لقاءات

المرأة عندي تتألق بـ (ليلة بغدادية) وتنهض كعشتار في (الجنائن المغلقة)

مجلة (الطبعة الجديدة) تحاور الروائي المعروف برهان الخطيب*

إعداد: خالد الحلي

 

أول كتاب صدر له عام 1967، مجموعة قصص بعنوان (خطوات إلى الأفق البعيد)، منه بدأت مسيرته الإبداعية وما زالت تتألق حتى اليوم حيث تبوأت روايته (الجنائن المغلقة) أخيرا قمة الإبداع الروائي العربي برأي بعض النقاد، فمن قائل عنها إنها أول رواية رصدت بلغة الفن الرفيع ظاهرة بروز القطب الواحد في السياسة الدولية إلى قائل عنها هي رواية عربية المنبع كونية المصب، إلى قائل هذه الرواية لن يولد مثلها في العشرين سنة القادمة. قبل هذا قدم القاص والروائي المعروف برهان الخطيب إلى المكتبة العربية العديد من الروايات الناجحة والمجاميع القصصية ذات النكهة الخاصة حافظا للذاكرة بأسلوب متزن ثري بالتفاصيل أهم محطات ومنعطفات العراق نصف القرن الأخير في رواياته المنظومة بدءا في الوطن ثم في الغربة الطويلة فالوطن من جديد بفنية أخاذة ومنها (بابل الفيحاء) و(نجوم الظهر) عن الحقبة الملكية، (الجسور الزجاجية) عن عهد الجمهورية الأولى، (شقة في شارع أبي نواس) والأخرى المميزة (ليلة بغدادية) عن عهد الخوف، (سقوط سبرطة) و(ذلك الصيف في اسكندرية) عن ظاهرة الهجرة والتمزق، و(الجنائن المغلقة) عن إرهاصات تغيير نظام صدام وما تبعه، ثم (غراميات بائع متجول) التي لم تنشر عن حرب الشيشان وانعكاساتها البعيدة، وأخيرا (على تخوم الألفين) الصادرة قريبا، رواية الألم الظاهر والدفين في عراق اليوم. هذا عن خلفيات رواياته وأما محاورها الأساسية فهي مشاكل العصر والمرأة في صورها المتعددة كمركز للحياة الاجتماعية ما هيأ للخطيب مكانة متميزة بين زملائه، خاصة وقلمه يتحرك على مساحة واسعة قلما وصل إليها قلم الروائي العربي، ما يؤهله ليكون للعرب كغراهام غرين للإنكليز حين كتب عن أمريكا اللاتينية، وهمنغواي للأمريكان حين كتب عن أسبانيا مثلا، ومالرو للفرنسيين حين كتب عن الصين، وبالتاريخ الخطيب للعراق بلزاك لفرنسا، وديكنز لإنكلترا. كما ترجم الخطيب إلى العربية العديد من القصص والروايات بلغت ثلاثة عشر كتابا، وكتب المقالة النقدية والسياسية والخاطرة والشعر…

 

أين يجد برهان الخطيب نفسه بعد كل هذا العطاء..؟

* ربما في مرحلة التحرر من ضغط التاريخ على أعصابي أو هذا ما أتمناه. رواياتي مرآة للحياة، رد فعل لوجودي في الحياة، مر بي نصف قرن تقريبا شمل عهودا وتحولات مختلفة، خلاله كنت أصارع الزمان بالكتابة، أو ألعب بينغ بونغ معه، يرميني بأسئلته وأرميه برواياتي ردودي، وبقيت في سباق معه لأفوز عليه ولو اليوم وربما غدا حين تكون رواياتي مقروءة، جاهدا لألحق ضربه المتسارع وأثبت له الإنسان رغم سذاجته أقوى حين يقرر مجابهته. ولو بالحسنى تعاتبنا على شدة رقته في الفجر والليل والسَحَر، على جماله مع تعاقب الفصول والعهود، وحاولت بما كتبت قطف حصتي من حديقته الكونية وحفظها بين أوراقي، كوردة يضعها طفل في كتاب للذكرى والرجاء، وجدته طيعا مثل طين اصطناعي. هكذا وبطريقتي الخاصة جبلت تفاصيله وأريجه وسلمتها لصفحاتي، متجنبا أشواكه الرهيفة الصلبة مثل مخالب جارحة للتأمل، صببت الرحيق على أديم الورق لسقي أزهار إبداعي الاصطناعية في سعي برئ لإثبات إنها اكثر جمالا وعطرا من أزهاره ذات الأشواك والإبر، ربما لهذا لم البس ساعة منذ بلغت سن الرشد، خشية مسنناتها الضارية تمزق ستارة نافذتي المبحرة مع الريح، أو تصب زيتها الموهوم على الأفق الساحر وقت الغيوب والشروق وتشعله، ووجه المتسول إذ يعترض الطريق فتحيله بدرا قد يحجب الشمس. المواسم الراحلة أبدا، استقرار الأوقات وتقلباتها، بها حاول الزمان فرض سلطانه عليّ، أنا المتمرد الذي استوعب بعقله كل النظم وما استطاع نظام استيعابه، ما جحدت، تطلعت بكتاباتي عبر ما مر بي وبنا إلى أيام مشرقة، وإلى رد جميل الزمان عليّ، هنا وهناك وحيث لم أكن. الآن أجد نفسي على قمة، لقد أنجزت شيئا ذا شأن سيبقى، لكنْ في خيالي قمم أخرى.

 

متى نشر أول نص لك وأين..كيف تنظر إليه الآن..؟

* في صباي نشرت لي مجلة (دنيا الأحداث) اللبنانية قصة عام 58 بعنوان (في قريتنا..) لكن بدايتي الحقيقية كانت بقصة (ثم اعشوشب الصخر) عام 63 المنشورة بمجلة (شهرزاد) اللبنانية النسوية وقبل هذا نشرت باسم (فانوس) المستعار بجرائد عراقية. اليوم حين أقرأ نصوصي القديمة أدهش لقدرتها على مقاومة سطوة الزمن، قبل فترة نشرت جريدة لندنية قصة من مجموعتي الأولى الصادرة عام 67 أحد القراء قال عنها كأنها مكتوبة اليوم. رغم هذا عدت في السنوات الثلاث الأخيرة ونقحت رواياتي الأساسية بجهد تواصل ثلاثة أعوام وأسلوب أفضل صالح ربما لقارئ من كوكب آخر. ظروف النشر الأولى لم تكن على مستوى طموحي.

 

ما هي أهم القصص والكتب التي ترجمتها ولماذا..؟

* قصة لفولكنر نشرتها (البلاد) عام 62 وأسقطت اسمي، وأخرى لسومرست موم بعنوان (البيت) في العاملون في النفط عام 68 لتأثيرهما فيّ. ومن الكتب (شواطئ الأحلام) عام 84 وهو حكايات لأدباء روس من القرن التاسع عشر يستشف منها ثراء المخيلة وعمق التفاعل الداخلي للثقافة البشرية بشقيها الشرقي والغربي، (بخارى) 78 لصدر الدين عيني تكشف عن صفحات مجهولة من حياة آسيا الوسطى، و(أملاك) 81 لروائي أوزبكي قدم عمله من زاوية غير مألوفة للنظر، كان في زيارة للسويد وتكلم عنه راديو ستوكهولم.

 

هل تحلم بترجمة كتاب لم تسعفك الظروف على ترجمته وما هو..؟

* هناك كتب عديدة أحلم بترجمتها كموسوعة الأدب الأجنبي، أساطير شعوب العالم، الموسوعة الأدبية للطفل، وغيرها، لكني لن أفعل هذا للأسف لأني لجأت إلى الترجمة لتدبير العيش والإقامة.

 

كيف تبدأ يومك عادة..؟

* يختلف إذا كنت خارج أو داخل رواية، عموما الأخبار أولا والواجبات الصباحية وإطلالة الإنترنت خلاله أتناول فطوري ثم أتحول إلى عملي في كتابة أو مراجعة نص حتى الخامسة عصرا فإما أتمشى سويعة أو أواصل العمل، أتناول وجبة موحدة للظهر والمساء، وأتابع العمل.

 

وماذا تعودت أن تفعل قبل النوم..؟

* قبل النوم أشاهد التلفزيون حوالي ساعة وربما أكثر، أو الشرفة مستمعا لموسيقى، أو أقرأ، ثم اذهب لمصارعة النوم هذه المرة..

 

ما هي أفضل رواية قرأتها لكاتب أجنبي..؟

* لكل عمر روايته ربما. صورة دوران جراي لأوسكار وايلد ومائة عام من العزلة لمركيز رائعتان.

 

ولكاتب عربي؟

* الأيام لطه حسين، مذكرات نائب في الأرياف للحكيم، والخبز الحافي للراحل الخالد شكري.

 

هل هنالك قاريء معين تتوجه إليه..كيف؟

* تلقائيا في زاوية من عقلي قارئ حين أكتب، أحاول إبعاده، أحيانا أكون أنا القارئ المتخيل، أحيانا ملكة بريطانيا، أحيانا فلاحا في بلدي، أحيانا لا يسكن كوكبنا، لكني أفترضه أذكى مني دائما، بهذه الطريقة أدافع عن نصي.

 

لو طلب منك أن توجه رسالة إلى المرأة العربية ماذا ستقول؟

* المرأة العربية في القرى غيرها في المدن للأسف، والمتحررة غير المتزمتة، أسعى لمخاطبتها ككل، في رواياتي رسائل إليها، في (ليلة بغدادية) مثلا تقرأ ضمن النص دعوة لأن تشغل مكانا أكبر في المجتمع، هذا يقلل نزعته العدوانية. وفي (الجنائن المغلقة) نداء لتنهض مثل عشتار جديدة منقذة، من أعماق المحنة والظلام. الآن أدعوها هنا للاهتمام بكيانها البدني والروحي، برشاقتها بالرياضة وتجنب الدسم، وعقلها بتفهم الجديد، برائحتها وملابسها بنبذ الألوان الصارخة والأشكال المعقدة، بعائلتها وأطفالها نحو دفعهم للارتقاء بالعلم في المجتمع، وبالنزول إلى العمل وتشجيع الأعمال الخيرية والجرأة، الرجل الذكي يحب المرأة الجريئة، ضمن حدود الأدب طبعا والحفاظ على نعمة الأنوثة.

 

وما هي رسالتك إلى الرجل؟

* على الرجل أن لا ينتظر مني هنا سوى الزجر، غالبا يسير كطاووس أمام المرأة، فاهما الرجولة خشونة، وقوة الشخصية صلفا، وحقه فيها مِلكية مطلقة، والنجاح دوسا على الصدق والرحمة، نحتاج الترويج لمفهوم الجنتلمان (الرجل المهذب) من غير ميوعة وتمثيل وتبجيل كاذب وقوة وحشية، عليه إعلاء قيمة الاستقلالية والتحرر في تفكيره واحترام الآخر ومراقبة وضبط النفس.

 

متى قرأت أول كتاب هل تتذكره؟

* مكتبة المعارف في مصر كانت تصدر سلسلة قصص للناشئة قرأتها منذ الثانية عشرة، بضمنها مسرحيات شكسبير بلغة مبسطة، تبعتها بقصص تراث. متى قرأت أولها يصعب التحديد. ثم لجأت إلى قصص طرزان وأرسين لوبين وغيرها خفية عن والدي. بدأت قراءتي الجادة في المتوسطة، انتابتني حمى القراءة الأدبية في امتحانات بكالوريا الثالث متوسط فكنت أضع الكتاب المدرسي جوار رواية لهيغو أو برونتي أو ديكنز وغيرها مما وجد في مكتبة والدي وأقرأ بالتناوب ساعة وأخرى، انتبه والدي وسحب الأدبية فكنت أضع واحدا من سلسلة كتابي أو المختار من الريدرز دايجست بين دفتي الكتاب المدرسي وأقرأ بنهم ليس له مثيل. انتهيت من أول امتحان في كلية الهندسة وجريت إلى البيت لأبدأ قراءة زوربا منذ الثانية ظهرا حتى الثالثة ليلا جرة واحدة، هكذا أنهيت الهندسة. ويظل آخر كتاب جيد أقرأه أول كتاب أقرأه.

 

لو طلب إليك أن تختار أفضل كتبك إليك ما هو ولماذا..؟

* لا أستطيع التفضيل بين رواياتي كما لا يستطيع غيري التفضيل بين أبنائه، أسأل بعض القراء أحيانا عند اللقاء ما أكثرها جاذبية، يأتيني رد واحد تقريبا، هم أيضا لا يستطيعون تحديد أفضلها، أحار في تحديد أفضلها، لو وضعت كمية الجهد المبذول، أو مشقة نحت الشكل والمضمون، والشحنة العاطفية، مقياسا، قلت (الجنائن المغلقة) ربما، أخذت خمسة أعوام متتالية، ثم الروايات الست الأساسية الأخرى لي. شقة في شارع أبي نواس وما قبلها أضعه جانبا الآن، وبين يدي رواية جديدة لا أعرف كيف ستكون.

 

حياتك الخاصة أثرت على روايتك حتما فهل أثرت روايتك على حياتك الخاصة؟

* نعم. وآمل أن يسيرا معا هذه المرة عند العثور على ابنة الحلال التي تشاطرني الرأي.

 

ــــــــــــــــــــ

* (الطبعة الجديدة) عدد 11 ـ شباط 2006 مجلة صادرة من بغداد والرياض ولندن وباريس.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com