لقاءات

سوسن الكوفي:

خلال سنوات الخمس والعشرين العجاف زرعت في نفوس ابنائي حب الوطن

حوار: كوثر الكفيشي

خلقت المرأة لكي تحب وتعيش وتعطي، خلقت لكي تكون النبع الذي لا ينضب حناناً ودفئاً وأماناً، والعراقية كانت ولازالت الإبنة والأخت والزوجة والأم الصالحة للعراقي الأبي، فقد لازمت الرجل ووقفت معه لتكون شعلته الهادية في هجرته القاسية، وهاهي اليوم بنت الرافدين يسرها ويشرفها أن تلتقي مع إحدى المهاجرات العائدات إلى أحضان الوطن الأم الكاتبة والناشطة في مجال حقوق المرأة سوسن الكوفي لتقلب معها صفحات حياتها المشرقة بالصبر والعزيمة والإخلاص.

في البداية نتوجه بتحية رافديه أصيلة إلى ضيفتنا العزيزة راجين منها التعريف عن نفسها من خلال عرض بطاقتها الشخصية علينا.

ـ شكراً، أدعى سوسن عبد علي والمعروفة ب سوسن الكوفي، متزوجة ولدي 5 بنات وصبي واحد، وحاليا عدت إلى عملي السابق كموظفة في شركة المقاولات الإنشائية.

بنت الرافدين تحب أن تستفسر عن السبب الرئيس الذي دفعك للهجرة؟

 سوسن الكوفي: الحقيقة لقد هاجرت من العراق بسبب الاضطهاد السياسي والقمع الفكري الذي مارسه النظام السابق مع الطبقة الواعية المثقفة.

بنت الرافدين: برأيك ما هي أهم المشاكل التي كانت تعانيها المرأة العراقية في المهجر؟ عندما سألناها هذا السؤال تنفست الصعداء وكأن الألم يعصر قلبها ويمزقه

 سوسن الكوفي: في الواقع لقد عانت المرأة في المهجر مشاكل جمة، حيث سكنت المخيمات التي افتقرت إلى أبسط وسائل العيش التي يحتاجها الإنسان، وهذا ما جعلها تعاني تخلفاً ثقافياً وفكرياً واقتصاديا أيضاً فعندما كانت تخرج المرأة أو الأسرة من تلك المخيمات كانت تخرج خالية اليد لا تملك ما يساعدها على تقويم حياتها خصوصاً وإنها هاجرت بدون أن تحمل المستمسكات التي تثبت بأنها خريجة ولها قدراتها وطاقاتها وإمكانياتها، هكذا فقد صادر المهجر منها طاقاتها الإبداعية، ولكن أقول هنا وكلي فخر وإعتزازأن المرأة العراقية بحق امرأة عظيمة حيث استطاعت أن تقف في وجه المحنة و تحدياتها بكامل الشموخ والكبرياء، حيث شاركت وساهمت في إنشاء المدارس العراقية للطالبات وأسست المنظمات النسوية والتي أخذت من خلالها تشرح للرأي العام العالمي المعاناة الحقيقية للمرأة العراقية.

بنت الرافدين: لا ننكر بأن هنالك اختلاف بين البيئة والمناخ ما بين الوطن الأم والوطن الثاني بالنسبة للأطفال أنت كأم كيف استطعت التعايش أو التغلب على هذه المشكلة؟

 سوسن الكوفي: سؤالٌ جميل، في الواقع عانيت من هذا كثيراً حيث طافت سفينة الدهر بنا إلى بلد غير عربي وبالنتيجة أصبح أولادي يتكلمون بلغة المهجر، وقلبي كان يتفطر حزناً على هذا، لذا فقد بذلت جهوداً جبارة لتعليمهم اللغة العربية، فأقمت لهم الدروس في المنزل وكنت أتحدث باللغة العربية الفصحى، وكنت أستذكر القراءة الخلدونية، فعملت نسخة مقاربة لها، وأيضاً كنت أسرد على مسامعهم عاداتنا العراقية، وأشرح لهم تاريخنا العربي وما يحمله من أمجاد باستمرار.

بنت الرفدين: هل زودتك هجرتك هذه بالتجربة؟

 سوسن الكوفي: هذا أكيد، حيث زودتني الهجرة بالكثير من التجارب و الخبرات، وكما يقال الهجرة أم الحضارات، ولا أخفي عليك بأن الله عزوجل أنقذنا من ذلك السجن الكبير الذي سجننا به الطاغية بوسيلة الهجرة، فحصلت على حرية المطالعة لأي كتاب وحرية التعبير عن الرأي الشخصي وحرية التنقل وإن كان على نطاق ضيق ـ حيث لم أكن أملك جوازأ للسفرـ ولكني تنقلت في داخل البلدان التي زرتها واطلعت على حضاراتها وعاداتها وتقاليدها وبذلك تعرفت على ذوق هذه البلدان، ما تحب وما تكره، فأخذت منها ما يناسبني كامرأة مسلمة أولاً وعربية ثانياً، ونبذت ما خالفهما وبذلك حصلت و الحمد لله على نتيجة جيدة. غير أنه أقولها وبكل صراحة بأن الفراق و الغربة، والشوق إلى الوطن ظل يقض مضجعي ويؤرقني في ليالي الغربة دائماً.

بنت الرافدين: كيف ترين واقع المرأة العراقية وما تعانيه من المشاكل في الوضع الراهن؟  سوسن الكوفي: لقد أثرت الفترة المظلمة التي عاشتها المرأة وعانت ما عانته من اضطهاد فكري وقمع للحريات وتحملها للمسؤوليات الكبيرة والكثيرة أثرت كثيراً على هذه الإنسانة التي تمتاز بالرقة و العاطفة الكبيرين فنراها الآن تعيش هموم الماضي وأمل المستقبل معاً، فأرى الكثير منهن يتطلعن للمرحلة الراهنة بنظرة ملؤها الأمل والانفراج، ونرى أيضا تقبلها لهذه المرحلة الصعبة التي يمر بها وطننا الحبيب بروح الصبر والأمل، أما ما تعانيه المرأة فهو ليس بالخفي على أحد فالتلفاز والدراسات الاجتماعية الحديثة تظهر هذه المعاناة بشكل واضح وصريح، ولرفع هذه المعاناة يجب أن تتضافر جهود المنظمات الإنسانية كافة لمد يد العون لها ورفدها بالثقافة وذلك من خلال إنشاء مراكز لمحو الأمية لأن العلم هو أفضل سلاح تتسلح به المرأة، بالإضافة إلى فتح مراكز لتعليم المرأة الحرف اليدوية للاستفادة من طاقاتها وتسخيرها لخدمة المجتمع، وكذلك النظر بعين الرأفة والرحمة لعوائل الشهداء وتوفير ما تحتاج إليه الأسر مادياً ومعنوياً.

بنت الرافدين: نحن نعلم بأنك وأسرتك، كنتم تقيمون في بلد المهجر حيث الأمان والإستقرار ورغد العيش والرفاهية والآفاق المفتوحة، لذا ومن على طاولة هذا اللقاء نحب أن نسألك وبكل صراحة ما هو السبب أو الدافع من وراء عودتك إلى أحضان وطن الأم، ونحن نعلم بأن الكثير من النساء والعائلات ترفض العودة في ظل الأوضاع الراهنة، كما نحب أن نعلم كيف تقبلت أسرتك هذا الرجوع؟

 سوسن الكوفي: في الواقع إن لكل أسرة خصوصياتها ووضعياتها الخاصة بها في المهجر لذا أصبحت لها معلقات كثيرة في ذلك البلد وذلك كنتيجة منطقية للفترة الزمنية الطويلة التي مكثتها الأسر هناك، وهذا بدوره عائق مهم في عدم عودة الكثير من العوائل بالرغم من تعلقها الشديد بالعراق العزيز.

أما عن كيفية تقبل أسرتي للوضع الحالي فالانتقال من بلد إلى آخر لم يكن بالسهل اليسير عليهم وخصوصاً وأنهم لم يولدوا في العراق، ولكني خلال سنوات الخمس والعشرين العجاف زرعت في نفوسهم حب الوطن ولابد أن نعود في يوم ما إلى ربوع وطننا الحبيب وإننا مجرد ضيوف في هذا البلد ولابد للضيف من العودة إلى داره.

بنت الرافدين: ما هي برأيك مسؤولية المرأة في الوقت الحاضر؟

 سوسن الكوفي: المرأة هي نصف المجتمع وربما نتيجة للأوضاع الحالية أصبحت أكثر من النصف، لذا فعليها أن تعي دورها في هذه المرحلة الحساسة من واقعنا الأليم وأن تتسلح بالعلم والمعرفة أولاً وبالصبر والثبات ثانياً وتفعيل كافة إمكاناتها العلمية والعملية والإبداعية لكي لا يبق هذا النصف معطلاً وجاهلاً يقضي نهاره بلاشيء.

بنت الرافدين: بنت الرافدين تطلب كلمة أخيرة من الأخت  سوسن الكوفي؟

 سوسن الكوفي: أخيراً أتوجه بالشكر الجزيل إلى منظمة بنت الرافدين داعية المولى سبحانه لها بالتسديد والثبات لدعم المرأة العراقية وتنشيط حركتها وتفعيلها في المجتمع.

شكراً.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com