لقاءات

الاديبة المهندسة حسينة عباس: الوطن هو هدفي والناس هم قصائدي

حوار: كوثر الكفيشي

 

العراق مهد الحضارات، هذه حقيقة تاريخية أدركها الأعداء فأخذوا بطمسها بشتى الوسائل، فطاردوا الأحرار وقتلوا العلماء وأثقلوا كاهل الرعية الجياع وكبلوا أقلام الشعراء ظناً منهم بأنهم سيطمسون حضارة وادي الرافدين بذلك، غير أن أحرارنا عادوا وعلماؤنا ناضلوا ورعيتنا ربطوا حزام الجوع وصبروا فكان الله مع الصابرين بالإضافة إلى هؤلاء كلهم فقد بقيت أقلام أدبائنا حرة طليقة مسلولة في وجه البغي والبغاة.ومن صميم واقعنا ولدت وردة رقيقة حملت ريشة رفيعة وجاء الظلام ليحولها إلى شجرة منيعة فتحولت ريشتها إلى سيوف لامعة فركبت سفينة الدهر وأخذت تجذف معهم في بحر الحزن وترنم لهم بقصادها علها تخفف عنهم كربتهم ومن أقوالها:

الحزن هو سفينة حروفي أحمل فيها آلامي وآلام العراقيين حسب ما أقدر عليه وأعبر عنها بالقصائد فالوطن هو هدفي والناس هم قصائدي..

أحبك خنجرا في القلب

أحبك في دمي خنجر

وآلاما تصاحبني

إلى حيث النجوم الزرق ترتيلا

لأعصب جرحه الأزلي….اشتله قنديلا

و من على هذه الواجهة المتواضعة يسر ويشرف بنت الرافدين أن تلتقي اليوم بشاعرتها و أديبتها حسينة عباس بنيان المعروفة بأم سلام، حسينة هذة العصفورة التي استطاعت أن تفلت من قفص الصياد وتعبر عن حريتها بأن أصدرت لها ثلاث مجموعات شعرية في أشد اللحظات تأزماً وهي:

1ـ كلمات ما بعد الموت عام 1992م

2ـ سمات بابلية عام 1999م

3ـ عراقية في سطور عام 2002م

كما لها قصائد منشورة في مجلات عراقية وعربية كثيرة. فكانت بحق عراقية مبدعة.

هذه المرأة بالإضافة الى عملها الإبداعي فهي مهندسة / رئيسة مهندسين في وزارة الإعمار والإسكان في محافظة بابل فأهلاً وسهلاً بها.

بنت الرافدين: ترغب بنت الرافدين بالتعرف على بداياتك الشعرية ـ متى وكيف ـ .

أم سلام: كتبت الشعر وأنا في عمر الثانية عشرة من عمري في المرحلة المتوسطة من الدراسة.. أنا منحدرة من عائلة تغلغل الأدب في داخلها فنشأت في وسط الكتب الأدبية والسياسية .. فكتبت الشعر في مجال الوجدان والوطن والمبدأ السياسي.

بنت الرافدين: الأسرة هي الخلية الأولى واللبنة الأساسية في حياة كل إنسان فكيف كان موقف الأسرة ودورها تجاه مواهبك الأدبية؟

أم سلام: ذكرت أن نشأتي كانت داخل اسرة ذات مواهب أدبية … وأكثر أخواتي كتبوا الشعر و القصة والمقالة.. فلذلك وجدت التشجيع وكنت أشارك في كافة المهرجانات الأدبية التي تقام على مستوى المدرسة والمحافظة والقطر.

بنت الرافدين: يا ترى أين تجد شاعرتنا نفسها أكثر بين الشعر المقفى أم الشعر الشعبي؟

أم سلام: كتبت الشعر باللغة العربية الفصيحة وليس الشعبي.. كتبت الشعر المقفى والشعر الحر الموزون فأنا أحافظ على وزن الشعر بالنوعين المقفى والحر.

بنت الرافدين: السلطة السابقة كانت سلطة فرعونية أو هتلرية بل ربما كانا أرحم منها فيا ترى هل تركت تلك السلطة أي بصمة سوداء على شاعرتنا سواء شاعرة أم إنسانة؟

أم سلام: من طبيعة الأنظمة الديكتاتورية أنها تحبس أنفاس الأدباء والشعراء وتحاول أن تجعل من الأدب خادماً لأعلامها… وبالرغم من ذلك استطعت أن أكتب بتحفظ مرة وبجرأة مرة أخرى في تلك الفترة، فكتبت للوطن وللمبدأ وللإنسان وللمعاناة، حتى أنني طبعت مجموعتي شعر في مرحلة التسعينات…وأهديت بعض قصائدي لعوائل القبور الجماعية ورثيت هؤلاء الشهداء ولكن بشكل متحفظ مع وضوح المعنى لأن قصائدي تمتاز بالبساطة ووضوح العبارات …فكتبت لأم أحمد ذات الثلاث شهداء في القبور الجماعية.

بنت الرافدين: الحزن رافق الكثير من أشعارك وصبغها بلونه القاتم لماذا؟

عندما سألناها هذا السؤال اغرورقت عيناها بالدموع وأخذت تصدر الآه من أعماق فؤادها وأظن لولا الخجل منا لبكيت…

أم سلام: أنا كالكثير من العراقيات ثكلت بولدي الذي قتل من قبل الشرطة العراقية الفاسدة التي استغلت صلاحيتها في ممارسة جرائمها تجاه الشعب…فكان ولدي ذو العشرين عاماً أحد ضحايا النظام الديكتاتوري وهكذا منذ ذلك الوقت أصبح الحزن ردائي والدموع دوائي والشعر منفسي الوحيد فكتبت:

قتل الولد

قتل الصبي المجتهد

واستشهد الفهد الجميل

واستشهدت كتب فصول

قتل الولد.. والله يعرف أنه فرد صمد

بنت الرافدين: كشاعرة قديرة كيف تقيمين حركة الشعر النسوي في العراق بين الماضي والحاضر؟

أم سلام: الشعر النسوي في العراق على قلته ولكنه مؤثر وموجود فهناك لميعة عباس عمارة، و عاتكة الخزرجي رائدات الشعر الحر.. وهناك أميرة الخزاعي التي رافقت جيلي منذ مرحلة السبعينات.. وقد قلّ الإبداع إذا لم أقل إنه توقف في مرحلة الثمانينات والتسعينات.. لأن الشعر في هذه المرحلة وضّب أو وجّه لخدمة مصالح النظام السابق...أما في الوقت الحاضر فهناك حركة أدبية وشعرية نسوية تبشر بخير ونأمل أن يتطور أكثر فأكثر في ظل نظام ديمقراطي حر.

بنت الرافدين: العراق مجتمع عشائري ومجتمع ذكوري ، فيا ترى هل لهذا الرجل ولهذا المجتمع أي دور في اطفاء شعلة الإبداع لدى المرأة العراقية ما هو رأيك تجاه ذلك؟

أم سلام: بالرغم من طبيعة مجتمعنا وبالرغم من مواقع التخلف الكثيرة المتوارثة لكن الإنسان العراقي يعشق الأدب والشعر مهما كان مصدره من الرجل أو المرأة ومن خلال تجربتي فأني أجد الرجل العراقي متطلع إلى الشعر النسوي ومستمع جيد خلال المهرجانات الأدبية... والشعر هو الذي يفرض وجوده... والقصيدة القوية الهادفة تفرض كلماتها سواء كان الكاتب شاعر أم شاعرة... وشعلة الإبداع لايمكن أن تنطفئ لدى العراقية مهما كان الوضع الاجتماعي والسياسي.

بنت الرافدين: ما هي نظرتك تجاه المنظمات النسوية الموجودة حالياً وهل تعتقدين بأنه سيكون لها دور في رفع مستوى المرأة الثقافي؟

أم سلام: المنظمات النسوية هي ظاهرة حضارية ولون من الوان الممارسات الديمقراطية في مجتمع الديمقراطية، وبما أن تجربة بلادنا فتية تجاه هذه المنظمات، فبإعتقادي قد تتعرض مثل هذه المنظمات إلى بعض الصعوبات والإنتقادات الغير بناءة... وقد تجهض بعضها... وهذا يتوقف على دور المرأة المثقفة والواعية في قيادة مثل هذه المنظمات وتوجيهها لخدمة المرأة العراقية ومشاركتها معاناتها..

بنت الرافدين: لكل إنسان قدوة في الحياة فمن هو أو هي؟

أم سلام: قدوتي في الحياة هو الإنسان ذو الكلمة الصادقة إن كان رجل أو إمرأة، وقدوتي ذوي المبادئ الراقية التي تخدم البشرية، قدوتي ذوي القابلية على القيادة الهادفة لرفع شأن الإنسانية وأول هؤلاء رسولنا الكريم محمد (ص).

بنت الرافدين: ـ مشغولة، لاوقت لدي، انقضى النهار ولم أفعل شيئاً ـ هذا حديث المرأة العصرية فيا ترى كيف تنظمين وقتك كزوجة أولاً وأم ثانياً ومهندسة ثالثاً وأديبة ووجه إجتماعي معروف ايضاً؟

أم سلام: أنا أعيش واقعي اليومي بكل آلامه وآماله بصباحه ومسائه..لاأتوقف عند حالة واحدة... تارة في بيتي وأخرى في عملي... تارة مع قصائدي وأخرى مع التزاماتي الانسانية والعملية..هذه هي حياتي...تسير إن كنت راضية أو غير راضية...لاأفكر بالتوقف وعندي إيمان بكون الإنسان مخلوق لأداء رسالة أكبر من الوقت نفسه أو العصر نفسه.

بنت الرافدين: هل لك كلمة أخيرة لشاعرات الجيل الصاعد؟

أم سلام: أنصح بناتنا الأديبات والشاعرات بالقراءة الجيدة لمختلف الشعراء في الماضي والحاضر..وكذلك أوصيهن بالإلتزام بقضيتهن السامية..أن الذي يرفع من قيمة الأدب هو التزام الأديب بمبادئ الإنسانية الراقية والابتعاد عن بيع الذمم.. وأن تضع الأديبة وطنها وأهلها ومبادؤها الخلاقة بين عينيها.

وأخيراً أقدم شكري وتقديري لأتاحة هذه الفرصة لي من خلال هذا اللقاء بعرض بعض آرائي و أفكاري، حفظ الله ذوات المبادئ الرائعة وإلى الأمام.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com