لقاءات

المفكر العراقي الدكتور سيار الجميل: ثقافتنا لم تعرف الاستحمام منذ ازمان طوال

اجرت الحوار: سلوى اللوباني / القاهرة

د. سيار الجميل استاذ التاريخ الحديث والفكر المعاصر...أحد أهم المفكرين العرب..تجربته العلمية والفكرية ثرية بثراء أفكاره حيث بلغ إنتاجه العلمي والفكري أكثر من عشرين كتاباً منشوراً وعشرات البحوث العلمية المنشورة في العربية والانكليزية. نشر المئات من المقالات الفكرية والسياسية والنقدية في العديد من الصحف العربية والاجنبية. ترجمت بعض أعماله الى الانكليزية والفرنسية والتركية وخصوصاً نظريته عن المجايلة التاريخية وبنية الاجيال في فلسفة التكوين التاريخي. اشترك مع علماء آخرين في دراسات مشتركة، منهم سمير أمين وبيتر بيرك وخليل انالجيك وغيرهم وينكب اليوم على تأسيس مشروع معرفي في كيفيات التعامل بين الثقافات. والعولمة من خلال تأسيس مركز اكنك للمعلومات بين كندا والشرق الاوسط. عمل محاضراً واستاذاً في جامعات عدة، منها وهران بالجزائر وتونس الاولى والموصل بالعراق واليرموك وآل البيت بالاردن وجامعة الامارات العربية المتحدة. تخّرج على يديه العديد من حملة الماجستير والدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر. وهو أستاذ زائر في جامعة كيل بالمانيا الغربية منذ العام 1987 ولوفان وانديانا. نشأ في أسرة علمية معروفة، وأكمل دراساته في الجامعات البريطانية ردنك واكسفورد وسانت اندروس ونال دكتوراه الفلسفة في التاريخ الحديث في العام 1982. رئيس جمعية الصداقة العربية الاسكتلندية لدورتين انتخابيتين 1979 و 1980. زار جامعات عدة منها ردنك واكسفورد وكيمبرج والسوربون وادنبرة ودندي وهامبورك ومونبلييه وتورنتو وفاس والجزائر والزقازيق وبغداد والمستنصرية والجامعة الأمريكية في بيروت. شارك في العديد من المؤتمرات الدولية والندوات العلمية في أماكن عدة في العالم. عضو مزامل ومشارك في العديد من المؤسسات الاكاديمية والجمعيات الثقافية والمراكز العلمية والمنتديات الفكرية والسياسية في العالم. خبير دولي في الدراسات الاجتماعية والثقافية لكل من منظمتي اليونسكو بباريس والاسيسكو في الرباط، وخبير علمي للعديد من مراكز البحوث والدراسات. أدار العديد من وحدات البحوث والدراسات وورشات العمل البحثية. شارك في كتابة موضوعات مختزلة للانسكلوبيديا الاسلامية والانسكلوبيديا التركية وموسوعة تاريخ الثقافة البشرية الحديثة ( اليونسكو). ألقى محاضراته في منهج البحث والتاريخ الوثائقي وتاريخ العالم وتاريخ الخليج والشرق الاوسط والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعولمة وفلسفة المستقبل. حصل على جائزة شومان للعلماء الشباب منفرداً العام 1991 وعلى براءة تقدير في العام 1992 وعلى قلادة الابداع للعلماء المتميزين في العام 1995، وعلى جائزة الكوريار انترناشنال في كتابات العراق العام 2004 وعلى شهادة تكريم العلماء من الجمعية الدولية للمترجمين العرب 2005 وعلى شهادة تقدير من مجلس العمل العراقي في ابو ظبي 2006.
. د. سيار الجميل من مواليد مدينة الموصل عام 1952 وغادر العراق لأول مرة العام 1976، وتنّقل في عدد من بلدان العالم، ويقيم حالياً في مدينة مسيساكا قرب تورنتو بكندا، ويعمل في الامارات العربية المتحدة. وهو الامين العام للمنظمة العراقية لتنمية المجتمع المدني "يودكس" وهي منظمة دولية أسسها مؤخراً.

*ماذا تعني لك كلمة مثقف/ة؟

كلمة "مثقف" كبيرة جداً عندي. وأتحّرج عندما أطلقها على أي شخص لا يتمتع بمؤهلات ليست عادية تؤهله حقاً لحمل هذه "الصفة". إن معناها لا يحدد بتعريف عادي هزيل! بل يمتد كي يجد نفسه في إنسان تعب كثيراً من أجل أن يغدو واعياً بالحياة وطبيعتها وتكويناتها وتجددها ليس من خلال ميراثه الذي اكتسبه في بيئته المعينة حسب، بل من خلال تكوينه التربوي والسلوكي والحضاري عالي المستوى. المثقف ينبغي أن يكون مبدعاً في حرفته، وبقدر ما يكون ماهراً في حرفيته وصنعته، فان درجته كمثقف ستكون بالضرورة واضحة تمام الوضوح. ان المثقف ليس شرطاً أن يكون حامل صولجان ولا حامل شهادات ولا جوائز دولة، والمثقف لا يمكنه أن يكون مخادعاً ويجيد التعبير وإلقاء المواعظ والهذيان. انه مثقف حقيقي يمتلك خزيناً من المعلومات وفنان في اسلوب التعامل مع الاخرين. المثقف الحقيقي لابد أن يعّبر عن واقعه على أروع ما يكون التعبير. وأن يكون مؤمناً بالحريات والمنطق والانفتاح على الاخر. المثقف الحقيقي يدرك كم هو حجم من يقابله أو يتعاطى معه. المثقف أنواع كما افرز لنا إياها القرن العشرون: مثقف حر، ومثقف ملتزم، ومثقف مختص، ومثقف عضوي، ومثقف مبدع، ومثقف سياسي، وطبعاً مثقف سلطة .. الخ. باختصار المثقف هو من يدرك كم هو حجمه لدى الاخرين ويعرف كم هي خطوات الاخرين إزاء خطواته، وهو من يعمل على أن يقّدم شيئاً ينفع المجتمع باعتراف الاخرين بذلك.

*ما هو مأزق الثقافة العربية؟ ومتى كانت الثقافة العربية حّرة وليست في مأزق حقيقي؟

الثقافة العربية طوال حياتها الحديثة تنتقل وياللاسف الشديد من مأزق لآخر. إنها لم تعرف الطريق يوماً لتشعر إنها غير مقيدة بالاغلال الثقيلة. إنها محكوم عليها بالاحكام الشاقة المؤبدة وبالسجن المؤبد مدى الحياة. إنها لا تعرف كيف تتلاقى ولا كيف تتفاهم مع الثقافات الاخرى القريبة منها والبعيدة. لقد مرّت الثقافة العربية باطوار تاريخية متعددة وانتقلت عبر سبع وأربعين جيلاً من الاجيال على إمتداد حياة الاسلام. وكانت تمارس دور البحر في مده وجزره. صحيح انها أفادت غيرها من الثقافات الاخرى القريبة والتي استعارت منها جملة هائلة من الموروثات، ولكن ثقافتنا في العصر الحديث أخذت تنكمش على نفسها، بل وأصابتها أمراض وبلايا لا تعد ولا تحصى ليس بسبب أي داء عضال فيها، بل بسبب هذا الذي يقوم بشأنها، أو انها تقوم بفي رعايته أو تتكوّم في أحضانه. المثقفون العرب نادرون هذه الايام، وهم الذين باستطاعتهم تحريرها وفك عقدها وتطبيبها من الامراض. أمراضها اليوم قاتلة. ثقافتنا مكبلة بالتعصبات وبعصابات من الاشرار، ومقيدة بالسياسات والمؤدلجات والافكار المطلقة. إنها ثقافة مطلقات وليست ثقافة نسبيات، وعليه، فهي لا تستطيع أن تتعامل مع عصر المتغيرات. ثقافتنا جريحة في أدواتها، وأدواتها متنوعة من لغوية وفكرية ومنهجية وأخلاقية سلوكية. أستطيع أن أصوّرها انها لم تعرف الاستحمام منذ أزمان طوال، وهي تجلس بكل ملابسها الرثة في قفص حديدي مغلق!!

*وأين المثقف الحر من كل ذلك؟

المثقف الحر، لا يمكنه أن يمارس دوره الحقيقي بملئ إرادته، وإلا فان الهجمة عليه تكاد تجتثه من جذوره وترميه أسفل سافلين. ثقافتنا ببغاوية تردد ما يقوله هذا وتستلب ما يقوله ذاك. ولقد فجعت اليوم بالاليات الجديدة وبوسائل العصر التي أخذت تضرها بواسطة جيل جديد غير متمكن حتى من أدوات الكلام ووسائل الخطاب وقواعد النحو البسيطة. ثقافتنا في أزمة أخلاقية، إنها مليئة بالاكاذيب والدجل والمراوغة والهذيان وقد دمرتها التباينات من بلد لآخر ومن مكان لآخر، نعم، ذبحتها تباينات سياسية ومعيشية واجتماعية. ثقافتنا دمرتها السياسات المتضاربة والصراعات الايديولوجية والموجات الاصولية. لا يمكن للثقافة أن تعيش الا إذا كانت معّبرة عن الواقع تعبيراً حقيقياً، فاذا كان الواقع مزرياً وآثماًً ومنقسما ومتصارعاً ومتخلفاً ومنهزماً ومتداعياً إزاء تيارات ماضوية كئيبة وساذجة وبليدة، تيارات تستخدم الاعلاميات المتنوعة لغسل أدمغة ملايين الشباب. فكيف تريدين يا سلوى أن تكون الثقافة العربية؟ وهل هناك من بقية كي نجيب على أسئلة ندرك مسبقاً بأن حياتنا العربية باتت بلا ثقافة وغدت بلا إبداع وأصبحت مهترئة الى الدرجة القاتلة! وفي كل مرافقها الاكاديمية والابداعية والاجتماعية والمؤسساتية. لم نعد نجد السياسي مثقفاً ولا الاكاديمي ولا النقابي ولا طلبة الجامعات ولا الكتّاب أو الاعلاميين باناس مثقفّين. إنهم متخلفون وهم مجموعة أدعياء لا تستطيع أن تفتح معهم موضوعاً معمقاً وتتوغل فيه معهم. إنهم مثقفون بلا ثقافة. إنهم مثقفون بلا قراءة. الثقافة العربية لا يمكنها أن تنحصر في أزمة كتاب ومجلة، واناس لا يهمها من الكتاب الا منظره وشكله على الحيطان من دون قراءة صفحة واحدة منه!!! ولا يمكن أن نجد مثقفاً حقيقياً إن لم يكن قد تعب على تكوين عقله وفهمه ومداركه ووعيه واتساع أفق تفكيره إلا من خلال القراءة لانواع من المنشورات والكتب والمطبوعات وتخزينه كم هائل من المعلومات. وعرف كيفية التعامل مع الحياة باسلوب لبق وراق. وحتى عملية القراءة، فهي تتطور مع منتجات العصر، فاي منتجات عصرية ينتجها العرب؟ أي موضوعات مهمة ينشرها العرب؟ أي تفكير نسبي يؤمن به العرب؟ هل زرت أحد معارض الكتب التي تقام في عواصم عربية من حين لآخر؟ إبحثي عن الجديد فلا تجدينه إلا نادراً. واسألي عن المضامين الجديدة فلا تجدينها. إذ لم تلقي إلا إعادة طبع كتب تراثية ملونة إكل الدهر على مضامينها وشرب!.

*هل كانت الثقافة العربية حرة يوماً ما؟ الا ترى انها تعاني من الازدواجية أو التناقضات؟

ثمة موجة ظهرت علينا الان إن ثمة كاتبات يكتبن روايات سخيفة عن تجاربهن العاطفية ويظهرن بمظهر المثقفات المتحررات وكأن الثقافة العربية لا تتقدم إلا بمثل هذه الكتابات الداعرة! والمشكلة ليست منحصرة في البيئة العربية، إذ انها ضائعة حتى عند الجاليات المهاجرة، بل وانتقلت آفات الثقافة العربية في الداخل الى الخارج. إن الثقافة العربية لم تكن حرة أبداً في أي يوم من الايام. إنها مقيدة بقيود ثقيلة لا يمكن للبشر تصورها. بل وانها كانت ولم تزل مزدحمة بالتناقضات. تجدين شاعراً عربياً مشهوراً يلعن أبو الاستعمار ليل نهار وهو يعيش في قلب لندن ويستلم راتباً من ضمان اجتماعي! تجدين الازدواجية مفضوحة أمام كل العالم. تجدين حتى الفنانات المبتذلات أصبحن يتحجبن ويقدمن محاضرات في الجامعات ويطلق عليهن لقب "استاذات"! بل وإن هذا اللقب العلمي اطلق على راقصة مبتذلة كونها تحج كل عام برغم رقصاتها يومياً في الملاهي وفي رمضان تمد موائد الرحمن!! تجدين رجل الدين أصبح يطلق عليه بالمثقف وتجدين كتّاب الدرجة العاشرة أصبحوا من رعيل المثقفين. وأصبحت الاعلاميات اللواتي عرفن بكل سيرهن وموبقاتهن في محطات الاذاعة والتلفزيون مثقفات عاليات المستوى! وأصبح أشباه الساسة من القادة أو المثقفين! أصبح كل الدعاة من الكاذبين والافاقين والدجالين والمتكلسين والمهلوسين أصحاب مكانة ونفوذ في مجتمعات لا تعرف الا التصفيق ولا تعرف الا التطبيل ولا تعرف الا المجون المستتر. إن هؤلاء بفعل ادعاءاتهم انهم حملة شهادات دكتوراه وهم من الكاذبين. انه واقع مزري لا يمكننا أن نتخيله أبداً. انه نكوص الى الوراء لمئة وثمانين درجة. انني أعرف أشخاص لهم مكانة اليوم في المجتمع العربي ليست لهم شهادات دكتوراه ويلقبون أنفسهم بالدكاترة ؟ وأعرف ان جامعات عربية تمنح شهادات عليا لاناس جهلة لأسباب سياسية وإجتماعية وعلاقات قربى .. انه إنحطاط أخلاقي أيضاً!.

*ما هي المفاهيم الثقافية الجديدة التي يجب أن نتحلى بها كعرب؟

أعتقد إن الثقافة العربية لا يمكنها أن تكون حكراً على مؤسسات حكومية ولا على أجهزة رسمية. الثقافة هي اسلوب حياة متطور وفهم مشترك للمجتمع وعمل دائب من أجل تبديل الواقع مهما كانت الاثمان. الثقافة لا يمكنها أن ترتبط بأي مؤسسة رسمية ولا بأي سلطة دينية ولا بأي اجهزة أكاديمية وإعلامية. الثقافة هي أعلى درجات التعبير عن الطموح من أجل الارتقاء بالانسان والمجتمع وكل ما لهما نحو الاحسن. لكن المشكلة في ما هو الاحسن؟

*وما هو الاحسن؟

الاحسن هو ما يمكن أن يجعلنا نخاطب العصر ونشارك الاخر تطور الحياة وتطور العصر. الاحسن أن نتعايش مع كل العالم في ما ينتجه لصالح البشرية وكل ما يبدعه في الفكر الانساني وكل ما يخلقه لحقوق الانسان .. الخ. اننا إن اعترضنا تحت أي باب أو تحت أية ذرائع أو حجج أو كون هذا مباح وهذا غير مباح ، فاننا فقدنا السيطرة على كيفية مجاراة العصر. والادهى من كل هذا وذاك أن نتنعم من كل طيبات العصر ومن أدويته وعملياته وآلياته وتكنولوجياته وأقماره الصناعية وستالياتاته وعلومه واختراعاته وآخر مبتكراته الالكترونية وطياراته ودباباته وسياراته وأكلاته ومعلباته وأجهزته الدقيقة وثورة معلوماته. كون هذه كلها مباحة وعندما نسمع خطابه أو نقرأ كتبه ورواياته وفنونه وفلسفاته وأفكاره ونظرياته نعتبرها كلها غير مباحة! هذا هو أقصى درجات الديماغوجية وإنها لعمري ازدواجية وشوزوفرينيا في التفكير. إن أهم المفاهيم التي يمكن أن ترتكز عليها الثقافة العربية الحرية بكل أنواعها الشخصية والفكرية والسياسية والاجتماعية، التفكير الواعي بنفسه، والتفكير العلمي المستقل بذاته، احترام القانون والاخر، الانفتاح على كل العالم، سعة الافق والتكوين والمعلومات. الثقافة ليست مزجاً غبياً أو متغابياً بين التراث والمعاصرة كما أشاع القوميون في ثقافتهم المستلبة وهي ليست التراث بكل جموده كما يؤمن بذلك الاسلاميون في ثقافتهم الجامدة. إنها حركة متجددة مع كل الاليات والمبتكرات التي يقدمها لنا الانسان في أي زمان وفي أي مكان. الثقافة هي التحرر الفكري والانساني من كل الموبقات والتقاليد البالية. انها ليست موطنا للعجز والخنوع والطقوس والبلادة والتواتر وتكرار التعابير واستنساخ الافكار والتمثيل الغبي للحياة الحديثة. انها حالة متطورة من الاساليب التي تعرف أين نحن في قلب هذا العالم. لا يمكنني أبداً أن أتصوّر بأن ثمة جماعات تكفيرية أو مجتمعات أصولية تستخدم آخر ما وصله العصر من وسائل متقدمة لبث نصوص متوحشة، بل وتستخدم هذه الوسائل في قتل مجتمعاتنا وقبر أفكارنا. خصوصاً وإن وسائل الاعلام الحديثة تسيطر عليها جماعات لا علاقة لها بأي فهم من مفاهيم هذا العصر. بل إنها تمقت هذا العصر وتتهمه بشتى التهم، وعليه، فهي تعيش حالة تلفيق وازدواج شخصية وشيزوفرينيا تاريخية ومحنة وجودية وهي غير متوازنة لا مع نفسها ولا مع ماضيها ولا مع مستقبلها، إن حاضرنا غارق في بهيميته وهو لا يدرك معاني كل التقدم الذي وصل اليه الانسان من خلال عقله لا من خلال توحشه!

*كيف ترى مستقبل الثقافة العربية؟

إن ثقافتنا العربية ستمر بمخاض صعب جداً تلوح عليها جملة تغيرات هائلة لا يمكن تخيلها، نحن في بدايات عصر المكاشفات والاندهاشات. عصر فضحت تكنولوجياته ومعلوماته ثقافتنا، أو بالاحرى ثقافاتنا في المنطقة مع خصوصياتها ولم تزل تلك الثقافات بكل أساليبها وطقوسها وعاداتها مخفية ومستترة لا يمكن أن يدركها أبناء المنطقة إلا في عصر المفضاحات الذي سيتلو زمن المكاشفات. المشكلة إن هذه التغيرات لا يحس بوطأتها المجتمع كونه لا يبالي بمن كان سبباً في هذه الثورة المنظمة والهوجاء في آن واحد والتي دخلت كل الزوايا وكل البيوت وبدأت تخاطب كل العقول. المشكلة أيضاً أن التغيرات تحدث من دون أية عمليات نقدية أو بحثية أو تفسيرية للموجات الحديثة التي تجتاح ثقافتنا بكل استلاباتها. ومن الغريب أن التيارات السياسية والدينية لم تزل منقسمة على نفسها تجاه ثقافتنا العربية بين من يبكي على حالها وبين من يريد القضاء عليها. وبين من يعيش على تناقضاتها. الثقافة العربية اليوم بلا مبدعين حقيقيين، وإن وجد بعضهم، فهم نتاج تألقات القرن الماضي. وان حجم المبدعين المثقفين العرب هو قليل جداً مقارنة بالحجم الديمغرافي السكاني في المنطقة. إن الثقافة العربية ستمر بمراحل خطيرة ومفجعة في الجيلين القادمين، أي الجيل التالي على مدى ثلاثين سنة، ومن ثم الجيل الذي يليه لثلاثين سنة قادمة أخرى. وخصوصاً وان الواقع سيتبدل تبدلاً جذرياً عما كان عليه في القرن العشرين، ولكن ليس نحو الاحسن، إذ ان الجيل القادم سيحمل كل ترسبات اليوم وبقايا القرن العشرين. سوف لن يبدأ الوعي بفوات العصر الا بعد ثلاثين سنة قادمة. وربما لا يتشكّل وعي ثقافي جديد بهذه السهولة، فالادمغة متحجرة، والوعي بالحياة المدنية يكاد يكون مخفياً. العرب على طرفي نقيض فاما يكونوا مكبوتين ومضطهدين وتفنيهم السلطات الدكتاتورية والسياسية والاجتماعية معاً. وإما ينفلت ويفعل كل الموبقات بلا ضوابط ولا قيود ولا أي كوابح. تجدين نماذجهم على الانترنيت انهم كالسعار في توصيفاتهم وفي عربدتهم وفي كل سوء أخلاقهم وعواطفهم الهائجة وباقذع شتائمهم وسبابهم. انهم لا يمنحون أي فرصة لانفسهم وللاخرين كي يتبادلون الحرية في الرأي ولا يمنحون أي فرصة لتربية النشئ الجديد على التفكير الحر. ولا يسمحون بالثقافة والمعرفة التي تفضح كل الرزايا والخفايا والممنوعات التي كبل بها عقل الانسان وتفكيره دهراً طويلاً من الزمن!

وماذا عن مستقبل الثقافة العراقية، ما هي نوعية المثقفين العراقيين التي بحاجة العراق اليهم في هذه المرحلة؟   
بالنسبة للمثقفين العراقيين، فهم أنواع وبالرغم من حشود من يسمون أنفسهم بالمثقفين، إلا ان العراقيين من نخب المثقفين هم إمتداد لاجيال سبقتهم من نخب قوية في ثقافتها، ومبدعة في نصوصها. ولكن مشكلة المثقفين العراقيين انهم بمنقسمين ليس على أنفسهم حسب، بل إنهم مبعثرون وقد عانوا من التهجير والتشتت والضياع. ومن قبل ذلك عانوا من الاضطهاد والقهر والحروب ومن الفصل الفاضح بين المثقفين السلطويين وبين المثقفين الاحرار. وبدل أن يتجه العراقيون وخصوصاً المثقفين منهم الى الالتئام والانسجام، فلقد وقعوا اليوم تحت طائلة الاوضاع الدموية التي كرستها سياسات سريعة وقرارات مفجعة تبناها الاحتلال أو الاحزاب والتكتلات السياسية الدينية الحاكمة من دون أي فهم حقيقي للعراق وتكويناته الاجتماعية وثقافاته المتعددة ونخبه الفئوية المدنية التي تعيش في فراغ تاريخي، فما نجده اليوم من تشققات لاسباب طائفية ومحلية جهوية وأسباب سياسية وتحزبية وانقسامية، قد ضيعت كل الجهود في خلق أو إعادة الخلق لابداعات المثقفين العراقيين في الداخل وفي المهجر. ونسعى اليوم لتأسيس مؤتمر للمثقفين العراقيين (في المهجر) وقد أصدرنا بيانه مؤخراً برفقة بعض الزملاء، وسنسعى من خلاله الى طرح أكثر من مشروع حيوي من أجل تحقيق الاهداف العراقية النبيلة التي لابد أن يؤمن بها كل المثقفين العراقيين بعيداً عن أية انحيازات وتدخلات أو أي معضلات أو أي تمزقات بفعل الغلو والتطرف، وحل جميع ما يعترض حياة المثقفين العراقيين الذين طالت الازمة حياة العديد منهم، بل ولم يزل المثقفون العراقيون يعانون من الهجرة والتشتت حتى يومنا هذا.

*متى برأيك بدأت الثقافة العربية بالتدهور؟

الثقافة العربية مرت بمراحل عدة في تاريخنا الحديث على إمتداد مئتي سنة نجحت في تحقيبها على أساس نظرية المجايلة التاريخية، إذ مرت الثقافة العربية منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى بدايات هذا القرن بمراحل حددت عمر كل مرحلة بعمر جيل كامل ( وهو الوحدة التاريخية الصغرى (المايكرو) مقابل الوحدة التاريخية الكبرى (الماكرو) أي 30 سنة للجيل الواحد مقابل 300 سنة للعصر التاريخي، نحن نعيش اليوم العصر الخامس من ثقافة العرب منذ تبلورها التاريخي، أي مروراً بعصر التدوين وعصر الازدهار وعصر التقليد وعصر السكونية وأخيراً عصر النهضة ( كما أسمي منذ القرن التاسع عشر) أي نحن قد بدأنا المئة سنة الاخيرة من هذا العصر الخامس. وإذا كنا قد قلنا بأن لكل عصر 10 أجيال، فنحن اليوم على أبواب نهاية الجيل السابع والاربعين من حركة تداول العصور، ونحن في نهاية الجيل السابع من عصر ما اسمي بـ "عصر نهضة " ولكن السؤال: هل تقدّمنا نحن بعد سبعة أجيال أم تأخرنا عن الاجيال التي سبقتنا؟ ربما تقدمنا بالاليات واستوردنا مطابع وورق وأجهزة كومبيوتر وستايلاتات واستطعنا أن ننشر مؤخراً كل غسيلنا على الانترنيت، ولكن الثقافة العربية ومعها كل الثقافات في المنطقة متدهورة الى درجة لا يمكن تخيلها. لا تغرنكم وصول هذا من مصر وذاك من تركيا وقد حصلا على جائزة نوبل، فالثقافة لا يمكنني اختزالها في مبدع واحد أو نخبة تعيش في برج عاجي، الثقافة في أسمى مدارجها أن ترى كم حققت نظرية عربية من النظريات من النجاح والتطبيق في العالم وكم مشروع عمل عربي انطلق في حياة مجتمع بشري، وكم حققت رواية من الروايات العربية نسبتها من المبيعات العالمية، وكم نال مؤلف لأي عمل حقوقه دون أن يسطو عليه تجار الكتب من الحرامية! وكم حقق المجتمع من تجسير واضح بين السلطة والمثقف، وكم نجح المجتمع في بلورة مفاهيم عليا وأساليب حياة وتجديد مناهج وبرامج تربية وخلق جيل عالي التفكير، وكم نجح المثقفون في فرض دورهم في الثقافة الانسانية من خلال مشاركتهم الفعلية لا تقديم أداء بالعربي للجاليات! ان حالة تدهور مخيف تمر بها الثقافات عموماً في الشرق الاوسط. وان الاعلام يترجم ذلك ببلاهة وسذاجة إذ ان المثقفين الحقيقيين لا تجدهم على الواجهة، إنهم مهمشون وساكتون صامتون جراء توحش المجتمع بسلطاته التي يمارسها الوعاظ ورجال التابو الذين يسرحون ويمرحون وهم ـ مع احترامي لهم ـ عقبة كأداء في سبيل التقدم المدني والتفكير المدني، وهم يهمشون المثقفين الحقيقيين بسبب عجزهم عن مواجهة المثقف من دون أدوات حقيقية الا أداة التكفير.

*تقول في مقالك ان " صدام الثقافات كان قويا في عام2006 وان هذه الصدامات تمهد لمخاطر أكبر سيتعرض لها العالم؟ هل يمكن أن تقدم لنا بعض هذه المخاطر؟

نعم، إن صدام الثقافات كان قد بدأ مع سبتمبر 2001 بحيث طفح العداء وتصاعدت روح الكراهية بين عالم الشمال وعالم الجنوب. ولعل ما نشهده في كل سنة من السنوات الخمس الاخيرة يتزايد خطره سنة بعد أخرى، وكان الصدام واضحاً وقوياً في العام 2006 وهو الذي سيتضاعف جداً في السنوات القادمة خصوصاً وإن الغرب عموماً يستوعب كل الثقافات، بل وأجده متوازن مع كل الثقافات باستثناء الثقافة العربية الاسلامية! انه يضع علامات إستفهام كبيرة في نهايات أسئلة يفرضها ليس على العرب والمسلمين أنفسهم، بل ينشرها على كل العالم! ربما هناك صراعات ثقافية بين المجتمعات قاطبة، ولكنها صراعات مسالمة، ولكن صراع اليوم بين ثقافتين: ثقافة أوربية غربية وثقافة عربية إسلامية واضح من خلال الناس العامة، ومن خلال ارتفاع المد الطوائفي الذي يعّبر عنه أي مجتمع من مجتمعاتنا وبشكل كبير!

*هل تعتقد أن الصراع غير متكافئ؟

نعم، إن الصراع غير متكافئ، ولما كان غير متكافئ، فان من الضرورة بمكان أن تتوالد قناعة راسخة بأن مجتمعاتنا بحاجة ماسة الى ثقافات العالم المتقدمة، أقول ثقافات ولا أقول غزو ثقافي، إننا بحاجة الى السلوكيات في العمل والى اللياقة في النقد والى النظام في التعامل والى التنمية في التفكير والى الصبر والمثابرة في الانجاز والى الابداع في المهنة .. الخ. ولا يمكن لأي مجتمع ناهض أن يلغي تجارب كبرى في تاريخ العالم خلال القرنين السابقين. أعتقد إن نماذجاً من صدام الثقافات سيتبلور عنها عدة مخاطر في السنوات الثلاث التالية، منها مشكلات بسبب عدم تأقلم الجاليات مع المجتمعات الغربية، منها إرتفاع نقمة العالم كله على الاسلام ـ ويا للاسف الشديد ـ، وازدياد استياء العالم من المسلمين الذين يريد الغلاة منهم وجماعات من المتعصبين نقل وتحويل عاداتهم وتقاليدهم الى مجتمعات اخرى لا تتقّبل تلك العادات والتقاليد، ومنها عدم اندماج العرب والمسلمين وخصوصاً أصحاب الثقافة الاصولية بالمجتمعات الاخرى التي يعيشون فيها بسبب إغترابهم والتعامل بالضد مع الاخر وجهاً لوجه والاتجاه نحو الغلو بخصوصياتهم التي تصطدم حتماً بافكار وتقاليد المجتمعات الاخرى. قبل هذا الزمن بثلاثين سنة، لم تكن المجتمعات الغربية الاوربية والامريكية خصوصاً تنظر الى مجتمعاتنا وجالياتنا بمثل هذه النظرة الدونية، بل بالعكس فتحت تلك المجتمعات والدول أراضيها للمشردين في الارض، ومدت أياديها للمهاجرين واللاجئين والنازحين وطلبة ما وراء البحار لتعلمهم ولتضمهم وتساعدهم وتضمن لهم فرص الحياة والعيش الكريم وكل الحريات. ولكنها اكتشفت اليوم ان ثمة عوائق متجذرة بين ثقافات لا يمكن تحللها أبداً. ثمة مشكلات وتصادمات ستتلاقح وتمتد من مكان الى آخر ليس بسبب ما يمارسه الاخر من عادات وتقاليد حسب، بل لأن ثمة كراهية تنشأ وردود فعل ساخنة وإرهابية من قبل المتعصبين ضد المجتمعات الاخرى في العالم.
*من هي الشخصية الاعلامية التي تجذبك. ولماذا؟

انني أحترم منذ زمن طويل الاستاذ القدير "غسان تويني"، وهو أبرز شخصية إعلامية عربية ناضجة ومتزنة وليبرالية ولها مصداقيتها وخدماتها وجهودها في القرن العشرين، وقد كتبت عن الاستاذ غسان في كتابي "نسوة ورجال: ذكريات شاهد الرؤية". أن أبا جبران له كاريزما إعلامية وشخصية جذابة ليس من خلال كتاباته فقط، وليس من خلال جريدته العريقة (النهار) بل من خلال مواقفه الفكرية قبل السياسية، لم ينصّبه أحد من القادة والزعماء رئيس تحرير أو رئيس مجلس إدارة، بل ورث مهنيته العالية عن الاعلامي الراحل والده جبران، ونجح في توريثه لها لابنه الاعلامي الراحل ولده جبران الثاني. وهو رجل مفكر وكاتب قبل أن يكون سياسياً، ولقد برع في مفاهيمه الدبلوماسية وفي انتصاراته التي سجلتها جريدة النهار على امتداد أكثر من نصف قرن. والرجل ليس على غرار غيره من كبار الصحفيين العرب، إذ لم يعرف الفبركة وترديد الاكاذيب واختلاق القصص أبداً، ولم يكن ذيلاً لأحد. بل ويعتبر من أبرز المحللين للاخبار ومن أهم المتابعين للمظاهر السياسية وتداعيات الوقائع وتقويم المسؤولين العرب في التاريخ المعاصر.

*ما هي خصائص الشخصية الاعلامية التي نحن بحاجة اليها؟

ثمة خصائص أساسية لابد أن يتميز بها أياً من الاعلاميين الذين يمكنهم أن يمتلكوا شخصيتهم المؤثرة والتي لها مصداقيتها وأمانتها وحياديتها وكشفها للحقائق وسعيها من أجل المعلومات ولها اسلوبها الجذاب وقدرتها على الاقناع وتوغلها في فضاءات مختلفة واستقلاليتها السياسية. أي الانطلاق بروح ليبرالية لا تتخذ أي جانب ضد الجانب الاخر، أن تكون بارعة في عرض الموضوع المقروء والمسموع والمرئي مراعية الجوانب السياسية والاجتماعية. ان الاعلام العربي المعاصر يفتقد الى مثل هذه الشخصيات التي تفرض احترامها على الجماهير، ان الاعلام العربي قد انتقل من حالات اعلاميات سلطوية ساذجة لا تعرف غير الزعيق والكتابات الفارغة والهزيلة الى اعلاميات مخصخصة بليدة لا تعرف غير الضراوة والتمويل غير المشروع والادلجة القومية والسياسية والدينية والطائفية، اي باختصار: اعلاميات مأجورة وغير موثوقة ولا تعرف إلا الاوهام والكتابات الجاهزة والخطابات الفارغة. ثمة ما يبشر بخير لدى جيل جديد في خضم التغيرات البطيئة التي تمر بها مجتمعات المنطقة عموماً .

*مؤخرا أصبح لدينا فضائيات عربية عديدة. كيف تقيم إعلامنا العربي من خلال هذه الفضائيات؟

لقد ازداد عدد الفضائيات الناطقة بالعربية وسيزداد مع توالي الأيام القادمة وزادت معه كل التداعيات والأخطاء، وغداً بعضها ناطقاً باسم أشخاص وأحزاب وطوائف ومذاهب وبأساليب متدنية جدا بكلّ ما تقدّمه للناس من إسفاف حقيقي وخزعبلات ومهاترات. لقد غابت الرقابة على الممنوعات من قبل سيطرة الدولة لتصبح الأمور مخصخصة ومنفلتة إلى الدرجة التي لم يعد فيها المشاهدين بقادرين على رتق الفجوات وتضييق المرئيات. لقد كان لبعض الفضائيات شهرتها من أدوار التشهير والإثارة والسخرية من خلال مذيعيها ومراسليها و(خبرائها الاستراتيجيين) الذين ليس لديهم عمل سوى خلق وإثارة المتاعب والاستفزازات واللعب على العواطف والأعصاب! وهناك سوء تصرف فاضح لإعلاميين وضيوف وأناس عاديين بوسائل الاتصال المتنوعة وخصوصاً بتدخلاتهم وإطلاق آرائهم الشخصية مع سيل من التهم الجاهزة والشعارات السياسية والتهريجات المتفق عليها بعيداً عن روح الشفافية والموضوعية حتى طغت السلبيات على الواقع نتيجة إذكاء كل النفوس في الضد؟ 

إن الإعلام العربي اليوم ليست له أي مصداقية حقيقية، إذ لا يمكنني اعتباره محايداً أبداً، فالفضائيات التي غدت أهم ميادينه لا تكتفي بأدوار الإثارة المصطنعة والضجيج وفبركة الموضوعات واللهو والمسلسلات التافهة والأفلام السخيفة أو الاستعراضات البدائية أو المكررات الساذجة، بل أن بعضها يساهم في نشر الشعوذة في برامج إستهلاكية رثة ترتزق منها المحطات عبر الاتصالات والأسئلة والأجوبة. أما من الناحية السياسية، فان للواقع صورتين أولاها يعكسها الإعلام الواقعي كما هي بلا تغيير، وثانيها تقوم على التشويه بعيداً عن أي موضوعية وحيادية ومصداقية لأنه لا يصور ما هو كائن وموجود فعلاً. أن لكل فضائية عربية سياسة معينة ومزاجية خاصة ومرجعية لها لا تتجاوز خطوطها الحمراء واضويتها الخضراء، وهذا لا يمكن أن يمرّره الوعي العربي اليوم الذي يطمح أن يرى الحقيقة مهما كانت مريرة، وإذا كانت الفضائيات تعكس ما ترغب به المجتمعات لا الدول، فإنها تساهم في تأخر الوعي وتعمل على جر تفكيرنا إلى الوراء قسراً وأنها تزرع كل الخطايا في طبيعة الإدراك الجمعي الذي بات يستهوي ما يرضي عواطفه وما يشبع رغباته وما يلائم أمزجته وما يريح أعصابه.

 *كيف يمكن تقويم أداء برامج الفضائيات العربية لتناسب أجيال الشباب أو لتساعدهم على الوعي الفكري؟
إن دور الفضائيات يغيب تماماً في تربية الأجيال وتصويب الأخطاء ونقد المواقف ونشر الرأي العام ومتابعة الأحداث وتحليل الظواهر، بل وتغيب أيضاً بشكل مقصود مساهمات العلماء والمفكرين والتعرف على الثقافات والعالم. إننا لم نجد أي إعلام واقعي في صناعة المستقبل! وعليه، لابد من إصلاحات جذرية معمقة يقوم بها مختصون أذكياء! كما أن جيلنا الحالي لا يعرف من فضائيات اليوم إلا الانغلاق ومكررات النصوص وتشويه العقول والسذاجة الفكرية. إنه بحاجة إلى ثورة فكرية وإعلامية وأخلاقية في تطوير أساليب الحذاقة والمهنية العالية والعقلية المنفتحة، وان تلغى كل هذه البرامج السخيفة التي دخلت كل البيوت والغرف. إن أجيالنا القادمة ستطالبنا حتماً بضرورات المستقبل، ولكن فضائياتنا تأكل الزمن، وتضعف الحياة، وتشغل التفكير، وتميت الأعصاب وتشوه الأذواق. إنني أعيد منادياً ومطالباً بالاتفاق على لائحة عربية تطالب الجميع بالاحتراف وبعدم جعل الحرية وسيلة تبرر نشر الفساد الفكري والاجتماعي والأخلاقي وإشاعة الدجل والخرافة والشعوذة وزرع الانقسامات الطائفية والمذهبية وإثارة المواقف وإشعال المشاعر المضادة للحقائق العقلانية والواقعية.     ان هذه الثورة الإعلامية إما أن تغدو وسيلة نهضوية حضارية من أجل بناء المستقبل، أو أنها ستبقي حياتنا كسيحة واستهلاكية وضائعة، وتلك هي مشكلة معقّدة لا يمكن حلّها أبداً. وعليه، نطالب بأن يندرج الإعلام المرئي خصوصاً في دائرة إهتمام الدول والمجتمعات والمدارس والجامعات وحتى النخب من أجل تقويم أدائه وتطوير برامجه ومنوعاته والاستفادة من مبتكرات ما تقدّمه بقية المجتمعات لأبنائها. فهل ستتحقق أمانينا؟ إنني أشك في ذلك!

*برأيك لماذا ينجح المبدعون العرب في الخارج بينما لا يتحقق لهم ذلك في أوطانهم؟

لا يستطيع كل المبدعين العرب النجاح خارج أوطانهم، فثمة ظروف صعبة قد تحيط بهم، ولكن بشكل عام، فان من يجد فرصته ليس في خارج وطنه، بل في الغرب خصوصاً فهو محظوظ كي يبدع في مجال تخصصه أو في مجالات أخرى. ولكن يعطي موهبته وجهوده لمجتمعات أخرى ترعى مواهبه وتثمّن دوره. ان الجواب في تمام الوضوح المبدعون العرب في أوطانهم وأممهم مسحوقون، ولكن يتدرج الانسان في الغرب منذ سنوات مدرسته الابتدائية ليعرف أين يكون في المستقبل، ويختار بنفسه تخصصه، وعليه تجدين أن كل انسان مبدع في حقل نشاطه وتخصصه، أما في مجتمعاتنا فالبشر لا قيمة لهم ويا للاسف الشديد!! أعترف بأن عدداً غير قليل من المبدعين والمثقفين العرب والاتراك والايرانيين قد نجحوا في مشروعات عدة في مجتمعات غربية، بل وأصبح بعضاً منهم رموزاً لثقافات عالمية، وبالرغم من كل ذلك فان غبنا كبيراً يلحق بهم في أوطانهم، بل ولا يعترف بأعمالهم ولا تثمن مجهوداتهم ولا تحترم اغتراباتهم! واعتقد أن كل ما يمضي الزمن نحو الامام ستزداد شقة الخلاف بين أهل الداخل وأهل الخارج نتيجة تباين المفاهيم واختلاف الرؤى وتعاكس الاتجاهات، وهنا ينبغي القول باحترام إرادة كل من في المهجر، وعلى ابن المهجر أن يتحسس عمق المأساة التي يعاني منها ابن الداخل!

*عاش العرب في فترة الخمسينيات والستينيات بفكر معين وشعارات وطنية محددة. كيف ترى شعارات وفكر الاجيال الجديدة في الفن والادب والسياسة؟

خذيها قاعدة، اننا لا نجد اليوم فناً حقيقياً ولا أدباً حقيقياً ولا سياسة حكيمة ولا إبداعاً يفرض نفسه ليس علينا نحن، بل يأخذ مكانته في العالم. لم أعد ألقى مجلة حقيقية في الادب العربي كالرسالة أو الاداب أو الاديب أو شعر أو فراديس، لم يزل بعضها حياً يرزق، لكن لا تأثير لمضامين ما ينشر اليوم، وأنا أتكلم عن الاتجاهات العامة التي تحدد سيرورة جيل كامل. في مرحلة الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات كان الفكر القومي مسيطراً، بعد أن كان الفكر الليبرالي مسيطراً على مجتمعاتنا في مرحلة ما بين الحربين العظميين، ومنذ العام 1979 وحتى اليوم، أي على امتداد جيل كامل في الثمانينيات والتسعينيات والعقد الاول من القرن الجديد تغيرت الاتجاهات العامة للتفكير والشعارات السياسية للمرحلة، ومات الفكر القومي، بل واستهجن من قبل قطاعات سكانية واجتماعية عربية لتصبح الشعارات الدينية البعيدة عن المضامين الاسلامية الحقيقية وخصوصاً عندما استخدمت الثورة في إيران تعبير" تصدير الثورة"  وشعارات الصحوة هي البديلة التي أكلت الاخضر واليابس، فأصبحت السياسة والاعلام والثقافة وكل المجتمع تهيمن عليه سلطات الوعاظ  وهم يوزعون أحكامهم وأوامرهم ونواهيهم، أصبح المجتمع في قبضة رجال تابو يمتلكون سلطة إجتماعية ضاربة وهم لا يعرفون من تعقديات الحياة المدنية شيئاً، بل إنهم (التابو المقدّس) في نظر العوام من الناس، ولما كان العوام جهلاء وامييّن، فلقد أصبح المجتمع كله في قبضة ( التابو المقدّس)  في كل مكان، في أروقة السياسة وفي الصحف وفي الاعلام الاذاعي وفي الاعلام المرئي، بل وحتى في الشارع، بل والاخطر أن ما تسمينه "شعارات" قد انقلب الى "مضامين" لا تتفق وسياقات هذا العصر، بل ولم تكتف مجتمعاتنا بما تفعله في دواخلها، ولكنها بدأت تنقله الى العالم لتعطي صورة مؤذية وكالحة عن ثقافتنا وحياتنا الى العالم كله! إن الاديان ينبغي أن تكون ذات سمو وتجلة وعلو، ولا يمكن أبداً أن تصبح مبتذلة كما يريد بعض الغلاة ذلك، والاسلام سماحة واعتراف بالاخر وسعي ونشاط وحث على العمل وأمانة وأخلاقيات عالية واحترام للانسان والانسان عنده يعادل كل البشرية .. الخ، لا كما يريده المتعصبون أداة تكفير وإرهاب وقطع رقاب ولا كما يجعله الاخرون أداة إنتقام وضرب ولطم وتطبير!!

*كيف تصف الشخصية العربية حالياً؟

الشخصية العربية  هي في الحقيقة، المثال الساطع والنموذج الرائع للشخصية المنتجة الفاعلة السمحة الكريمة الودودة والبسيطة والقنوعة في كل مجتمعاتنا بالمنطقة، وفضلاً عن ذلك هي شخصية رائعة ان كانت منفتحة ومتحضرة وحقيقية وواضحة ومبتسمة ومرنة، ولها سلوكياتها الراقية في التعامل وتحمل قيما أصيلة من السماحة واللياقة والاعتدال والمثابرة والصدقية. ولكنها ستغدو شخصية ثقيلة الظل ان كانت ( وقد غدت ويا للاسف الشديد ) في تضاعيف كل هذا الزمن الصعب: محتجبة وغامضة وغير منفتحة وحاقدة وكارهة ومزاجية ولا تعلن عن إرادتها الحقيقية، أو إنها شخصية مليئة بالتناقضات، وتناقضاتها غير متصارعة لكي ينتصر نقيض النقيض فيها، بل هي متفاعلة ومركبة بفعل عدم تنمية أي تفكير لدى تلك الشخصية بفعل الجهل المطبق وانعدام الوعي بتوافه الامور في أكثر الاحيان، شخصية معّقدة ومقلدة وتافهة منتجة للمزيد من التراكيب المعقدة بفعل تفاعل تلك التناقضات. شخصية تعيش في الماضي روحاً وفكراً ورؤى ولكن جسدها يمشي هنا وهناك، انها غير إنسانية  وتعاصر الاشياء دون أن تراها، إنها شخصية معمية البصر والبصيرة معاً، إنها شخصية إنسان مشبع بالاوهام والتفاهات والاشياء التي لا تعقل أبداً، انه يجلس في طائرة حديثة أو يستخدم الموبايل والستالايتات أو يعالج باجهزة الاسكاننك المتطورة وغيرها من آخر ما أنجزه العصر، ولكنه لا يفكر أبداً في التشيؤات أبداً! ان الشخصية التي نجدها عربياً وايرانياً وتركيا وافريقياً وأفغانيا وباكستانياً وغيرها هي شخصية لا تعرف تنمية التفكير أبداً هي من نسق واحد وتفكير واحد، لقد سحقتها قوة المعاني الرمزية ولم تفكر في طبيعة الاشياء، انها واقعة تحت وطأة الزمن ولا تقبل التحرر منه مهما كّلف ذلك من أمرها! انها سريعة العواطف والغضب والانفعالات والكراهية للاخرين وتهميش الاخرين وتسفيه الاخرين وتكفير الاخرين، انها لا تراعي حقوق الانسان، إنها لا تعرف الرحمة، انها لا تعرف معنى الاختلاف ولا الديمقراطية انها لا تعرف الا التكفير والقتل، انها شخصية ظالمة تسحق كل من يخالفها الرأي، بل إذا راقبنا منذ الثمانينيات وحتى اليوم كم اقصي من علماء وكم اضطهد من مفكرين وكم لوحق من أدباء وكم كفّر من روائيين،  والحبل على الجرار، انها تستخدم كل أدوات القهر وبسببها فان الاعلام في أزمة والسياسة في مأزق والثقافة في عطلة تاريخية جماعية، بل انها هيكلية مموّهة تستفيد من كتابات وأصوات اناس سموا أنفسهم بمثقفين وكّتاب كبار وهم ماضون الى حيث نهايات مجتمعات كاملة لا تجاري هذا العصر وستتخلف عنه وسيأتي زمن لا تستطيع أن تفهمه. انها مأساة لا يمكن تخيلها وستبقى تسحق مجتمعاتنا وتجلب له الخراب والعدوان والحروب الهمجية والاحتلالات الاجنبية!!

*في ظل عصر العولمة وثورة المعلومات. لو قدر لك أن تحذف شئ من مكوناتها، ما هو؟ ولو قدر لك أن تضيف، ماذا تضيف؟

لو قدر لي أن أحذف وأضيف، فسوف أحذف تماماً على النظام العالمي الجديد، وعلى الكارتلات الاقتصادية المخيفة وساكون ضد تسريح ملايين العمال في العالم من وظائفهم بفعل سطوة شركات متعددة الجنسية، وساحذف كل أشكال الهيمنة الاقتصادية وعلى آثار الكابيتالية الجديدة التي لا تعرف الا سلخ الموارد، وساشطب على كل التشويه الذي أصاب بعض المجتمعات التي أخذت تتاجر بكل المحرمات، أما ثورة المعلومات فلا يمكنني أن أشطب على شيئ فيها الا على ما أتاحته تكنولوجيا المعلومات من وفرة معلومات خاطئة لا يمكن الاعتماد عليها، فضلاً عن دخول كل من هب ودب ليدلي باقواله التي لا سند علمي لها، وستخلق هذه الحالة مشكلات صعبة للعالم على مدى ثلاثين سنة قادمة! أما ما يمكن إضافته الى العولمة خصوصاً .. تحقيق نسب عالية من الاندماجات في الثقافة ولكن ليس على حساب الخصوصيات، إضافة الى أن تلعب العولمة دوراً حقيقياً في مساعدة المناطق المتضررة جوعاً وفقراً وحرائقاً وفيضانات وزلازل وأمراضاً، إن العولمة لا يمكن أن تبقى متوحشة لا تعرف الا منطق الربح، بل عليها أن تمثّل ضميراً إنسانياً مستخدمة كل الوسائل النظيفة في التاريخ وأن تعمل من أجل المستقبل لكل البشرية وأن تمحي من قاموسها ما أسمته بعالمي الشمال والجنوب!

*لا شك بان هناك انحدار في مستوى الثقافة العربية في معظم المجالات. إلا أن المجال الفني أصبح واضحاً ولافتاً جداً. بغياب الكلمة واللحن والاداء. هل بالفعل الجمهور عايزة كدة؟

كلا أبداً، في كل مرحلة زمنية الجمهور متنوع في رغباته وأهوائه، ولا يمكن أن يتنازل المبدعون والفنانون الحقيقيون من الاعلى نحو الادنى لهكذا أسباب تافهة، بل عليهم ما استطاعوا أن ينجحوا في أن يرفعوا المستوى نحوهم، كما هو حالي كأستاذ في الجامعة، إذ لا يمكنني أن أنزل الى مستوى طلبتي حتى لو كانوا طلبة دكتوراه، بل عليّ ما استطعت أن أرفعهم الى المستوى الذي أنا فيه .. الفنان الحقيقي لا ينزل ولا يمكنه أن يتنازل .. أما السؤال الحقيقي: أين هو الفنان الحقيقي؟ انه حال أي مبدع عربي حقيقيّ! انه مغيّب تماماً عن المرحلة وقد خفت دوره، انني اعترف بأن حياتنا العربية اليوم فيها أصوات رائعة وإمكانات فنية راقية ولكنها أيضاً حالها حال أي قطاع ثقافي آخر، إنها مكبّلة بالقيود وبالاصفاد. إن الفن الحقيقي مغّيب بل وانه قد ضعف جداً عن أداء دوره بسبب مرور ثلاثين سنة عليه وهو يمّثل عطاء تكوين هش في الماضي، ولابد أن يعلم الجميع بأننا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات قد قطفنا ثمار تكوين الثلاثين سنة التي سبقت الخمسينيات وكانت مرحلة بكر ورائعة ونهضوية حرة ونجح العرب في تكوين جيل من أروع العمالقة في مصر ولبنان والعراق وسوريا وتونس والمغرب والجزائر، أما في الثلاثين سنة الاخيرة، فهي تمثل ثمار تكوين المرحلة الانقلابية والايدولوجيات السياسية، أما الثلاثين سنة القادمة فستمثل في عطائها جيل جرى تكوينه منذ الثمانينيات حتى اليوم، فتخيلوا عمق المأساة خصوصاً وان هذه المرحلة قد شهدت اسوأ الاحداث والكوارث والحروب وكل تناقضات الغنى والفقر وبؤس الثقافة وهزال التربية والتعليم. ان مجتمعاتنا بعيدة كل البعد عن الفنون الراقية وعن الثقافة الراقية. فقط تخيلوا كم كانت الاجيال السابقة تقرأ ما يصدر من الترجمات للاداب الاجنبية، ومقارنة مع ما يصدر من ترجمات للاداب العالمية اليوم؟؟
 *هل تعتقد بانه من الافضل لو كان هناك إتحاد أو هيئة عربية على غرار جامة الدول العربية معنية بالثقافة العربية لتوحيد الجهود ولتفعيل الثقافة العربية؟

موجود هي منظمة الاليسكو في تونس والتابعة لجامعة الدول العربية! وموجود معهد الدراسات والبحوث! وموجودة منظمات واتحادات عربية، ولكن لا نفع فيها كلها، فالثقافة العربية لا يمكننا أن نتعامل معها معلبة مثل السردين. الثقافة العربية هي قدرة أصحابها على أن يقدموا إبداعاتهم على أعلى درجة من المنافسة والتقدم والنشاط ليس في ما بينهم حسب، بل بينهم وبين ثقافات أخرى في العالم. لا يمكن ان نخلق في يوم وليلة ثقافة فاعلة، لا يمكن أن ننام ونصحو على حياة عربية مليئة بالمثقفين المبدعين، علينا أن نحصد تاريخياً أوضار ما خلفته لنا العهود السابقة بكل توحشها وقسوتها! الثقافة ـ كما أتخيلها ـ دوماً هي احتراف وهي قدرة أي إنسان في المجتمع أن يبدع في مهنته على درجة عالية من الكفاءة، الثقافة العربية بحاجة الى ثلاثين سنة على الاقل أن نجحنا فعلاً في تطوير مناهجنا وتنمية تفكيرنا وتجديد أساليبنا ونقد أوضاعنا. الثقافة العربية بحاجة الى مجتمعات آمنة ومستقرة ربما تعيش فيها صراعات فكرية لا سياسية وربما تحيا على منازلات أدبية واستكشافات علمية. الثقافة العربية لابد أن تجد تجمعات وملتقيات ومنتديات تشيع روح الحرية والعقلية المدنية ضمن ضوابط دنيوية. الثقافة أن تجد إعلاماً نظيفاً ومثقفين حقيقيين، فالمثقف الحقيقي ينأى دوماً عن الاشباه والذيول والاذناب. الثقافة العربية لا تحتاج الى قوالب رسمية وهيئات وتجمعات كي تكون مبدعة، فالمبدعون يمثلون أنفسهم وحدهم، المبدع هو عالم خاص بذاته لا يجد نفسه لدى الاخر، بل يجد نفسه في ذاته ليطرح مشروعه أو قصيدته أو نصه أو لوحته أو مقطوعته على الاخر. انني أعتقد ان الثقافة العربية ستغدو هزيلة جداً على إمتداد الجيل القادم، أي حتى نهاية الثلاثينيات من هذا القرن. وسيرى العالم كم هي قدرة الجيل القادم على صنع مستقبل جديد للثقافة العربية في قابل، ولكن ضمن متغيرات العصر؟ وهل سيتخلص الجيل القادم من كل ماضويات التفكير وبلاهة الوعي وعقم الحياة ؟؟

*هل استطعنا أن نوصل للاخر ثقافتنا الحقيقية؟

ماذا تقصدين بثقافتنا الحقيقية؟ أي ثقافة حقيقية نحن نمتلكها اليوم؟ عندما يفرض كاتب ياباني أو موسيقار صيني أو أديب من أمريكا اللاتينية نفسه على العالم يكون كل واحد منهم قد أوصل ثقافته للاخر. أما إن بحث أحد شعرائنا عن مترجم ليترجم له بعض قصائده لينشرها بالانكليزية أو قام مطرب وغنى في قاعة البرت هول بقلب لندن للجاليات العربية أو عرض الاوسكار فيلماً عربياً على عشرة أشخاص من المتواجدين العرب أو كتب أحدهم مقالة هزيلة ونشرها بالفرنسية..فليس معنى هذا إننا فرضنا ثقافتنا على العالم، اننا نضحك على أنفسنا في كثير من الاحيان عندما نتخيل أن مغنية قامت بالغناء والرقص في كندا أو أن أستاذاً دعى لحضور ندوة في أمريكا لدعوة تلقاها من أستاذه بناء على رغبة منه، ونتوهم إن أصبحت ثقافتنا عالمية؟؟ والمشكلة أن كل مغترب عربي يقدم إبداعه في علوم الفضاء والطب والفيزياء والتاريخ وغير ذلك في ما يقدم في الغرب مثلاً لا يقدمه باسم الثقافة العربية ولا باسم وطنه الام، بل يقدمه باسم جنسيته الجديدة! فلا يغرنكم كل ذلك، إننا لسنا باصحاب ثقافة حقيقية حتى يتلقفها العالم؟

*كيف تقيم عام 2006 ثقافياً؟

صفر على الشمال ..ربما اطلعت على بعض ما صدر وما نشر وما انتج من أعمال وأفلام وإبداعات، ولكنها لا تتناسب أبداً مع حجم ديمغرافي يتجاوز الثلاثمئة مليون نسمة! ولمن هذه كلها؟؟ إنها لنسبة بسيطة جداً جداً من مجتمع يسمونه مجتمع عربي نسبة الامية فيه أكثر من 70 بالمئة!! دعيني أقول آخر كلمة وأوجه خطابي الى كل أبناء مجتمعاتنا بأن يفكّروا في المستقبل وأن نزرع الامل ونجدد الحياة كل يوم وأن ننتقد الاخطاء وأن نحرر التفكير من كل القيود وأن نجد في الجيل الجديد مادة أساسية في التغيير والخلق والابداع متمنياً أن تشهد مجتمعاتنا تطوراً نحو الاحسن وأن نشارك العالم كل مشروعاته وتجديداته من أجل حياة أفضل .. ونزرع الكلمة الطيبة في كل مكان وأن نتقبل كل الاراء والافكار بروحية عالية وصدر رحب .. فهل ستغدو لنا ثقافتنا الحقيقية في يوم من الايام ؟ هذا ما أتأمل حدوثه بعد كم آت من السنين.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com