لقاءات

الفنان مازن منصور: الوطن هو محطتي الأخيرة في الحياة

 

حوار: نجم عذوف

مازن المنصور فنان امتزجت فيه عدة رؤى وتجمعت لديه مواهب الإبداع , فنان ولد على ضفاف مدينة أور المقدسة وتراتيلها الإلهية التي تنوعت لتضفي لها حلة القدسية لتنقل معالم المدينة المقدسة إلى ناصرية الحداثة والتطور الفني والثقافي ، المدينة التي رفدت المسيرة الفنية والثقافية في العراق بالكثير من المبدعين وعلى مدى العصور ، من بين ظلال المدينة ينهض مازن المنصور طفلا رضع من أثداء المدينة فنها وجمالها وتتلمذ على أيادي من سبقوه ليتعلم فنها وإبداعها ، والفنان حسين نعمة محطته الأولى في التعلم فتتلمذ على يديه ويتعلم الكثير الكثير ليخط مشواره الفني الذي يربط بين التراث والحداثة . وللناصرية أجواءها الخاصة بها والتي تميزت بها هذه المدينة العريقة وقد تركت أثرا في حياة المنصور الفنية . ترك الفنان مازن المنصور  العراق مثله مثل  بقية الفنانين والمبدعين والمثقفين الذين أرغموا  على الهجرة بحثا عن الحرية والسلام وهرباً من الحروب والدمار والموت . للمنصور رؤية فنية وموسيقية عالية زاوجت مابين التراث الإبداعي بالجديد المعاصر وكان يسعى لإيجاد حوارات موسيقية تعكس التقارب والتداخل بين الشعوب كما تتسم مقطوعاته بالرومانسية والشاعرية ولا تخلو من سرعة الإيقاع .

كان لنا معه هذا اللقاء في مهرجان الخريف الذي أقيم في العاصمة النرويجية اوسلو وتحت رعاية وزارة الثقافة النرويجية وكانت هذه المشاركة الأولى لفنان عربي وعراقي في هذا المهرجان ، الأمسية التي قدمها المنصور كانت متميزة في المهرجان لشمولها التزاوج الموسيقي العربي بالغربي وأدى هذا التلاقح إلى إخراج المنصور في حلة اختلفت كثيرا عن البقية . فأجرينا معه هذا اللقاء

 

منذ متى بدأت اهتماماتك بالموسيقى وبهذه الآلة خاصة .

في مدينتي الناصرية بعد أن شكلنا نحن شباب عام 1976 فرقة (فرانكو أرب). والتي سبق أن تحدثت عنها في أحدى مقالاتي  عن نشأة هذه الفرقة . وبعد خروجي من العراق للمشاركة في مهرجان جرش وكذلك للعمل كمدرس لآلة الكيتار في إحدى المعاهد الموسيقية الموجودة في الأردن ومن الأردن محطتي الأولى هروبا إلى أسبانيا التي فسحت لي مجالا كافيا لدراسة الموسيقى من أوسع أبوابها ، ومما زاد في ذلك احتكاكي في الأوساط الفنية والثقافية الأسبانية وتطوير قابليتي وإمكانياتي التقنية  والفنية حيث تعاملت مع فرق كبيرة وأور كسترات معروفة مثل اوركسترا الليالي حاليا في النرويج والتي ترأسها أمهر عازفة بيانو ومديرة مدرسة الموسيقى في اوسلو هي السيدةBerit وكذلك تعاملت مع عازفين محترفين أسبان أمثال الفنان   Jususوهؤلاء معروفين على المستوى العالمي في أوربا .

 

ماهي نظرة المنصور للأعلام العراقي والعربي في نشر الثقافة والفن  ؟

في بلداننا العربية اهتمام الأعلام دوما بالمطرب وليس بالموسيقى  وتصرف أموال على دعاية لحفلات  مطربين أصلا ليس معروفين على المستوى الفني وكذلك تنقصهم حتى الثقافة الموسيقية وتتضمن مسيرته الفنية سوى أغنية واحدة مع مجموعة من الراقصات الغجريات أوصلته إلى عالم الغناء والفن . وهذه إحدى أسباب تردي الموسيقى والغناء في بلدنا ، أعلامنا يسلط الضوء فقط على المطرب وليس على الموسيقي بينما لا يمكن أن يعمل المطرب بدون الفرقة الموسيقية والتي تعتبر الركيزة الأساسية للأغنية  .فالانحسار في موضوعة الأغنية فقط لاتتيح الفرصة للموسيقي أن يبدع في آلته ، بينما نشاهد في أوربا الاهتمام الأكثر في الموسيقى والمطرب يجيد العزف على أكثر من آلة وكذلك لديه إلمام في السلم الموسيقي والثقافة الموسيقية ، فمثلا في إحدى الحفلات التي أقيمت في أوسلو للمطرب  STEVE VAIبعد أن اكمل أمسيته الموسيقية طلب الجمهور أحدى أغانيه القديمة ليؤديها  وهي كانت ليست ضمن برنامج الحفل فتحدث  ستيف فال مع المايسترو (قائد الفرقة الموسيقية) فلم يوافق المايسترو  فعاد المطرب وأعتذر من الجمهور بعدم تقديم مزيداً من الأغاني ، فهنا في أوربا للموسيقي الدور الأول والكبير في نجاح المطرب ولا يستطيع المطرب أن يؤدي عمله لولا  وجود الموسيقي .

هل تفضل أمسياتك الفنية على المسارح الأوربية  أم العربية .

أفضل  العمل على المسارح الأوربية للأسباب التالية .

الجودة في التقنية الصوتية وكذلك الإضاءة ووجود الكوادر الفنية المتخصصة ، مثلا أمسية موسيقية لعزف منفرد على آلة الكيتار تحتاج إلى تقنيات حديثة لنقل أنغام الكيتار للمستمع بوضوح .

الجمهور العربي غالبيته لا يرغب سماع الموسيقى فقط إلا القلة المثقفة منهم ولا يستطيع سماع عزف على آلة الكيتار لمدة ساعتين كما الجمهور الأوربي ، جمهورنا العربي يحب كثرة الإيقاعات والغناء وصخب الموسيقى والرقص ، والجمهور الأوربي لديه قواعد وآداب للاستماع للموسيقى ، أما الحفلات على المسارح العربية ينعدم الإصغاء الحسن واحترام العمل الفني .وهذا كله نقص وانعدام الثقافة الموسيقية في بلداننا , وكذلك للإعلام الدور الكبير  في جلب الجمهور للإعلان عن إقامة الحفلات والتمهيد لها بإعلام صحيح لا يشوبه شيء وكذلك عمل كتيبات  تتضمن نبذة عن حياة  الموسيقي وسيرته الفنية وجنسيته وهذه من أهم الأسباب التي ارغب فيها بالعمل على المسارح الأوربية .

 

نشاهد في موسيقاك إطغاء  الطابع الأسباني واستخدامك جمل موسيقية أسبانية هل تعتبر هذه سرقة .؟

نعم إن ميولي  لفن الفلامنكو  الأسباني وعشقي له  بعد أن درسته في  المعاهد الأسبانية ،  أما اغلب الأغاني التي أغنيها بالطابع الأسباني  أحاول  إعادة صياغتها موسيقياً ولحنياً  ، وهذا لايعني  أن أستصغر جهود ملحنيها. وأحب أن أوضح لك وللقارئ  هنالك سرقات في الموسيقى حيث أن 80% من الملحنين العرب  هم يسرقون من الألحان التركية والهندية ، ولكن هناك فرق  بين الملحن والموزع  الذي يضع إضافة  ويحذف في الجمل الموسيقية  لتخرج الأغنية أو القطعة الموسيقية وكأنها ملحنة في طابع جديد  لكن اصلها يبقى معروف .   

 

ماهي أسباب عدم مشاركتك في الوقت الحاضر في مهرجانات خارج النرويج؟ علما كانت لك مشاركات دولية سابقا في الأردن وأسبانيا وألمانيا  فلماذا الآن اقتصرت في النرويج فقط ؟

سبب مشاركاتي حاليا في مهرجانا ت النرويج فقط وفي اوسلو تحديداً بسبب ظروف عملي  كموظف في بلدية (باروم) وعدم السماح لي بأخذ أجازات  طويلة فقط الإجازة الصيفية وهي خمسة أسابيع من كل سنة ، ووردتني في هذا العام دعوة من مهرجان صيفي في مدينة (كريستيان صن)  فاعتذرت بعدم المشاركة  وقبل أيام تعاقدت للعمل مع فرقة نرويجية افريقية للعمل معاً فاشترطت المشاركة فقط في اوسلو وليس خارج اوسلو بإقامة الحفلات معهم .

لنعود إلى أخبار الكيتار والفرقة الموسيقية(Mazen Bandoleros) التي قمت بتأسيسها .؟

أسعى الآن لتهيأت المدونات الموسيقية المطلوبة لغرض إكمال كتابي عن كيفية تعلم آلة الكيتار  بعد أن وردتني كثيرا من رسائل القراء ومحبي آلة الكيتار الذين يطلبون مني حصص لتعليمهم علما إني لدي هنا في النرويج مجموعة من الطلبة أشرف على تدريسهم آلة الكيتار  ولكن الصعوبة في بقية البلدان  فقررت أن أكمل كتاب عن كيفية تعلم هذه الآلة  وأنا متأكد أن هذا الكتاب سيشكل معرفة كبيرة بهذه الآلة العريقة التي عشقتها منذ ثلاثين سنة وطفت بها في العديد من الدول .

أما بالنسبة إلى  فرقتي (Mazen Bandoleros) تأسست هذه الفرقة عام 1998 في أسبانيا عندما كنت طالبا في الكونسرفتوار وكانت تتكون من فتاتين وأخيهم عازف كيتار معي  وهؤلاء كانوا من عائلة (خيتانوس) وكذلك عازف  آلة الكاخون الأسبانية . وفي عام 2004 قمت بإعادة  هذه الفرقة الموسيقية ولكن أضفت عليها  الطابع العربي من الموسيقى العربية والرقص الشرقي  إضافة إلى الرقص والموسيقى الأسبانية . وتتكون من ثمانية أشخاص  من دول مختلفة تربطهم حب الموسيقى وهدفهم مضاد للعنصرية  وتسعى هذه الفرقة  من خلال عملها  إلى بناء جسور بين ثقافات وفنون موسيقية من عدة دول مختلفة والى فهم واحترام الثقافات المتباينة وخصوصياتها . وتعتبر فرقتنا فريدة من حيث تركيبها وتعدديتها . وأقامت فرقتنا عدة أمسيات فنية داخل النرويج  وقد عكست فرقتنا بهذه الحفلات شكلا راقيا للفن العربي وفن الفلامنكو الأسباني  من خلال أداءها  الراقي للموسيقى العربية والعراقية الأصيلة وأن تعيد إلى الأذهان ذلك العراق الذي كان مهد الحضارات والتقدم والرقي ، وأن تبني الجسور الحضارية والفنية بين عراق اليوم والعالم الأوربي .

ماهو رأيك بمطربين اليوم ومستوى الأغنية العراقية .

ثقافة المطرب ليست هي كما يتصورها البعض مجرد كلام منسق للحديث في الصحف واللقاءات عن آخر نشاطاته أو ألبومه القادم .

كثير من مطربينا يجهلون علوم الموسيقى  وتنقصهم المعرفة حتى بالسلالم الموسيقية التي هي أساس الموسيقى فعلى المطرب أن يتزود بالثقافة الموسيقية ويتعلم على الأقل آلة موسيقية  كما هو الآن في أوربا حيث  نشاهد المطرب هو الذي يختار موسيقاه وألحانه ، أما بالنسبة للأغنية   تمر  بمرحلة غير مستقرة  وتتميز بالإرباك ولظاهرة الفيديو كليب  ومجموعة الغجريات التي تصاحب المطرب أثناء أداءه اثر سلبي للأغنية العراقية ونضع اللوم على  الفضائيات التي تقوم بتشجيع عرض مثل هذه  الأغاني ، فالأغنية حاليا تأخذ طابع تجاري وتبتعد عن مفهومها الإنساني والفكري .

من هو مطربك المفضل خصوصا وانك موسيقي  .؟

الفنان  ناظم الغزالي ،  والأستاذ حسين نعمة ، وشيخ الكيتار العراقي  الفنان الهام المدفعي.

ومن العرب ، الفنان فريد الأطرش ، وعمر دياب ، وراغب علامة، والشاب خالد ، ومن الفرق الأوربية ،  فرقة , peatles, ABBA ,Gipsy Kings Julio Iglesias  . 

هل أثرت الغربية في حياتك الفنية والثقافية .؟

الفن هو رسالة إنسانية ينفتح فيها الفنان على العالم ، والموسيقى هي لغة العالم المشتركة بين الشعوب.أن نجاح  العراقيين في المنافي  هو نجاح للعراق . لان التعايش في الغربة مع مجتمع جديد بأفكار وتقاليد جديدة تجدها صعوبة كبيرة على العراقي  وفي غربتي زادتني معرفة وثقافة موسيقية لذا أنا احمل معي في حلي وترحالي العراق بكل مقوماته ثقافية وفكرية وفنية  ولابد أن نعرف العالم على ثقافتنا وموسيقانا ونطرح من خلال ذلك قضيتنا .

 لقد أمضيت أكثر من احد عشر سنة  خارج العراق  وعلى الرغم ما حققته من نجاح فني في مجال الموسيقى  التي حققتها بجهدك المتواصل وإخلاصك لفنك ، هل  تحلم بالعودة إلى أحضان الوطن  وتقديم فنك وثقافتك الموسيقية لأبناء بلدك العراق .

رغم  الغربة  التي فرضت علينا ما زال الحلم الأكبر هو العودة إلى الوطن لان الوطن بالنسبة لي هو محطتي الأخيرة في الحياة ، إني متلهف للعودة إلى ربوع وطني الحبيب والى أحضان مدينتي وأصدقائي وزملائي وأرجو  أن أتمكن من ذلك قريبا بعد انتهاء القتل والتفجيرات وأتمنى أن اعزف لأبناء بلدي  وعندي القناعة بأننا في الموسيقى نستطيع أن ننجز الكثير ونثبت للعالم إننا أصحاب حضارة وثقافة راقية هي حضارة وادي الرافدين(Mesopotamia) . ولاغني واعزف لأطفال العراق ولأمهات العراقيين وآباءهم وهم يحفلون بالسلام والأمن ولتنتهي أيام الدمار والقتل والتفجير كما انتهت سلطة الدكتاتور وانهار عرشه.

لنعزف موسيقى أور المقدسة ولنشعل شموع الفرح لوادي الرافدين وليبارك الرب بلادنا .

شكرا لمازن المنصور على هذه الدردشة الجميلة وشكرا لكل المبدعين العراقيين ولنلتقي تحت ظلال نخلة عراقية ونحن نستمع إلى قيثارة أور وهي تنشد التراتيل المقدسة .

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com