لقاءات

الكاتب والمترجم الكردي العراقي صلاح برواري: ترجمة الشعر تمنحني صفاءً ذهنياً وروحياً

 

الدوحة - رشيد يلوح

يكاد القارئ العربي لا يعرف شيئاً عن المثقفين والأدباء الأكراد وإسهاماتهم، هل يمكنك أن تعرفنا بنفسك.
صلاح عمر فتاح برواري. ولد عام 1957 في ناحية (جلولاء)، التابعة لقضاء (خانقين) محافظة (كركوك) قبل عملية التعريب «البعثية» لبعض المناطق الكردية. وبعد التعريب أصبحت (جلولاء) تابعة لمحافظة (ديالى/بعقوبة). في عام 1979، وبعد إتمام دراسته الثانوية/ الفرع الأدبي، في مدينة الموصل/ نينوى، حيث كان يسكن، التحق بالثورة الكردية المسلحة في كردستان العراق، بعد عدم تمكنه من دخول جامعة الموصل، بسبب اشتراط انضمامه إلى (حزب البعث) العراقي.
في عام 1980 صار مذيعاً ومسؤولا للقسم العربي في إذاعة الثورة الكردية في الجبال (صوت كردستان العراق)، التي كان يديرها الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة السيد مسعود بارازاني). في عام 1984 جاء إلى العاصمة السورية (دمشق)، للعمل في صحيفة (الشعب) الكردية، لسان حال (حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني- بزعامة السيد سامي عبدالرحمن،)، والتي كانت تصدر هنا باللغة العربية بشكل غير رسمي (بغضّ نظر من السلطات السورية، التي كانت تقف إلى جانب قوى المعارضة العراقية). وتسلم مسؤولية رئيس تحريرها التنفيذي طوال سبع سنوات. ومن ثم أصبح عضواً قيادياً في الحزب، ومسؤولا للقسم العربي من إعلامه المركزي. وفي أواخر عام 1991 ترك العمل السياسي، وتفرغ لأكثر من عام للكتابة والتأليف.
في أوائل عام 1993 انضم إلى (الاتحاد الوطني الكردستاني- بزعامة السيد جلال طالباني، الرئيس العراقي الحالي). وتولى مسؤولية إعلام مكتب دمشق للحزب، ولا يزال.
وفيما يلي الحوار التالي:
 ما هي مجالات انشغالاتك الثقافية والأدبية، وأهم إسهاماتك فيها؟
- كثيرة هي ومتنوعة، وفي شتى مناحي الثقافة الكردية، من أدبٍ وأدبٍ شعبي (فولكلور) ولغة وتاريخ وسياسة. ولدي أكثر من خمسين مؤلفاً في هذه المجالات (باللغتين الكردية والعربية)، أحاول إعدادها للطبع تباعاً، ومن ضمنها عدة قواميس لغة وقواميس أعلام (في مجال اللغة والثقافة الكرديتين). وفي مجال اللغة العربية لديّ (5) قواميس لغوية، أعمل فيها منذ نحو ربع قرن، وآمل أن أتمكن من طبعها قريباً، وهي: (قاموس الدخيل والمُعرَّب في لغة العرب) و(قاموس الأخطاء الشائعة في اللغة العربية) و(قاموس الأخطاء اللغوية في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية- قاموس جيب) و(القاموس المُعين للأدباء والمثقفين- وهو يعتمد المصدر اللفظي للكلمة، على خلاف جل القواميس العربية التي تعتمد المصدر الاشتقاقي للكلمة) و(قاموس عربي- كردي).
نُشرَت لي أول مادة، حين كنت في الصف العاشر، أي الأول الثانوي. وفي السنتين اللاحقتين، نشرتُ بعض المواضيع والمقالات الأدبية في صحيفة (العراق) البغدادية، وباسم مستعار هو (دلدار برواري). وأول كتاب ألفته كان باللغة العربية، بعنوان «الكرد في كتابات المستشرقين»، وكنت حينها في الصف السادس الثانوي/الأدبي. وهو لا يزال مخطوطاً، ينتظر الطبع مع العديد من الكتب الأخرى.
أول كتابٍ صدر لي، كان باللغة العربية «انتفاضة آكري- مذكرات الجنرال إحسان نوري باشا»، دمشق- 1990. ترجَمة من الكردية إلى العربية، وبطباعة غير رسمية.
 ما هو حجم وطبيعة حضور الإرث العربي الثقافي، داخل الثقافة الكردية المعاصرة؟
- من الطبيعي أن يكون هناك فعل وتفاعل بين الثقافتين الكردية والعربية، بسبب الأواصر الدينية والتاريخية المشتركة بين الشعبين، لأكثر من ألف عام. وهي مدة كافية لحدوث تمازج روحي ونفسي بين الشعبين.
الثقافة الكردية المعاصرة (في كردستان العراق تحديداً)، وفي مختلف مناحيها ومشاربها، متأثرة بالإرث الثقافي العربي، بهذه الدرجة أو تلك، ولاسيما الأدب والشعر. وللقضايا العربية حضور ملحوظ وملموس في الشعر والأدب الكرديين، لأكثر من نصف قرن.
 في نظرك ما هي أسباب الانفصال الحاصل بين الثقافتين العربية والكردية؟
- ربما هناك نوع من الانفصال المؤسف بين الثقافتين العربية والكردية، لكنه لم يصل بعد -ولا أعتقد أنه سيصل- إلى مرحلة «الطلاق»!، بسبب قوة الروابط الروحية بين الشعبين. السبب هو «عربي» في أحد وجهيهِ، وله في بعض الدول العربية «نكهة» سياسية بغيضة! والوجه الآخر هو «كردي»، يتجسد في قلة العمل الثقافي الكردي المتميز، والمترجَم إلى لغة الضاد برشاقة وقوة وعنفوان. فالترجمة -حسب رأيي- هي خلق جديد آخر للنص المترجَم، ويجب أن تضفي عليه ألقاً ورونقاً، وتجعله مقبولاً من الطرف الآخر المعني بقراءته، وإلا فإن أضرار الترجمة السيئة، هي أكبر من فوائدها. المسألة لها علاقة بالقدرة الإبداعية لدى المترجم، وليس بحُسن النوايا، إذ عليه أن يتملك ناصية اللغتين معاً، المترجَم عنها وإليها.
وكلي أمل أن تصبح صحيفة «العرب» جسراً رئيساً للتواصل بين الثقافتين الكردية والعربية. فقد يساعد ذلك في إزالة أو تخفيف عقدة «البارانويا» الثقافية - أي شدة الشعور بالاضطهاد الثقافي ـ إن صح القول ـ والتي تلازمنا حيال الجانب العربي الأخ والصديق، الذي يبدو غير مبال بثقافة إخوانه، أحفاد سلطان الإٍسلام والمسلمين (صلاح الدين الأيوبي) كما يجب ويُفترض.
هل يمكنك أن تشرح لنا نظرة وفكرة المثقف الكردي تجاه نظيره العربي؟
- المثقف الكردي يقف مبهوتاً أمام قلة وأحياناً عدم اهتمام أخيه المثقف العربي بثقافته العريقة والغنية. تُرى، كم من مثقف عربي حاول تعلم اللغة الكردية، مثلاً؟ للاطلاع على ثقافة الكرد بلغتهم؟ لا أحد حسب علمي، وأرجو أن أكون مخطئاً في تقديري.
 في نظرك ما هي أهم الزوايا الثقافية التي ينبغي التركيز عليها لخدمة التواصل الكردي العربي؟ وهل لديك اقتراحات في هذا المجال؟
- أهم الزوايا في نظري هي الشعر والأدب، ما دمنا سنختلف في مسائل السياسة والجيوبوليتيك، بهذا القدر أو ذاك، ولهذا السبب أو ذاك. الشعر والأدب هما خير وسيلة للتواصل الروحي والثقافي بين الشعوب.
وفي هذا المجال أقترح على المثقفين الكرد تقديم نماذج ثقافية (أدبية وشعرية) راقية، وبلغة عربية سليمة وراقية، وبترجمة احترافية راقية، لخلق أرضية ثقافية مقبولة وصلدة لدى الجانب العربي الأخ والصديق. كذلك أقترح على الجهات الثقافية ودور النشر العربية الغزيرة، تخصيص ولو واحد بالمائة (%1) من إمكاناتها واهتماماتها، لصالح نشر نماذج من الثقافة الكردية، وتعريف القارئ العربي بها.
لاحظنا أن تجربتك في ترجمة الشعر الكردي إلى العربية، تتميز بنضج كبير، من أين بدأت وكيف تطورت؟
- بدأ اهتمامي بمطالعة كتب الأدب والتراث العربي منذ الصف الرابع الابتدائي، إذ انصبّ اهتمامي وقتها على قراءة السير الشعبية التراثية، مثل سيرة سيف بن ذي يزن وعنترة بن شداد وغيرها. وفي المرحلتين المتوسطة والثانوية، قرأت أغلب أجزاء الموسوعة الأدبية والتراثية الشهيرة (كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني)، و(تاريخ الأدب العربي)، والكثير من القصص والروايات العربية، ودواوين الشعر العربي الجاهلي والإسلامي والمعاصر، ولا أزال مستمراً على هذا المنوال، ولديّ ولع خاص بكتب اللغة العربية، منذ نحو أكثر من ربع قرن. كل هذا قوّى ملكتي اللغوية، وخلق لديّ مَعيناً لغوياً ثرّاً وغزيراً. في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، بدأت أولى ترجماتي للشعر الكردي المعاصر، إذ خصصتُ زاوية لذلك، في الصحيفة التي كنت أرأس تحريرها.
وفي عام 1991 جمعتُ كل ما سبق أن ترجمته ونشرته من الشعر الكردي، إضافة إلى ترجمات جديدة أيضاً، وأصدرتها في كتاب صدر في دمشق بشكل رسمي، وبعنوان «مختارات من الشعر الكردي المعاصر». وخلال أقل من سنتين، نفدت كل نسخه الـ (3000) من الأسواق. وبعد خمس سنوات من صدوره، خصصت له إذاعة لندن (بي بي سي) برنامجاً خاصاً للتعريف به، وقراءة نماذج منه، ولمدة عشرين دقيقة. ولم يسبق لكتاب أدبي كردي أن حظي بمثل هذه الأهمية لدى هيئة الإذاعة البريطانية.
نشرتُ حتى الآن الكثير من الشعر الكردي لشعراء وشاعرات في مختلف الصحف العربية (وبشكل خاص صحيفة النهار- وملحقها الثقافي، والمستقبل) اللبنانيتان، وكذلك بعض الصحف الكردية الصادرة بالعربية، ومواقع الإنترنت المنوّعة. وأنا الآن بصدد جمع كل ذلك، مع قصائد أخرى أعمل على ترجمتها، لإصدارها في خمسة دواوين شعرية منوّعة.
أعيشُ قلقاً دائماً، خشية أن تصدر ترجمة القصيدة الفلانية قبل أوان نضجها التام. وترجَمة الشعر تمنحني صفاءً ذهنياً وروحياً، وأحس عند ترجمة الشعر بأنني أغسل نفسي من الداخل!
 هل تحس أن هناك تقاطعا بين الشعر الكردي والعربي، خاصة الشعر القديم؟
- طبعاً هناك تقاطع وتلاقٍ بين الشعر الكردي والعربي، ولاسيما الشعر الكردي القديم (الكلاسيكي)، إذ إن النفحات الصوفية والدينية الإسلامية، ومفردات اللغة العربية، ظاهرة للعيان لدى العديد من شعرائنا الكلاسيكيين القدامى، مثل: أمير الشعراء الكرد (أحمد خاني)، و(ملا أحمد جزيري) و(ملا أحمد باتيي) و(فقي طيران) و(محوي) و(نالي) وغيرهم.
 هل لك أستاذي أن تتحفنا بأجمل بيت شعري ترجمته من الكردية إلى العربية؟
- إذا كان لا بد من ذلك، فإليك هذا البيت من شعر شاعرتنا الشابة (كزال أحمد):
- في بعادكَ... اكتسى قلبي أشواكاً، مثل صبّار صحراء.
 هل من كلمة أخيرة توجهها إلى القارئ العربي؟
- أقول له: إن لك إخواناً في كردستان، هم أقرب إليك من حبل الوريد، فلا تغفل عنهم! إنهم يحبونك ويحبون شعبك وبلادك، ويحرصون على بقاء تاريخنا المشترك حياً في الذاكرة. وحتى إن حاول بعضنا تناسي هذا التاريخ، فإن الجغرافيا تشدّنا إلى بعضنا بعضاً بقوّة! وبعيداً عن الاجتهادات والخلافات والاختلافات السياسية، فإن الثقافة والأدب هما خير زاد لنا، في طريق المحبة والإخاء.

عن صحيفة العرب القطرية

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com