تحقيقات

دور النشر وقود الحضارة .. دار نشر سبيريز أنموذجاً

عبدالكريم يحيى الزيباري

abdalkreem_y71@yahoo.com

* حققت دار سبيريز مبيعات وصلت إلى 55 ألف دولار

* رسالة ماجستير من جامعة السوربون للعام 2006 حول مجلة كَبر

مصر تكتب، لبنان تنشر، العراق يقرأ، متى تتغير القاعدة التي أسمع بها مذ كنت صغيراً إلى: العراق يكتب + العراق ينشر + العراق يقرأ = العراق يعاود الحضرنة بعد أن فارق حضرنته؟

كيف استحصلت دور النشر في سوريا ولبنان سوقها الرائجة، ومعظم مبيعاتهم ترتكز على القارئ العراقي برغم ظروفه المأساوية؟

إذا كانت ماهية الثقافة التي نستشرفها ونتلقاها العامل الأكثر تأثيراً في صناعة عقلنا المبدع، فهل دور النشر وحدها هي المسئولة عن هذه الماهية؟

هل العقلية الإبداعية عمل فردي محض؟ هل يعلم الإنسان امتلاكه قدرات إبداعية في مجال معين وانحصار المشكلة في اكتشاف هذا المجال؟ كيف يسعنا تطوير واستغلال الإمكانات الإبداعية للقارئ؟

انتعاش الحضارة يصاحبه انتعاش حركة الترجمة للعلوم والفنون، يذكر أنَّ مجموع ما تترجمه إسبانيا بمفردها يعادل ضعف ما تترجمه دويلات الوطن العربي كافة، لماذا لا توجد إحصائية لأعداد وأنواع الكتب المترجمة سنوياً؟

يذكر أن رقم مبيعات دار فلاماريون للنشر التي تقوم بإدارتها تيريزا كريميزى والتي تعتبر الأشهر في فرنسا يقدر بنحو 224 مليون يورو في العام، إذا كان الربح مقياس النجاح شبه الأوحد، فلماذا لا يوجد في العراق دار نشر تحقق الأرباح؟ أ لأنَّ الدولة تحتكر سوق النشر ولا تفسح المجال للآخرين أم لأنَّ الآخرين يتخوفون من منافسة دور النشر اللبنانية والسورية؟

معرض الكتاب الدولي في القاهرة، 30/1/2007 أكدت السيدة تيريزا كريميزي المدير العام لدار فلاماريون للنشر بفرنسا إن الناشر يقوم بدور مهم ولكنه لا يمكن أن يكون معيارا لنجاح الأعمال التي يقوم بنشرها حيث انه من الممكن أن يساهم في نجاح بعض الأعمال دون الأخرى، ونجاح العمل الأدبي يتوقف على عدة عوامل منها جودة العمل نفسه والأسلوب وتوقيت النشر والفكرة التي يطرحها.. لافتة إلى إن غلاف الكتاب يلعب دورا أساسيا في جذب القراء. ولكنني أتساءل هل يوجد كتاب حقق مبيعات عالية بسبب غلافه؟

هل من المعقول أنْ يقتني أحدهم كتاباً قبل أن يتصفحه، مكتفياً بجمال غلافه الخارجي؟

إذا كان موضوع الكتاب مستهلكاً ومادته رديئة فماذا سينفعني الغلاف؟

إنَّ من يقتني كتاباً بسبب غلافه فقط لهو كأمِّ عمرو التي مدحها الشاعر:

ذهبت أمُّ عمرو بالحمار *** فلا عادت ولا عاد الحمار

توجهنا إلى دار سبيريز أعلى مؤسسة ثقافية في مدينة دهوك، بحسب تقرير أعدته جريدة الزمان في عددها 2485 في 26/8/2006، والتقينا السيد شيروان أحمد مدير الإدارة وسألناه عن وظيفته في الدار:

- حسابات الكلفة والأرباح ونوع الإقبال وإعداد دراسات الجدوى حولها- التوزيع على المكتبات في دهوك وبقية المحافظات-إشراف على طبع الكتب.

- ماذا تقصد بدراسات الجدوى وما هو نوع الإقبال؟

- كل ثلاثة أشهر أوزع استمارة إحصائية على المكتبات التي نعتمدها، تعيننا في الوقوف على حجم المبيعات، ونوع الإقبال، وكان الإقبال بالدرجة الأولى على الكتب التي أصدرتها الدار باللغة العربية، ثم اللغة الكردية بالحرف العربي، ثم في المرتبة الأخيرة اللغة الكردية بالحرف اللاتيني، لذا اقترحت تخفيض اعتماد طبع الكتب باللغة الكردية بالحرف اللاتيني، أو تقليل النسخ إلى 500 نسخة فقط، وتمَّ اعتماد المقترح، وبالنسبة للمواضيع، فقد كان كتب الأطفال تنفد من السواق بسرعة كبيرة ربما لا تتجاوز الشهر الواحد، بسبب جودة المادة الورق، ومن ثم كتب التاريخ والسياسة في الدرجة الثانية وهذه الاستمارة تساعدنا على وضع مقاييس جودة للكتاب وبحث وإيجاد الآليات تكفل تفعيل وتطبيق أفضل البرامج والخطط في النشر والتوزيع.

ثم انتقلت إلى مكتب مدير الدار الشاعر مؤيد طيب، والذي قبل أن نسأله أوجز لنا نبذة عن منشورات الدار وزودنا بمجلة جميلة احتوت فيها عرضا لمنشورات الدار، وأكد الشاعر طيب علي أهمية خلق المناخ الملائم للأطفال لأنهم أملنا في مستقبل أفضل، وسألناه:

- ما هو سبب اهتمام الدار بإصدارات الأطفال؟ هل بسبب سرعة نفادها أم لأسباب أخرى؟

- خلال معيشتي مغترباً في بلاد السويد كلاجئ سياسي لمدة 13 عاماً من عام 1983 ولغاية 1996 كنت بتماس مع رعاية واهتمام الحكومة الكبيرين بكل ما يخص حياة الطفل وخاصة تثقيفه من خلال دوريات ودورات، وعملت هناك متسلسلاً من الروضة إلى الإعدادية كمدرس للغة الكردية ومترجم للمواد من اللغة السويدية إلى اللغة الكردية أو بالعكس، وكنتُ أتمنى أن أكون في طفولتي قد نلتُ شيئاً من هذه الرعاية الكريمة، وأحلم بأن ينال أطفال بلدي الاهتمام والرعاية التي حرمنا منهما، وقررت العودة لأمنح أطفالي وأطفال كردستان الثقافة التي حرمت منها في صغري، ولقد كان لعالم الطفولة

- هل للدار نشاطات أخرى؟

- أصدرت الدار ثلاث مجلات(كبر للأطفال باللغة السورانية واللغة الباهدينانية الكرديتين- ومجلة جوان للشباب-ومجلة هيلين للمرأة)

- أي المجلات الثلاث تلقى سوقاً رائجة؟

- مجلة كبر للأطفال الشهرية والتي صدر العدد الأول منها في تموز 2003 ويطبع منها 2500 نسخة شهرياً، ويتم بيعها جميعاً، وقد حققت الدار مبيعات قدرها(55) ألف دولار، كان لمجلة كبر حصة النصف حيث كانت مبيعاتها(30)ألف دولار.

- ما هو سبب الإقبال على مجلة كَبر؟ هل انفرادها في الساحة أم نيلها نوعاً خاصاً من الدعاية؟

- المجلة لم تنل دعاية ولا أيَّاً من منشورات الدار، إلا أحاديث الركبان من المثقفين والمهتمين، وهي كانت في البداية منفردة، لكن بعد فترةٍ وجيزة صدرت عدة مجلات للأطفال حاولت تقليد مجلتنا في كل شيء، من الإعداد إلى اختيار المادة الثقافية، لكننا لم نتأثر بالمنافسة فلمجلتنا قرائها الصغار الذين ينتظرونها، والآباء الحريصين على تثقيف أطفالهم، أما سبب الإقبال فهو اهتمامنا الكبير بموادها، وقد اختارتها طالبة الماجستير زبيدة سيد صالح في جامعة السوربون للعام 2006 عنواناً لرسالتها(صحافة الطفل في كردستان-مجلة كبر نموذجاً)وكذلك قام طالب الماجستير في كلية الآداب جامعة دهوك باعتمادها كنموذج في رسالة الماجستير المعنونة(أدب الأطفال باللغة الكردية)وكذلك قام عدة طلاب من المرحلة الأخيرة بتقديم بحوث تخرجهم عن أسباب الإقبال على مجلة كبر أو موادها ورسوماتها، وتوجد مدرسة في دهوك باسم نوهات وهي مخصصة لأطفال العائلات التي عادت من أوربا ومن خارج العراق، ومجلة كبر معتمدة لديهم كمنهج بديل لكتاب القراءة الخلدونية للصفوف كافة، وتصدر ضمن منشورات مجلة كبر سلسلة ألف كتاب للطفل، وصلت للرقم 43، ويباع مع كل عدد كتاب المجلة منفردا، وكان الكتاب الأول عن الديناصور، والثاني (إنسان ما قبل التاريخ)والثالث(كل شيء عن المطر)والرابع(الحيوانات البرية في كردستان)- النملة-طيور كردستان-جغرافية كردستان- طاقة المياه-كيف ينتج العسل-كيف تنمو الزهور.

- تطرقت لاختيار المادة الثقافية ولم تدخل في التفاصيل؟

- تنشر المجلة في افتتاحيتها هذا العام صفحة كاملة عن أهم مشاهير العالم بدءا بالمهاتما غاندي وليوناردو دافنشي، وفيما سبق تناولت 12 من قادة الكرد، و32 من مشاهير أدباء وكتاب الكرد، والصفحة الثانية عن فوائد إحدى الفاكهة أو الخضراوات وشجرتها وطريقة نموها، وبعدها قصة للأطفال مصورة برسومات الرسام نجم الدين بيري، وبعدها أحد أنواع الطيور في كردستان، وصفحة أخرى لإحدى حيوانات كردستان البرية، ومن ثم قصيدة للأطفال، ومن ثم تناول إحدى العواصم العالمية، كما في عدد 42 في الصفحات 14-15 تناولت المجلة مدينة هافانا عاصمة كوبا، من حيث المساحة وعدد السكان ولغتهم وعملتهم، وموقعها على الخارطة، وصور حديثة عن أهم معالم المدينة، وبعد ذلك لقاءات مختصرة ذات سؤال واحد مع عينة من الأطفال وتنشر صورهم بجوار أجوبتهم، ومسابقات ثقافية وأجوبة يختار الطفل منها الصحيح، وجوائز رمزية توزع للفائزين.

- ما هي مؤشرات الإقبال وما هي نتائجه على مجلة كبر؟

- المؤشر نفاد النسخ من الأسواق، قبل إصدار العدد اللاحق، وكانت قد بدأت المجلة بالصدور في 16 صفحة وبسعر 750 دينار فقط، وهي الآن ذات 36 صفحة غنية وبسعر 1000 دولار

- هل تهدف الدار إلى تحقيق الربح المادي؟

- لا تهدف الدار لتحقيق الربح، لكن نوع الإقبال وحجمه لا يُستغنى عنهما في تحديد أفضل البرامج التي تكفل النجاح.

- بمن ترتبط الدار إدارياً؟

- لا ترتبط بدائرة وتتلقى الدعم مباشرةً من السيد رئيس حكومة الإقليم.

ثم التقينا بالناقد الأكاديمي ياسر حسن، أستاذ نظرية الأدب في جامعة دهوك، وسألناه:

- لماذا اخترت دار سبيريز لنشر كتابك(البنية الإيقاعية في الشعر الكردي الحديث) والذي كان في الأصل رسالة ماجستير، بدلاً من طبعه ضمن سلسلة منشورات اتحاد أدباء دهوك؟

- رغم أنَّ اتحاد أدباء دهوك يمنح الكاتب 400 نسخة من كتابه كهدية، ودار نشر سبيريز لا تمنح سوى 100 نسخة فقط، لكنني أردتُ التنويع فقد نشر لي اتحاد أدباء دهوك ضمن سلسلة منشوراته كتابي الموسوم(رحلة في أسرار النص)تسلسل 3 في السلسلة التي وصلت إلى 105 كتاب، والسبب الثاني بسبب شهرة دار سبيريز وخبرتها في التوزيع إلى بقية المحافظات وخارج القطر أيضاً، حيث لديهم اتفاقيات تعاون وتبادل مع دور نشر لبنانية وسورية، لغرض إعادة نشر بعض الكتب.

ثم التقينا الكاتب حسن السليفاني رئيس اتحاد أدباء دهوك، ليحدثنا عن تجربة الاتحاد في مجال النشر والتوزيع:

- بدأ المشروع في تموز 2004 بكتاب الأديب فاضل عمر، رئيس الاتحاد السابق، ثم تتابع النشر، حتى وصلنا اليوم إلى الرقم 105.

- هل حقق الاتحاد ولو ربحاً هامشياً من منشوراته؟

- كأي مؤسسة ثقافية أخرى، تتلقى الدعم من رئاسة حكومة الإقليم نحن لم نسعَ لتحقيق الأرباح، بقدر سعينا إلى نشر الثقافة الكردية، ومنح فرصة لأدباء دهوك في نشر نتاجاتهم الأدبية.

- هل اشتركتم في معارض للكتاب؟

- اشتركنا مؤخراً في معرض فرانكفورت في ت1 2006، وأرسلنا عن طريق وزارة الثقافة 40 عنواناً، ونحن نرسل عن طريق البريد وبعض الأصدقاء، نسخاً من كتبنا إلى مكتبات العالم الشهيرة، كمكتبة الكونغرس.

- كم يبلغ عدد الأدباء المستفيدين من مشروعكم (سلسلة منشورات أدباء دهوك)؟

- أكثر من تسعين أديباً، نشرت كتبهم في السلسلة، واستفاد البعض من خارج الإقليم كديوان الشاعر روخه ش زيفار من سوريا، بالحرف اللاتيني، ومن تركيا كتاب مم وزين خاني المعلم الثالث للكاتب الكردي (شرف مم) بالحرف اللاتيني أيضاً، ومن إيران نشرنا رواية(بلي جان)للروائي برويز جهاني، وللروائي شاهين بكر صوركلي من أستراليا رواية(فكر/العودة)، وقام الاتحاد بتعضيد أكثر من 145 كتاباً لأدباء من دهوك وأطرافها خارج كردستان، وشهريا نصدر 2-3 كتب، تتراوح كلفة الكتاب الواحد بين 1-5 مليون دينار بحسب حجم الكتاب وعدد النسخ.

ثم التقينا الكاتب سامان نوح كعينة من قراء محافظة دهوك، وهو قارئ نشيط بحسب علمي، وسألناه:

- ما هي حج الإقبال على كتب لكتاب دهوكيين بطبعات ونشرات دهوكية؟

- الجيل الجديد لا يقرأ، فهو لا يجيد العربية ليقرأ بها، ولا الحرف اللاتيني، ولا اللغة الكردية السورانية، ولم يبق له إلا الكتب المطبوعة بالحرف البهديناني الكردي، وقد لا يجد فيها مُبتغاه، أما الجيل القديم، فهو لا يجد وقتاً كافياً ليقرأ، ولا يتوفر له المناخ الملائم.

- نظرتك لم تخلو من تشاءم، فما هو سبب ابتعاد الجيل عن القراءة؟

- هناك أسباب اقتصادية باعتبار الثقافة ترف، والترف مفقود منذ قرابة عقدين من الزمن بسبب الحروب والحصار، فالعائلة العراقية بالكاد توفر الضروريات، وبالتالي فالأمور الثقافية، كمالية، وسيادة ثقافة الحرب لأكثر من ثلاثة عقود، دفعت أنصاف المتعلمين لقيادة البلد اقتصاديا وسياسيا وثقافياً، واختزلوا الثقافة إلى تمجيد الموت باسم التضحية، بالإضافة إلى انعدام حرية النشر، وأصالة الكتب، فتلاشت عادة القراءة التي تجدها واضحة والى اليوم في مجتمع أوربي أو آسيوي ما إن تدخل قطار أو مترو وما إن تدخل احد الأسواق لتجد عشرات المكتبات التي تغوص بالزائرين، وانشغال نسبة كبيرة بالتلفزيون والقنوات الفضائية، التي تركض وراء المثقفين لتلتقي بهم، ويركض وراءها نوع جديد من المثقفين يمكن تسميتهم بمثقفي التلفزيون الذين يعتمدون على معلومات سطحية وثقافة شفاهية ويحتاجون إلى شيء من اللغة السليمة والمصطلحات العلمية والعلاقات الشخصية، فهذا الجهاز اضر بالثقافة الحقيقية واضر بالمثقفين بشكل كبير لأنه صار يكرس ويمجد مثقفين من نوع آخر ويجعل منهم وجوه إعلامية - إبداعية في حين انه همش دور المثقف الحقيقي، حتى المشاهير عندنا اليوم من أشباه المثقفين وأشباه السياسيين وأشباه الفنانين في حين ينزوي الآخرون بعيدا. التلفزيون صار خطرا على الثقافة وعلى القراءة بكل ما تحمله من فوائد وعلى طبيعة الأجيال القادمة، واعتقد انه صار العدو الأول والأكبر للكتاب سواء العلمي أو الأدبي أو التاريخي.

ماذا علينا أن نفعل لنزيد من إقبال القراء على الكتاب؟

من أين نبدأ في حملة زيادة عدد القراء؟

لماذا الجيل السابق أكثر شغفاً بالقراءة؟ أليس بسبب الفيديو كليب والستلايت أم بسبب قلة ثقافة معلمو المرحلة الابتدائية؟

ورحم الله المتنبي القائل:

خيرُ مكانٍ في الدنى سرجُ سابحٍ *** وخيرُ جليسٍ في الزمان كتاب

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain. com