لقاءات

الشاعر العراقي عبدالكريم هداد يتحدث عن صدام والشعر والمنفى

المغول وصدام حسين وحدهما دفعا الشعب العراقي لهجرة وطنه

لقاء: ليلى بارع

يشكل الشاعر عبدالكريم هداد الى جانب عدد من الشعراء العراقيين في المهجر، نموذجاً مثاليا لوضع المثقف العربي اليوم، مثقف يحلم بالحرية ويمارسها خارج الهواء العربي الذي قلما يسمح للمبدع بهوامش حرية واسعة، هاجر من العراق نحو السويد، وقضى سنوات الأنتظار ببعض الدول العربية زار المغرب مؤخرا فكان الأستجواب التالي لرصد بعض من محطات الشاعر المهاجر .

 

*هاجرت العراق هربا من الظلم، هل تشعر بالسعادة للحكم بالأعدام ضد صدام حسين؟؟

** إن سعادتي لا تكمن في قرار إعدام صدام، وذلك لأن المشكل الأساسي والكبير، الذي دفع بي الى قارات المنفى، هو جور النظام الشمولي والقائم على التعسف البوليسي المنظم والمتغلغل في جميع مفاصل هرمية الدولة وساحات حركة المجتمع العراقي، حيث لغة الألغاء لكل ماهو مختلف عن رؤية الحزب الحاكم، الذي أنهك العراق بنظام دكتاتوري قاد البلاد نحو حروب لا مبرر لها .

وإعدام صدام، لن ينهي لغة الدمار والتعسف والظلامية وثقافة الجهل العشائري البدوي والطائفي الذي يحرك حياة المدينة العراقية اليوم، فماتزال المنظومة الفكرية والثقافية التي أنجبت صدام حسين كدكتاتور دموي، قوية في العصب المحرك للمجتمع العراقي .

لذا، فإن سعادتي هي حيث أجد حريتي وكرامتي، التي دعتني الضرورة الى أن أهاجر العراق بحثا عن سقف آمن، يمنحني الكبرياء كإنسان حر .

*لماذا هذا الحزن الذي يطبع أعمال العراقيين المقيمين في الخارج؟

** إن الحزن حالة إنسانية، وهي إنعكاس تبرزه النفس البشرية، لضغوطات وقائع الحياة اليومية للفرد والمجتمع، وقد تجلى الحزن كرافد أساس وراسخ في صلب تكوينات ملامح الأنسان العراقي، وهو نتيجة حتمية شعورية أفرزها التراكم الهائل من عواصف العذابات المتتالية التي عاشها العراق تاريخيا .

ولم يهاجر الأنسان العراقي بشكل جماعي وكبير الى خارج العراق الآ مرتين، الأولى عند دخول جيوش المغول بغداد . والهجرة الثانية، هي حين اشتد العنف والأضطهاد تجاه القوى الوطنية العراقية أواخر سبعينيات القرن الماضي على يد نظام صدام حسين،وأغلبية المهاجرين في الفترة الثانية هم من مبدعي ومنتجي الثقافة العراقية، حيث تركوا فراغا كبيرا في مساحة الوعي العراقي الذي يشغله حاليا التخلف الشديد والواضح في الشارع العراقي .

وما الحزن الذي يطبع أعمال العراقيين الأبداعية خارج العراق، إلا إنعكاس طبيعي لمسارات الحياة، وهي حالة بعيدة عن الأنكسار، وإن كان هنالك من يؤسس له ضمن مانشيتات سياسية عراقية مرفوضة،لكن الحزن في الأبداع، ماهو الا حنين طفولي وخاصية لترقب فرح مأمول، وإن تأخر كثيراً !

*تستقر اليوم في السويد، لكنك سجلت حضورك في عدد من الدول العربية، هل السماء العربية تضيق بالشعراء العرب؟

** بما أن منابع ثقافتي الأساسية وتكويناتها الفكرية هي عربية الأطار والمنحى بكل تجلياتها، بما فيها اللغة العربية كوسيلة أداء فني، إبداعي عالي الجودة، فمازت مشدوداً نحو " السماء الأولى " حيث ساحة الألتقاء الواسعة مع متلق، لي معه قاسم مشترك، لذا أحاول دوما، وبكل تواضع، أن أسجل حضوري من خلال إصداراتي المطبوعة عبر دور نشر معروفة في الوطن العربي، وإن ضاقت السماء العربية، وأنا على ثقة أن هنالك من ينتظر قصيدتي .

* ماذا منحتك الغربة، وماذا أخذت منك، لنتحدث عن أعمالك التي قمت بكتابتها في السويد؟

** إنني أميل الى مصطلح " المنفى " بدلا من " الغربة" لأن مفردة " منفى " تحمل في طياتها دلالة الموقف الذي أفتخر به، تجاه سلطة جثمت على مصائر أمة، بدموية مفرطة،حيث التنكيل والتعسف والبطش في تكوينات الشعب العراقي المتعدد الثقافات .

وحيث أقيم اليوم في السويد، وبكل كبرياء، وبفيضه الأنساني التائق الى صباحات، وأنا أمتلك عنان إرادتي وحريتي وكرامتي المضمونة والمصونة بقوانين رائعة كصفاء بياض ثلج السويد . بلاد الثلج المشمسة، بدفئها الأنساني والحضاري .

وعلى قدر ما منحتني " الغربة " اشياء جميلة أضافت الى تكويني الذاتي اشياء أخرى، فتحت لي آفاقاً متعددة متنوعة الرؤية وتجليات الكتابة بكل أشكالها المتجددة في التشكيل والبناء والخلق . لذا فقد امتلكت مساحة مستجدة لأستكشاف الأماكن والزمن الهارب، من خلال سياق أحداث ووقائع مقرونة بمذاقات جديدة تدفع بالحواس دوما نحو المشغل الأبداعي للكتابة . وقد ساعدتني السويد، في التأسيس لحالة التوازن مع عالم مضطرب، رغم إصرار اندهاشي المتواصل في ذلك الضوء وظله البهي بين دروب الطفولة ومرابعها، الآ وهي مدينة " السماوة" ونخيل فراتها المشوش بالأساطير وإيقاعات الفلكلور الشعبي، وعلى قدر اندهاشي الطفولي، لم أزل منبهرا في احتفالية صداقتي لمدينة " يوتوبوري " وقدميها يغسلهما بحر الشمال وغابات الأخضرار المتلألئ، ومن هنا، فمعظم كتاباتي في السويد، تفترشهما هاتان المدينتان على حدود القلب، وما بينهما تغفو إمرأة في الروح، تأسرني وتعشقني سرا لذيذا، وأنتظرها شعرا بكل سنين العمر ..!

* تتوقف دوما عند حدود الشعر، الآ تغريك الرواية أو القصة القصيرة؟

** مازال الشعر كفؤا في إغراءاته لي، إن الشعر مازال هو المملكة الفاضلة، ومازلت أحاول أن أشيد فيها بيوتا من الشعر، تكفي الروح، وبوسع وطن مازال يلوث ذاكرتي بالحنين الطفولي . وبالرغم من اختياري للقصيدة الشعرية ملاذا آمنا من تاريخ يكرر نفسه في مشاهد من التهريج اليومي، رغم ذلك، فهنالك ما يغريني في تجريب الكتابة بأشكال أخرى، منها القصة، وقد حاولت في ذلك أكثر من مرة، ويبقى هاجس يدفع بي نحو الرواية .. قد أغرق في تفاصيلها يوما ما .

* هل ساعد الطرب، خاصة الأغاني الملحنة، على لفت النظر الى القصيدة العراقية الشعبية؟

** للأسف الشديد، إن ما تسمعينه اليوم عبر القنوات التي يزدحم بها الفضاء العربي للأعلام، ليس بالغناء العراقي الممتلك للمقومات الفنية التي تحدد ملامح الغناء العراقي عموماً .

فما تسمعينه من أغان، ما هو الا إنعكاس حقيقي للوضع العربي المتشرذم، وهو عنوان الإنهيار . وقد قال ابن خلدون في يوم ما إن انهيار العمران يبدأ أولا بالغناء .

وأما القصيدة العراقية الشعبية، فقد نجحت بقوة مشهود لها في الولوج نحو عالم الغناء العراقي في سبعينيات القرن الماضي، عندما قدمت اغاني ناجحة بكل المقاييس الفنية على يد شعراء شعبيين عراقيين أمثال مظفر النواب وأبو سرحان وسعيد زامل وزهير الدجيلي وناظم السماوي وآخرين .

*كيف تنظر الى القصيدة العراقية في المهجر اليوم؟

** إن القصيدة العراقية في المهجر، مازالت وفية لحركة الشعر العراقي الحديث، على يد اسماء لم تلوثها إيقاعات الحروب المدمرة وأضواء مهرجانات المديح .

وهي تزداد قوة في مضامينها وتوسعات تجاربها، في انطلاقة التأثير، لما تمتلك من مقومات فنية خاصة، ساعدتها مساحة الزمان والمكان الجديدين من حرية المنفىالمهجر .

وهي قصيدة حاضرة لا يمكن تجاهلها من خلال الأصدارات الشعرية والنقدية، وتداخلها في حياة المهجر، ولها فرسانها من الشعراء أمثال الشاعر الكبير سعدي يوسف والشاعر عبدالكريم كاصد والشاعر مهدي محمد علي وآخرين .

نقلا عن جريدة " الصحيفة " المغربية

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com