقيقاتي. مع كبري وابتعادي عن بيت الأهل تعرفت على أنماط أخرى من النساء، لهن وضع آخر في المجتمع وفهم آخر للقيم، الزمن نفسه تغير ومعه أمور كثيرة، نوافذ أوسع فتحت أمام الباصرة والبصيرة، عشت تجارب متنوعة لا تحصى، أصبح طبيعيا أيضا أن يظهر ذلك في أعمالي التالية، نعيمة وشمس وهيلينا وسلوى وأميرة وغالا وليلى وستالينا وسناء في رواياتي هن مرايا أو ظلال مضيئة عن نساء عرفتهن عن قرب وبعد على هذا المنعطف وذاك. هناك أخرى اسمها آمال ظهرت قليلا جدا في عمل وآخر، كانت ترافقني معظم حياتي في خيالي. أي خلق في أي عمل إبداعي يتأثر بعوامل عديدة تبدأ من فروض الواقع ومن تصورات وأحكام مسبقة أحيانا على الوعي إلى ما ينحت فيها وما يصادف في مسيرة حياتية وصولا إلى طموحات وأحلام متشكلة في الطفولة مستمرة في غوايتنا، نصارعها وتصارعنا حتى الرمق الأخير ربما. أحلام وطموحات هي للرجل كما للمرأة في الواقع مع اختلافات صغيرة بالتفاصيل. تلقائيا انعكس كل شئ في رواياتي. البحث في الجوهر، ديدن الروائي الجاد، يؤدي إلى التقاط المشترك بين الرجل والمرأة، وفهمهن أفضل فالتعبير جليا عما في داخلهن. للإنسان عموما أرى طموحات وكوابح متشابهة، تختلف طبعا التفاصيل الصغيرة أشرت من شخص إلى آخر، امرأة كان أو رجلا، لكن الخطوط العامة تظل ذات ملامح أساسية واحدة، خاصة في هذا العصر، الجميع يسعي لتوسيع حدود حريته وإمكاناته وحماية نفسه، في التزاحم اليومي المعتاد يدوس بعضنا على البعض الآخر، نغضب، نكره، هذا ينسينا الصورة الخارجية العامة لنا، المعبرة عن متعة العيش المشترك ضمن الجماعة المتآلفة، أبعد: الانتماء لأمة أمتع من انتماء لعشيرة، هذا جلي، وانتماء للإنسانية أمتع من انتماء لأمة، هذا غير جلي حاليا. المهم نعيش بالغضب بصورة أخرى، ملتقطة من وفي ظلمات نفوسنا المرهقة بالمخاوف والاحباط والعدوانية إذا كانت متاحة، ترينا الجميع أعداء بعضهم لبعض، وصولا إلى معاداة بين الرجل والمرأة، وبينهما ضد المجتمع، خاصة مع تضاد خلفيتيهما وتدخل قوة خارجية لها نوايا سيئة، هكذا تروج اليوم موضوعة الفراق والطلاق بالتلفزيون والرواية، حدا جعلوا هذا أمرا طبيعيا في الحياة بل ضروري لتجديد النفس. في (الجنائن المغلقة) وفي (سقوط سبرطه) و(ليلة بغدادية) و(على تخوم الألفين) و(غراميات بائع متجول) التي لم تنشر بعد، هذه النغمة موجودة، لم أروج لذلك النمط من العيش المضطرب بل سعيت لأكون صادقا في التعبير عن الواقع ومؤشراته كي يكون القارئ على بينة. صديقي غائب طعمه فرمان لامني مرة على تحرر بعض نساء رواياتي، أنا لا أرى سناء وأميرة وسلوى تشبه أمك أو أختك، قال لي، من أين جئت بهن، لا أعرف! قلت له ليس بالضرورة أن تشبه كل نساء رواياتي أمي أو أختي، شريفة وأمل تشبهانهما كفى. لم يكن غائب الذي يعرف الكثير يعرف كثيرا عن تحولات المرأة من الداخل، كانت علاقاته مع الجنس الآخر غير زوجته معدومة، إلاّ علاقة واحدة سريعة عابرة لا تحسب، ليس بسبب العفة، فهذه تأتي للخاطئين متأخرة غالبا مع الإشباع أو مع النضج، هو كتب: الفضيلة نوع من فشل، بهذا المعنى، مزحت معه قائلا هذه الفكرة الوحيد التي سأتذكرها لك، فمزح هو الآخر قائلا، هي ليست مني بل من نيتشه. بسبب ظروفه البدنية والصحية وجدوله اليومي المعتاد لم يخرج بعيدا عن شرط معيشته. أسمح لنفسي الكلام عنه لأن لا أحد عرفه جيدا وأحبه مثلي. هو أيضا كنّ نفس المشاعر لي رغم (مماحكاتنا) أحيانا. كشفت زوجته الفاضلة أثناء سكني عندهم فترة لمتاعب خلقها لي (زوار الفجر) هناك: لا يحب غائب ويحترم رجلا أكثر منك. شئ بعيد عن الثقافة جمعنا، لا أعرف ما هو، ربما هو شئ افتقده وجدته فيه، وشئ يفتقده وجده فيّ، ما هما؟ نظامه الفوضوي، فوضاي المنظمة، دماثته، حديتي. بعد وفاته شعرت أنني تغيرت، اكتسبت منه ما كان يعجبني فيه، الهدوء، على أي حال انعكست معرفته بالمرأة على أعماله. غيره كثرة من الأدباء لها موقف سلبي نحو المرأة بسبب نزعة عقلية مغالى بها إزاء نزعة عاطفية للنساء، تولستوي مثلا، توفيق الحكيم، همنغواي، ديفيد هربرت لورنس، وغيرهم نظروا إلى المرأة كشئ أو ملحق لهم، تمشيا ومفاهيم عن الرجولة والحقوق خاطئة كانت سائدة وقتهم، أرى هذا ينقص من قيمتهم الشخصية لو لم ينقص من قيمتهم الإبداعية، كان عليهم الارتفاع فوق شرطهم الاجتماعي والفردي، هنا لا بد لي من كشف بعض الحقائق من حياتي الشخصية ليكون كلامي منسجما مفهوما أكثر، لكن هذا الحديث طويل ذو شجون فلنتركه لفرصة أخرى.

باختصار هنالك مواقف مع نساء مررت بها ودي لو نقلتها إلى الأدب، لو فعلت ما صدق أحد حدثت بالطريقة التي حدثت بها، قد أتهم كوني المحفز لها، لا بأس، الأدب قبل أن يكتب على الورق يكتب في الحياة، وإلاّ لا يكون أدبا. يحضرني الآن هناك فرق كبير بين أدب يكتب نقلا عن الحياة وآخر يكون تعبيرا عن محنة الأدب نفسه في الحياة.. أعتقد أتعبتك معي فلنتوقف الآن.

نقلاً عن: (العرب) اللندنية 27 تموز 2005

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com