لقاءات

على هامش نشاطاته المتميزة في إعادة إعمار أهوار العراق:

الدكتور عزام علوش : عرب الاهوار هم صلة الوصل بالحضارة القديمة والتي هي مهد الحضارة الغربية.

 

لقاء من أعداد السيدة عفاف ناش

 شهدت ارض العراق من قوى الشر والفساد ما لم تشهده أيه بقعه أرض أخرى في العالم. وتميزت فترة صدام - البعث بكونها من اعنف هذة الفترات واشدها شراسه وهمجيه ، حيث عملت معاولهم على هدم وتفتيت البنيه الاساسيه للعراق وتدمير طبيعته وأرضه وتصفية ناسه. كان رهانهم الحقيقي على طمس الهويه العراقيه من خلال تحريف تاريخه وتفريغه من علمائه وأختصاصييه وكوادره واهله الطيبين. وهذا ما لم يتمكنوا منه.

 بعد سقوط النظام في 2003 شارك ويشارك الكثير من العراقيين المخلصين والخيرين في إعادة أعمار العراق وكل من مكانه ومجال عمله.

 د. عزام علوش أحد هذه العقول العلميه حيث أختار العوده لبلده العراق مقدما خبرته العلميه والعملية في مجال الهندسه والبيئه ليشارك في إعادة اعمار منطقة الاهوار، وهي واحده من اكثر المناطق التي عانت من جرائم النظام الهمجي البعثي حيث قام النظام بعملية تجفيف كاملة لمنطقة الأهوار بحجج واهية كان من جراءها تهجير الآلاف من سكان تلك المنطقة المتميزة طبيعياً وبيئياً والقضاء على ملايين الحيوانات والطيور والأسماك والتسبب في تغيير مناخ المنطقة والجنوب العراقي.

 ألتقينا الدكتور عزام علوش مؤسس ومدير مشروع جنة عدن وجمعية طبيعه العراق المساهمه في اعمار الاهوار. ووجهنا له بعض الأسئلة مستهدفين ألقاء الضوء على نشاطات وعمليات إعادة الإعمار:

 تعليق من الدكتور علوش: يرجى العلم ان لا منظمة طبيعة العراق ولا مشروع جنة عدن مسؤولين عن اعادة اعمار الاهوار ، فما نحن الا مجموعة من العلماء ندرس آلية الاعمار ونعمل على حماية الاهوار لتبقى حية للاجيال القادمة.
 -- د. عزام ، قصة الأهوار هي قصة علاقة الانسان بالطبيعه. هي قصة صمودالانسان ضد قوى الشر والفساد. هل لك ان تلقي الضوء عن علاقتك بالاهوار وذكرياتك وماهي خصوصيه هذه القطعه من ارض العراق؟
 علاقتي مع الاهوار تعود الى ذكريات الطفولة المبكرة عندما كان والدي والاسرة نسكن في الناصرية، حيث كان والدي مهندس الري المسؤول في المنطقة ،وتعتبر هذه الوظيفة من اهم الوظائف هناك وذلك لكون المنطقة ذات اهمية زراعية كبيرة جدا (على الاقل في فترة الستينات). ورغم تعطشي لقضاء الوقت مع والدي إلا أن انشغاله بالقيام باعباء وظيفته حال دون ذلك الا ما ندر. ومن هذه المرات النادرة هي عندما كان يأخذني في سفرات نهرية الى الجبايش ومناطق الاهوار الداخلية.

لقد منحتني مثل هذه السفرات الفرصة لان يكون والدي لي وحدي مما ولّد لدي شعورا متميزا ومحببا تجاهها. واتذكر بدفئ عندما كنت انظر الى جانب القارب اترقب الاسماك في المياه أو حين انظر الى السماء من خلال غابات البردي الذي كان يعلوا القارب واحاول أن احصي عدد من الطيور. بصراحة، لم اكن افهم مغزى الاهوار في ذلك الوقت. لم أكن أفهم معنى الصلة التي تقدمها هذه الاهوار لتاريخ البشرية، كما لم اكن مهتما باسلوب حياة عرب الاهوار. فقد كانوا في نظري حينها اناس متخلفون لا يعرفون القراءة والكتابة، خاصة وهم يعيشون في بيوت من القصب مع الجاموس ويشربون المياه من البحيرات والانهار المحيطة بقراهم مباشرة.
 عندما أضطررت للهرب من العراق في اواخر السبعينات بدأت أطلع على تاريخ تلك المنطقة بشغف ، وخاصة عن بلاد سومر. وعندها فقط ادركت ان نمط حياة عرب الأهوار هو نفسه نمط حياة السومريين وعلى اثر ذلك اصبحت مقتنعا بأن عرب الاهوار هم صلة الوصل بالحضارة القديمة والتي هي مهد الحضارة الغربية. الأمر الذي يتناقض بصورة تامة مع ما تضمنته مناهج الدراسة في العهد البعثي حيث ادعت ان عرب الأهوار وجاموسهم هم اناس مهاجرين من الهند.

 عندما علمت بان صدام قد بدأ بعملية تجفيف الاهوار في التسعينيات بدأت العمل مع مجموعة من العراقيين في المنفى للاعلان عن ماساة تجفيف الاهوار وتأثيراتها على الطبيعة السكانية والتراثية والطبيعية والحضارية. الا ان الظروف في تلك الفترة مابين عامي 1997 و 2001 لم تكن مهيأة لكي يقتنع الرأي العام بمدى خطورة جرائم النظام الصدامي . التغيير الذي لاحظناه أن أحداث الحادي عشر ايلول/سبتمبر جائت لتغيراشياء كثيرة في الشرق الاوسط وبضمنها سلوك اللامبالاة تجاه جرائم صدام.

 لقد بدأت جولة احاضر فيها عن الاساليب الإجرامية التي استخدمها صدام لتجفيف الاهوار مسلطا الضوء على تاريخ الأهوار وعن حقيقة كونه غابات شيروود بالنسبة لنا نحن معشر العراقيين، وعن كون جريمة تجفيف الاهوار تعتبر اسوأ كارثة هندسية بيئيه في القرن العشرين ، وهو ما تضمنه البيان الذي أصدرته الامم المتحدة، وهي منظمة لم يسبق لها طرح بيان بمثل تلك اللغة القويه موجهة الاتهام الى دولة هي من أعضاء تلك المنظمة.

 -- بالتأكيد الحال الذي وجدت عليه الاهوار يختلف عن صور ذكريات الطفولة. متى كانت أول زيارة للاهوار بعد تجفيفها وماهي برأيكم التأثيرات السلبية التي نتجت عن جرائم تجفيف أهوار العراق وماهي إنعاكاسات ذلك على الانسان وبقية الكائنات الحية والتى كانت بمثابة ثروة طبيعية ذات موارد مائية وحيوانية وزراعية في تلك المنطقة؟
 غادرت العراق في 12 تموز / يوليو ، 1978 ولم اعد حتى حزيران / يونيو الثامن عشر ، عام 2003 ، أي ما يقرب من 25 سنة ناقص شهر واحد. ذهبت الى البصرة من الكويت ،وبالنسبة لي، كانت تلك معاينة حقيقية للدمار الذى لحق بجنوب العراق بسبب الحرب العراقية الايرانية وسياسات صدام ومن معه تجاه المنطقة. كانت البصرة في سبعينيات القرن الماضي أحلى (على الأقل في عيوني) من بغداد. فتخطيطها لطيف وشوارعها نظيفة ، بالاضافة الى وجود مركز تاريخي في السبعينات حيث اتذكره جيدا. العمالة الوافدة في كل مكان. البصرة التي عدت لها كانت خالية من الثقافة. شوارعها النظيفة اصبحت حاوية للأوحال والانقاض والقمامة. اوساخ بنية اللون تغطي كل شيء من الاشجار الى المنازل، حفر وانهار آسنة. غابات النخيل لم يعد لها وجود… استبدلت باعقاب وجذوع ذابلة. نسيم المساء اللطيف الذي تميزت به المدينة الجميلة والمبرد من المستنقعات تحول الى رياح رملية حارة جافة كافية لشي البشرة. حتى الكلاب والقطط في الشوارع تشكوا الهزال والمرض.

 رأيت الجبايش للمرة الأولى في الثاني والعشرين من حزيران وكانت صدمتي كبيرة. لم تعد الأهوار كما عهدتها ، ذهبت هي والانهار والقصب ، وتحولت الى صحراء ومنازل مدمرة في جزر متناثرة. ميلا بعد ميل من الاثل الذي يملأ الافق بدلا عن القصب والمياه كما كان سابقا ، كما لم يكن هناك جاموس ولا مشحوف. اطفال يتسولون قناني المياه النقية… ومع ذلك كانت وجوههم مبتسمة. كان الامل يحدوهم بان التحرير سيغير حالهم لحياة مستقبلية افضل. رأيت الناس تقبل صورة بوش رافعين الابهام الى الاعلى في كل مكان ذهبنا اليه.
 أصبح هنالك أملاً رغم ان جيل الشباب لا يتذكر الاهوار.. لا يتذكره الا كبار السن، وهم قلّة. بدأ السكان فعلاً بكسر السدود التي تحجب المياه عن الأهوار كما عادت عمليات بصيد الاسماك في بعض مناطق الأهوار.

 الغالبيه العظمى من الاهوار لم تعد المياه لها في ذلك الحين. فالمناطق التي غمرتها المياه كانت خالية من القصب كما كانت كذلك قبل شهرين من عودة المياه. الوجبة الاولى من اللاجئين بدأوا فعلا بالعودة الى المنطقة بقوة وكثافة. لقد كان لي شرف تصوير وإجراء مقابلة لاول اسرة عادت رغم افتقار المنطقة الى الخدمات والمياه. كان همهم الوحيد هو استعادة كرامتهم والتوقف عن التوسل في بغداد للحصول على عمل. ارادوا كسب عيشهم كما كان اجدادهم عن طريق صيد الاسماك والرعي والجاموس. وللعلم ان 60 فى المائة من الاسماك المستهلكة فى العراق فى عام 1990 كان مصدرها الاهوار. حقيقة أخرى تتمثل في أن تجفيف الأهوار قد تسبب في زيادة درجات الحراره المحلية 5 درجات مئويه بسبب الجفاف. وان الشعب المرجانية المتواجدة في الخليج قد نفقت نتيجة لفقدان عملية الترشيح التى كانت تؤدى من قبل البردي. وان صيد الاسماك والروبيان في الخليج قد انخفض الى النصف نتيجة لفقدان عملية التكاثر في بحيرات الاهوار… وهذا بالطبع لا يقارن بالدمار الذي حل بالسكان حيث اجبروا على الانتقال ، سواء داخل العراق او خارجه واصبحوا بين ليلة وضحاها يعتمدون على بطاقات الحصص التموينيه بعد قرون من العيش أعتماداً على ما كانت توفره لهم الأهوار من منتجات وفرص متميزة للعمل ضمن تلك الطبيعة الخلابة.

 -- أهوار العراق ارض لاقدم حضارات العالم ، ماهي مصادرالمياة في الأهوار وكيف استطاع نظام صدام تجفيف هذه الأهوار؟

 دجلة والفرات هما مصدر تغذية الأهوار بالمياه وكذلك المناطق الزراعية المحيطة بها. فمدينة اور والزراعة المنظمه الاولى كانت بدأت على شواطئ الاهوار. وعلى ضفاف شواطئ الاهوار ، اخترعت الكتابة ، وكذلك العجلة. كما انه في مدينة اور الأولى تم الفصل بين المعبد والمدينة، وذلك قبل النظام الامريكى للفصل بين الكنيسة والدولة باكثر من 5000 سنة. لقد حاولت العديد من الانظمه تجفيف الاهوار من قبل، لكونها كانت ملاذاً آمناً لمن يلجئ لها تجنبا لغضب الطغاة والتخفي في اعماقها بعيدا عن الجند ، معتمدين على اسماكها الوافرة وخيراتها الأخرى للبقاء على قيد الحياة. كما اتخذها كذلك بقايا الرعاع والمتمردين ملاذا لهم وعلى مر السنين. ولذلك ، كان من الطبيعي لمن بقى من ثوار انتفاضة عام 1991 ان يلجئوا اليها للنجاة من غضب صدام ، ومن ثم فان صدام حسين، وهو الذي يعتقد ان عرب الأهوار هم ليسوا عراقيين (كاعتقاده بالأكراد) بدأ منهجا منظما لتدمير الأهوار لحرمان معارضيه من فرصة وجود مكان للاختباء فيه خارج سيطرته.

 لقد كان تجفيف الاهوار انجازاً هندسياً لا يضاهى. فقد تم استخدام كل قطعة من المعدات التي كانت تعمل في العراق في أوائل التسعينات لحفر نحو 6 انهار وقنوات عديدة ، لأكثر من ألف كيلومتر في الطول الاجمالى وعدد لا يحصى من الحواجز والسدود اللازمة لاعتراض وتحويل المياه من دجلة والفرات بعيدا عن الأهوار، مما حرم الأهوار من مصدر حياتها . كما أنه لم ينتظر لتموت الطبيعة ببطء، بل أحرق البردي ليجبر من بقى مختبئاً فيها من خصومه على الخروج. بهذه العملية دمر عددا لا يحصى من المستوطنات التي كانت موجودة داخل الأهوار، وعلاوة على ذلك اجبر الناس على الإنتقال الى مستوطنات كبيرة يسهل السيطرة عليها من قبل نظامه. فمن خلال حرمان الناس من مصدر غذائهم وفرص العمل ، جعلهم يعتمدون كليا على البطاقات التموينيه التي وفرت له امكانية السيطرة على العراق والعراقيين. ولكن ولحسن حظنا والعالم، فان خطته الإجرامية لم تنجح فليس من السهل القضاء على حضارة متكاملة عمرها أكثر من خمسة الآف سنة.
 --هذا يقودنا الى الحديث عن موقف دول الجوار لعمليه اعمار الاهوار وما هي تصوراتكم لحل الامور المتعلقه بخصوص الاهوار ودول الجوار؟
 

 هذا السؤال صعب جداَ وللأجابة عليه أود الإشارة إلى أن إحدى التحديات الأساسية التي تواجه الأهوار والمنطقة عموماَ هي قضية شحة المياه العذبة خلال السنوات ال۲۰ الماضية ، وتركيا شيدت أكثر من ۳۰ سداَ صغيراً وكبيراً ( آخرها سد أليسو ، وحالياَ تبني سداَ على دجلة ويعتزم اكماله خلال سنتين ، اضف الى ذلك إيران التي شيدت السدود على مياه نهرها الرئيسي الكرخة ، وأعادت توجيه نهر كارون . كما ان سوريا في ۱٩٧٥ قطعت ماء الفرات كلياَ لملْ سد ( طبقة).

 البعض منا خاصة الذين درسوا علوم الأحياء ونظام تدفق الأهوار يعرف قيمة عمل الفيضانات التي تحدث في الربيع عندما تبدأ ثلوج جبال كوردستان بالذوبان ، يصل هذا الأندفاع من الماء العذب للأهوار كما تخرج القصبات من سبات الشتاء ، وتبيض الأسماك وتهاجر الطيور ألخ... هكذا ، كجزء من مشروعنا ( عدن الجديدة ) ابتكرنا خطة لبناء وتركيب السيطرة في النقاط الرئيسية في كافة أنحاء الأهوار للتحكم على تدفق المياه وللسماح للمياه لكي تصب في الأهوار في الشتاء ، وذلك لتقليد عملية "الفيضان" في الأهوار. فكما ان عمل الفيضان ضروري للأهوار، الا ان أهميته أكثر عند تدفق المياه خلال ممرات لمنع ركوده. ذلك أيضاَ جزء من الخطة الرئيسية لإعادة الأهوار. من خلال نموذجنا هذا جئنا بحل يسمح لأعادة 75% من أهوار سنة 1973 ،حيث سيستخدم تقريباَ 12 بليون لتر مكعب من المياه سنويا.

 يمكن ايجاد حلول هندسية لتجاوز مشكلة السدود كما أشير انفا (زوروا موقعنا لتنزيل الدراسة)، لكن المشاكل في واقع الحال هي في إنحراف المياه وتدهور وتردي نوعيتها عندما تصل الى العراق (اضافة الى التدهور الآخر الحاصل عند مرور المياه خلال العراق) هذه المعضلة التي تؤدي الى تدمير الإنتاج الزراعي في العراق وتغيير الأهوار الى أهوار مياهها مالحة بدلاَ من أن تكون مياه امطار وذوبان الثلوج. هذه المشكلة يمكن فقط أن تحل من خلال أجراءات حكومية مناسبة واتفاقيات مع تركيا وسوريا وإيران.

 -- يقال أن الهدم هو أسهل من البناء أو إعادة البناء . . فخلال سنتين أو ثلاث تمكن النظام المباد من تدمير منطقة الأهوار لأهداف سياسية وطائفية ، هل لكم أن تلقوا بعضاً من الضوء على طبيعة مراحل إعادة الإعمار والفترة التي ستستغرقها قبل أن تكون المنطقة إلى سابق عهدها أن كان ذلك ممكناً؟

 الطبيعة مُدهِشةُ! ، فقد أحتاجت لاقل مِنْ سَنَة لاعادة الحياة لبَعْض أجزاءِ الأهوارِ. ولو توفرت المياهِ واختفت السدودَ خارج العراق لاستعادتْ الاهوار كامل حياتها الآن. المطلوب اذن، كما ذكرت انفا، الإتفاق مَع بلدانِ الجوارعلى الاستخدام المعقولِ والإشتراك باستخدامات مصادرِ المياه. نحن نَدْعو المستويات العليا مِنْ الحكومةِ العراقيةِ، لاجراء مفاوضات مَع تركيا لَسْماحُها باطلاق الكمية المناسبة من المياه لحِماية الأهوار كي تبقى تراثا عالميا. نحن مقتنعون من ان قبول تركيا في الإتحاد الأوربي يحتم عليها أَنْ تَحْلَّ كُلّ خلافاتها المهمة، ومن ضمنها قضية المياه بحلول سنة 2015 لكي يتم قبولها في الإتحاد الأوربي.

 وما عدا مسالة المياه فلدينا برامج لخَلْق المحمية الوطنية خارج منطقةِ الأهوار، ولبِناء قُرى لسكان الأهوار مزودة بوسائلَ الراحة الحديثةَ متوخين التوازن مع متطلبات حماية البيئة. نَحتاجُ الى تَمويل حكوميَ أَو تَمويل من شركاتِ النفط لبِناء مثل هذه المشاريعِ، وبصراحة، هذا خارج منطقةِ خبرةِ منظمتنا الغير حكوميةِ لبِناء مثل هذه المشاريعِ. نحن فقط نَدْعو لهذا ونهيب بقوة الحكومةِ العراقية كي تباشر بالقيام بمثل هذه المشاريع. كل هذا يعتمد على من سيمول هذه المشاريعِ حيث يُمْكِنُ أَنْ تُنجَزَ في أقل مِنْ 5 سَنَواتِ، على فرضُ خلوها مِنْ الفسادِ بالطبع.

 -- هل لكم أن توضحوا للقارئ طبيعة المشاكل التي واجهتكم خلال فترة عملكم في منطقة الأهوار بعد سقوط النظام البائد؟

 بعد تحرير العراق, العمل فى الجنوب كان سهلا جدا و كان المرور مسموحا به وكان الناس يرحبون بزيارة العلماء والخبراء العراقيين و الاجانب, الجو كان مليئا بالامل والتفائل والسعادة بانتهاء حكم صدام والنظام البعثى المستبد. مع بدا 2004 , بدات المليشيات بالسيطرة على الشوارع مستغلين ضعف القانون لخطف الناس وطلب الفديه, ففى اوائل 2005 , خمسة من علماء طبيعة العراق تم خطفهم وطلب المختطفون مبلغا كبيرا من المال لإطلاق سراحهم, رفضنا ان ندفع الفدية التى تعنى انهاء برنامجنا ومستقبل عملنا فى الاهوار. فى النهايه تم اطلاق سراح العلماء بعد مفاوضات من قبل اهاليهم وتقليل مبلغ الفدية, ومنذ ذالك الوقت يصطحب علمائنا حراس من أبناء عشائر المنطقة لمنع تكرار هذا النوع من الحوادث.

 اخر مرة اصطحبت فيه علماء اجانب كان فى حزيران 2005، حيث ان صور واخبار قطع الرؤوس اثرت كثيرا ومنعت سفر العلماء الاجانب الى جنوب العراق او الى بغداد. علما ان العلماء الاجانب استمروا بزيارة كردستان العراق حيث قمت بنقل الفرع الرئيسي لطبيعة العراق الى هناك فى 2007 للهرب من العنف الطائفي في بغداد و الجنوب. علما اننا حافظنا على وجود مكاتب لنا في بغداد و الجبايش الى جانب مقرنا في السليمانية.

 أما قلة الكهرباء او الوقود لتشغيل المولدات فهما تولدان وجعا اضافيا. أخيرا وليس اَخرا ، قلة الكادر المدرب اكاديميا من العلماء العراقيين الشباب بسبب النظام التعليمى المتدهور في العراق والذي سببه الحصار وعزلة العلماء العراقيين عن العالم الخارجي. صدق او لا تصدق، فخريجي الجامعات العراقية لا يستطيعون التحدث باللغة الانكليزية وخبرتهم قليلة في مجال الكمبيوتر و اساليب البحث الاكاديمي المناسبة.

 -- عملية إعادة الإعمار تعتمد تخصيصات مالية كبيرة. من هي الجهات الممولة ، عراقية أم غير عراقية؟ وهل هي ملتزمة فعلاً بالصرف على إكمال هذه العملية الجبارة؟

 رعت الحكومات الايطالية واليابانية، كذلك كندا واميركا الدراسات العلمية. بعض هذه الاموال استخدم لتحسين الماء لبعض التجمعات , كما ان قدرا قليلاً من المال صرف على عملية الانعاش نفسها حيث ان قطاعات مشاريع الاعمار لا علاقه لها بالاهوار بل للخدمات البسيطه للتجمعات المحيطه بالاهوار , اضافة الى ذلك ان قلة الامان منع تنفيذ مجموعة من المشاريع.

 فى خلال السنتين الماضيتين ,خصصت الحكومه العراقيه مائة وخمسين مليون دولارا حصريا للاهوار فى حملة قادتها وزارة شئون الاهوار العراقيه.

 نحن نامل ان نستطيع زيادة هذا المبلغ , و نعمل مع الحكومات المحلية و الحكومه المركزيه لخلق رؤية استراتيجية للمشاريع المتنوعه لكى تنفذ داخل وفى اطراف الاهوار.

 -- ما هو موقف الحكومة العراقية الحالية من المشروع ؟ مادياً ومعنوياً وإلتزاماً؟

 البرلمان العراقى يدعم عملية انعاش الاهوارسياسياً و مادياً, ولو ان غياب البعد الاستراتيجي و النزاع بين الوزارات المختلفه لاخذ المسئولية يشكل تحدياً ، اضافة الى ذلك قلة الامن وعدم وضوح تقاسم المسؤولية بين الحكومه المركزية و الاقليمية يصيب العملية بالشلل.

-- مارس النظام المباد جريمة بحق سكان منطقة الأهوار حيث قام بتهجيرهم وهم السكان الأصليون في تلك المنطقة التي فاق عمرها الخمسة آلاف سنة. من خلال معايناتكم الميدانية للمنطقة وعلاقاتكم مع أهاليها ، هل تعتقدون أن هجرة معاكسة يمكن أن تتم ليعود السكان الأصليون إلى قراهم ودورهم يمارسون أعمالهم ومهنهم كالسابقه ومامدى استعداد أهالي الأهوار على تقبل عودة الأهوار إلى طبيعتها وهل تعتقدون أنهم على استعداد للعمل مع الجهات الرسمية والفنية من أجل تحقيق الهدف؟

 الهجرة المعاكسة بدات بالفعل وبأعداد كبيرة الى حد ان الاهوار المغمورة حديثاً ليس بمقدورها اقتصاديا دعم العائدين اليها. اكثر من مائة الف من عرب الاهوار رجعوا فعلا الى المناطق المحيطة بالمناطق المغمورة بالماء والقريبة من الخدمات قدر الامكان, الا ان بعضهم ذهب الى عمق الاهوار. ففى منطقة ابو سوباط (4 كلم شرق الجبايش) فاق عدد الجاموس الـ 9000 من لاشئ فى 2003, كما ان الخدمات والنشاط الاقتصادي فى تزايد بالمنطقه، والمتوقع ان عددا اكبر منهم سيعود من بغداد و المدن الاخرى حيث اجبروا بالاقامه هناك في السابق. حاليا ازداد عدد سكان الجبايش من 30000 فى سنة 2003 الى 60000 فى يومنا هذا.

 مع وجود الانترنت, لم يبقى الناس منعزولين فى وسط الاهوار. و اذا اخذنا بنظر الاعتبار الامان والاستقرار الموجود فى الجنوب مقارنة ببغداد فإن هناك ازدياد بالرغبة للعوده. الشىء الوحيد الذى يبقي الناس فى المدن الكبيرة هى وجود فرص العمل و الرعايه الصحية و الدراسة, ومع تقديم هذه الخدمات فى الاهوار فليس هناك ما يدعو إلى بقائهم فى الاحياء الفقيرة فى مدينة الصدر.

 -- في خبر بثه راديو سوا مفاده أن بعض العشائر تقوم بإبتزاز المقاولين وتعطيل المشاريع الخدمية في مناطق الأهوار مما أدى إلى عدم تنفيذ قسم من المشاريع رغم توفر التخصيصات المالية لها. هل لكم ألقاء بعض الضوء على مستوى التعامل بين سكان مناطق الأهوار وبين العاملين على أعادة أنعاش تلك المنطقة المتميزة؟

 للأسف ، هذا صحيح. فبعض العشائر تطالب المقاولين بدفوعات جزائية من أجل "حماية " الافراد والمعدات. هذه ليست جديدة على المنطقة و بصراحة السبب في ذلك هوالافتقار الى فرص العمل وضعف النشاط الاقتصادي. ان المشكلة في العراق هي ان الكل يريد وظيفة حكومية وهناك عدد قليل جدا من وظائف القطاع الخاص. حالما يتحسن القطاع الصناعي الخاص ، سيكون هناك ألاقل وألاقل من هذه الحوادث. ونصيحتي للمقاولين ان يقوموا بتوظيف اكبر عدد ممكن من السكان المحليين وبالتالي اعطاء حافز للسكان المحليين لحمايه ممتلكات المقاولين ومساعدتهم قدر الامكان.

 سكان الاهوار عانوا الامرين من ممارسات نظام صدام والحروب المتتاليه على المنطقه. ماهو تقيمكم للحاله الصحيه في الاهوار وما هي اكثر الامراض انتشارا بين سكانها؟ وهل هناك جهود بمستوى المسؤليه لتحسين الحاله الصحيه والسكانيه هناك؟

 الأكثر اشكالية هي الامراض المنتقلة مع المياه والتي تؤثر على الجهاز الهضمي لمعظم سكان تلك المنطقة. ان عدم وجود مياه شرب نظيفة وصالحة للاستعمال مع الافتقار الى الرعاية الصحية والمستوى التعليمي المتدني (عدم وجود الوعي) لدى السكان المحليين ، هذه الاسباب مجتمعة تسبب مشكلة هائلة من الناحية الصحية. على سبيل المثال، مشاكل الحصى الكلوى في تزايد، وكذلك المشاكل التي تحملها ناقلات الامراض مثل البعوض. هنالك اجراءات بسيطة يمكن ان تحمي من العديد من هذه المشاكل (مثل غلي الماء قبل الشرب) ، الا ان قلة الوعي الى جانب عدم وجود سيطرة على تصرفات الافراد سيؤدي الى استمرار وجود هذه المشاكل عند الجيل القادم.

 -- مالذي يشمله مشروع إعادة الإعمار؟ هل التركيز على إعادة تدفق المياه وأحياء الأهوار أم أن المشروع يتضمن بناء مرافق حديثة مثل الأبنية والمدارس والمستشفيات والمرافق السياحية وربما وسائل النقل المائية الحديثة؟

 لدينا خطة شاملة للأهوارالوسطى، تشمل توفير جميع وسائل ومرافق الحياة العصرية وتصاميم القرى العصرية كما ذكرت اعلاه والتي ستشمل مرافق الرعاية الصحية والمدارس ...الخ. المشكلة هي التنفيذ والتمويل. ما نستطيع ان نفعله هو المساندة و الدفاع عن مشاريعنا، ولكننا لا نتمكن من تمويل هكذا مشاريع. اضافة لذلك، أنا واحد ممن يؤمن بالقطاع الصناعي الخاص وانا لا أريد ان أرى الحكومة تبني الفنادق ومحطات الخدمة لان هذا يعنى اننا سنكون مقيدين بنظام اشتراكي يسمح للحكومة بالسيطرة على كل مظهر من مظاهر الحياة في العراق ، كما فعلت منذ ثورة 1958.

 -- للإهوار أهمية تتعدى أهميتها التأريخية كونها من بقايا التأريخ السومري العراقي ، هذه الأهمية تتمثل في كونها منطقة سياحية ليس لها مثيل في العالم ، حيث يمكن أن تحقق إيرادات للعراق تفوق إيرادات بقية الموارد الطبيعية الآخرى. برأيكم ، هل يمكن أن يتحقق ذلك من خلال إعادة بناء مادمره النظام المباد ووفق معطيات مدنية حديثه؟

 

 كما تعلمون ، تايلاند كانت غير معروفة كبلد سياحي قبل 20 عاما عندما اكتشفت من قبل سواح بيئيين المان. وهي الآن مليئة بالمنتجعات والفنادق التي من شأنها تلبية متطلبات كل من الاغنياء والمشاهير وكذلك الطبقة الوسطى، تايلاند تستمد جزء كبير من دخلها من السياحة. الرفاهية هي مثال آخر للغاية التي تجمع السياحة التاريخية مع القليل من السياحة البيئية في فصل الشتاء.

 رغم الشكوك التي تساورني بان الدخل من السياحة سيكون اكثر من دخل الموارد الطبيعية (النفط والفوسفات والكبريت...الخ) ، لدي آمال كبيرة بأن مراقبوا الطيور من جميع انحاء العالم سيزورون الاهوار خلال فصل الشتاء لمراقبة ومشاهدة الانواع المهاجرة والقاطنة، وكذلك عند زيارة آور والمواقع التاريخية التي تحيط الاهوار. لدينا خطط لاقامة فندق عائم في وسط الاهوار مع رحلات يومية الى المواقع التاريخية … وأنا أيضا ارى سياحة بيئية مماثلة في جبال كردستان العراق ، ناهيك عن ذكر السياحة الدينية في النجف وكربلاء والاشورية والكنائس. هناك اكثر من 25000 موقع ذات اهمية تاريخية في العراق لم يتم استكشافها بعد.

 -- أذا افترضنا اعمار الاهوار بمقايس المدينه الحديثه وما يتضمن ذلك من بناء فنادق وطرق ومرافق ترفيهيه ، هل برأيكم هذا قد يؤثر على خصوصيه وطبيعه الاهوار؟ ومن موقعكم واشرافكم لعمليه اعمار الاهوار، هل من الممكن الحصول على توازن بين الحداثه وما ممكن ان تجلبه من موارد للمنطقه وسكانها وبين الحفاط على الطبيعه المتميزة لمنطقه الاهوار وسكانها؟

 بأجابة بسيطة : لماذا لا؟ من الممكن جداً (وفي الواقع من الضروري) الحفاظ على المظاهر والاشكال التقليدية اثناء عملية ادخال الحداثة ووسائل الراحة والحياة العصرية الى المجالس والمنازل والمباني في جنوب العراق. من الممكن ان تبنى الفنادق في المدن بعيداُ عن الأهوار، ولكننا نعتزم ايضا بناء المباني العائمة في وسط الاهوار. أبراج الارسال الهاتفي يمكن اخفاؤها كاشجار نخيل في وسط الاهوار، وبذلك تتوفر الصلة مع بقية انحاء العالم ، مع المحافظة على المنظر الطبيعي للمنطقة. بوجود الارادة، توجد الوسيلة لتحقيق ذلك.

 -- المناطق المحيطة يالاهوار هي مناطق زراعية خصبة ومن المعروف للعالم باجمعه ان الزراعة ولدت في العراق وارتبطت بتاريخه. ولكن لم يسلم من بطش النظام الهمجي الصدامي الانسان ولا الطبيعة فخرب واحرق الكثير من المناطق الزراعية المثمرة في العراق. هل تروا ان تدفق المياه في الاهوار قد يؤثر أو يتعاكس مع اعادة الزراعة وتطويرها في المنطقة؟

ما هو معروف خارج الدائرة الصغيرة لاهتمام المؤرخين بان طرق الارواء المستخدمة من قبل السومريين كانت معتمدة على المد والجزر والفيضانات لتجديد حياة المزارع.!!!! ان تاثيرالسدود في اعلى النهر لم تؤثر فقط على هيدرولوجية الاهوار فحسب (الفيضان في الربيع)، وانما ايضا اثرت على تجدد التربة المغطية للاراضي الزراعية المحيطة بالاهوار. هذه الاراضي لم تكن تحتاج للاسمدة خلال الستة آلاف سنة السابقة من الانتاج الكثيف حيث كانت الفيضانات تجلب معها الغرين والطين واللذين يترسبان على الاراضي الزراعية مزيلة بذلك كل الاملاح الناتجة من سقي الاراضي.

السومريين القدماء كانوا ينشرون البذور على الاراضي المرتفعة و هذه البذور تنمو و تظهر عندما تنحسر مياه الفيضان في اوائل الصيف. هذه الاراضي المرتفعة كانت تغمر بالمياه مرتين يوميا نتيجة للمد و الجزر. عندما كانت الاراضي تنكشف وتظهر نتيجة لتراجع و انحسار مياه الفيضان، كان النساء والاطفال ينقلون الشتلات من الاراضي المرتفعة و يغرسونها في بقية الاراضي، والتي ايضا كانت تغمر بالمياه مرتين يوميا. حين تنمو جذور الرز ، الحنطة، و الشعير وتصل للمياه الجوفية ،عندها لن تحتاج لمياه المد والجزر. قرب نهاية الصيف ، تنحسر المياه الجوفية وتكون الحبوب قد نضجت وحاوية على البذور، وجاهزة للحصاد. وهكذا تستمر دورة الحياة.

مع الزيادة السكانية والصناعية في العراق، ازدادت الاراضي الزراعية، بذلك زادت الحاجة للمياه و عندها دعت الحاجة لاستخدام مضخات المياه واستخدام الاسمدة لزيادة الانتاج. ان انشاء السدود على النهرين ادى لوقف الفيضان، وبالتالي، فالمزارعين يحتاجون للمزيد من الاسمدة، والان يغسلون و يجرفون الاملاح المتجمعة على الاراضي نتيجة للفعاليات المؤدية لملوحة المياه الاتية الى سطح المزارع. فعندما تتبخر المياه تترك الاملاح ...واحد من المشاكل الرئيسية التي تواجه المزارعين العراقيين اليوم هي ازدياد ملوحة التربة و تاثيرات التصحر. اخشى مع تدهور نوعية المياه الواصلة للعراق من تركيا، ان المزارع العراقي سيموت موت اقتصادي بطئ مع نقصان الانتاجية. من الامور المهمة التي على الحكومة العراقية القيام بها هي ادخال تكنلوجيا حديثة للارواء و التي ستقلل من مشكلة الملوحة و تستعمل بذور من الممكن ان تتحمل الترب و المياه المالحة. 

لدينا دراسات توضح ان استثمار متر مكعب من الماء في الاهوار له عائدات اقتصادية لسكان جنوب العراق اكثر من نفس المتر المكعب المستثمر في الزراعة. اخشى من استمرار الوهم بان العراق هو سلة الغذاء للشرق الاوسط. صراحة، بدون مياه جبال كردستان (كردستان الاكبر ، والتي تشمل اليوم جنوب شرق تركيا) ، فان مستقبل الزراعة في بلاد ما بين النهرين قاتم.

 -- بالاضافه الى مشاغلكم الكبيرة في مشروع اعمار العراق، انتم ايضا مسؤولون عن مشروع اخر لا يقل بالاهميهفي مرحله اعمار العراق، وهو مشروع بناء الجامعه الامريكيه في اقليم كردستان. هل لكم أن تلقوا لنا الضوء عن مراحل بناء هذة الجامعه. متى سيتم افتتحها وكم عدد الطلاب المتوقع استقبالهم خلال السنه الاولى؟ هل ستكون الكوادر التدريسيه عراقيه ام اجنبيه؟ وما هي الفروع العلميه والادبيه التي ستفتتح بيها الجامعه سنتها الاولى ؟

 الجامعة الامريكية فى العراق - السليمانية هي وليدة افكار الدكتور برهم صالح ، نائب رئيس وزراء العراق، واعرفه كاحد الزملاء في مجلس ادارة المعهد العراقي. وبعد الانتخابات التي اجريت في أواخر عام 2005 ، كنت يائس و حزين لحقيقة ان العراق ظهر فيه الفساد و العنف الطائفي و العرقي كان يدمر و يخرب بغداد و المناطق المحيطة بها. اتيحت لي فرصة لقاء الدكتور برهم صالح فيما كنت أفكر بما كنت أريد أن افعله (اما ان اتخلى عن ما اريد و اعود للولايات المتحدة، او اقررالبقاء و الاستمرار).

الدكتور برهم صالح اعطاني مخطط موجز لما كان يفكر به ، وادركت فورا اهمية مساعدة العراق من خلال تثقيف قادة المستقبل، فمن خلال هذه العملية يمكن تحقيق قفزة في التعليم العالي في العراق من خلال الجامعة الامريكية-السليمانية(AUIS). انا نفسي منغمس تماما في هذا المشروع و نظمت الاجتماع الاول لمجلس الامناء في روما عام 2006 ثم عينّا مهندس مدني ومعماري كفوء لتصميم الجامعة ، وفي غضون ذلك، وبآن واحد، كنت اقوم بالعمل على الاهوار وايجاد التمويل لكل من منظمة طبيعة العراق وAUIS . ولكن لابد ان اذكر ان الدكتور برهم صالح و بشكل فردي مسؤول عن تحصيل ما يقارب 90 ٪ من الاموال التي جمعت لصالح الجامعة الحتى الآن ، ناهيك عن منحة الأراض المجاورة لمطار سليمانية.

ويسرني ان ابلغ القراء بانه تم قبول اول دفعة من الطلبة الجامعيين في برنامج ادارة الاعمال، فضلا عن الدفعة الاولى للماجستير في ادارة الاعمال (برنامج مديري). ان برنامج اللغة الانجليزية قائم ومسوؤل لاعداد طلبتنا لامتحان التوفل TOEFL و المطلوب كحد أدنى درجة 550 حتى يتمكن الطلاب من البدء بأخذ كورسات مستخدمين النموذج الامريكى للاداب في التعليم. نحن على وشك أن نبدأ بدفعة البكالوريوس في تكنولوجيا المعلومات/نظم الاتصالات اضافة لهندسة البترول في العام المقبل. ولدينا الآن 45 طالب في الدراسات الاولية و35 طالب ماجستيرفي ادارة الاعمال. و نتوقع اتمام 200 طالب اضافي للسنة الدراسية القادمة.

وانا حاليا اقوم بجولة في الولايات المتحدة لاجراء مقابلات لموظفين لهيئة تدريسية و ادارية للجامعة الامريكية في السليمانية ، الاساتذة سيكونوا اجانب (معظمهم من امريكا) ، مع هذا، نود الاستفادة من الخبرات العراقية. لغة الجامعة هي اللغة الانكليزية حصرا.لايسمح التحدث باللغتين العربية او الكردية داخل الحرم الجامعي. الجامعة الامريكية في السليمانية ستكون لها شراكات مع الجامعات الاميركية وسوف نسعى للحصول على تفويض من واحد او اكثر جمعيات التفويض الامريكية.

 وخطتنا هي ان يكون عدد الطلاب 1000 طالب بعد خمسة سنوات (في الصف الاول الى سنة التخرج) و3000 طالب بعد عشرة سنين و 5000 طالب بعد خمسة عشر سنة. لقد بدأنا في بناء الحرم الجامعي ، ونحن نعمل حاليا من مقر مؤقت. وخطتنا هي ان يكون الجسد الطلابي معبر عن الطيف العراقي حيث يعيش الطلاب معا و يتعرفوا على الفوارق والاختلافات فيما بينهم. الصداقات طويلة الامد بين العرب والأكراد ، الشيعة و السنة سيتم تشكيلها من خلال المعيشة مع بعض اثناء الدراسة في الجامعة، نحن واثقون من ان خريجينا سيكونوا قادة الصناعة والسياسة في العراق الجديد. لدينا منح دراسية لمساعدة المحتاجين ماليا فأننا لا نريد ان يكون حرمنا الجامعي مكانا للاعيان فقط ،على العكس، نريد الاذكياء والشباب العراقيين و الذين يتخرجون من حرمنا الجامعي الى أن يكونوا هم في المستقبل نخبة و اعيان العراق. الجامعة الامريكية في السليمانية ستكون علامة تجارية للامتياز ليس في العراق فحسب ، بل في المنطقة ، ان شاء الله.

 -- بعيدا عن مسؤوليتكم في عملية أعادة الأهوار و بناء الجامعة الأمريكية ومن هو عزام علوش؟ نبذة مختصرة عن شخصيتكم و نشاطاتكم السياسية والعامة وتطلعاتكم المستقبلية بوطنكم الأصلي العراق ؟

أنا لا أحب التكلم عن نفسي .أنا أنسان بسيط جدا وكنت محظوظا جدا، غادرت العراق عندما سنحت لي الفرصة. لقد رفضت أن أنتمي لصفوف حزب البعث وعليه كنت على علم أن فرص نجاحي كانت محدودة, لذا تركت دراستي في منتصفها في جامعة البصرة وغادرت الى الولايات المتحدة حيث بدأت الدراسة هناك وأكملت دراستي للدكتوراه في الهندسة المدنية بزمالة من USC .لقد أندمجت بالمجتمع الأمريكي وكنت مقتنعا بأن نظام البعث سوف يحكم العراق الى الأبد ولايوجد لي مكان في ظل حكومته. بعد ذلك عندما غزا صدام الكويت شاهدت في تلفازي كيف أن العراق بدأ يتحطم جزء بعد أخر. بعدها بقليل قام النظام السابق بتجفيف الاهوار وفر العراقيون الى المنافي حفاظا على حياتهم. وبعدها رأيت كيف أن العقوبات أثرت على العراقيين بشكل خاص حيث جعلتهم يعتمدون على صدام في حياتهم أكثر من السابق. وبعد كل ذلك عندما بلغت الأربعين بدأت افكر بما هو اهم من جمع الأموال و الحصول على وظيفة جيدة وزواج ناجح.

 فبدات بالمشاركة في الانشطة البيئية (محاولة تسليط الضوء على ماساة الأهوار)… ثم أنخرطت بالعمل السياسي ولكن كان هناك قلة من المهتمين بالأهوار، والعديد من يهتم بسياسات صدام فقط. ولكن حاولت قدر الامكان على البقاء بعيدا عن السياسة العراقية وركزت بالعمل على الاهوار التي رأيت فيها قوة موحدة في ساحة المعارضة العراقية.

كنت من دعاة الحرب ضد صدام ، وأنا غير متأسف على ذلك لأني مؤمن بذلك وهذه هي اخلاقياتي, هذا ما كان علينا ان نفعله وهو الدعوة لإزالة هتلر العراق. وبغض النظر عن المستقبل الذي سيؤول اليه، ألا أنني متيقن أن ما قمنا به هو الصحيح .

 في عام 2003 أتخذت قرارا مهما ,هو أن أترك عملي و أن أغادر الى وطني العراق للعمل في الأهوار، مفارقا زوجتي وأبنتي .اشعر بالذنب ازاء الوقت الذي مر ولم أقضيه معهم في تلك الفترة المهمة في حياتهم ولاسيما أبنتي اللتان مرتا بمرحلة المراهقة بينما كنت في العراق. كنت أزورهم مرة كل شهرين أو ثلاثة اشهر ، لكنهم قضوا أغلب الوقت من دون أن أكون معهم. فمن الصعب تحقيق التوازن بين عاطفة ألأبوة من جهة والأهوار من جهة اخرى ,على الرغم من أهمية اولادي وأهمية وجودي معهم. لذا فأنني أعمل 17 ساعة يوميا سواء كان في العراق، أو في الولايات المتحدة. وأنا مجرد انسان أعمل على أصلاح البنية التحتية للعراق ، والحفاظ على الاهوار ، وأن أعيد لمجتمع بلادي بعض من الخبرات التي أكتسبتها. وما اتمناه هو ان يرى العراقيون بساطة الأهوار وجمالها, وان يقدروا أنهم أبناء بلاد سومر … وأتمنى لو ان العراقيين يكونون أخوة بعضهم لبعض مثل ما يحتضن الأمريكان بعضهم البعض على أختلاف جنسياتهم واديانهم.

 أنا أحب بلدي الولايات المتحدة ووطني العراق. وأريد ان أعزز روابط الصداقة بين البلدين، ولا أريدها أن تضعف كما أعلن من قبل الأسلاميين المتشددين. كما أود ان يتوقف الشباب العراقي والعراقيون على أختلاف مذاهبهم من الحديث عن الخلافات الطائفية وأن يتحدثوا بما هو مهم لصالح العراق ودول الجوار والبشرية.

 -- في الختام اطلب منكم ان تشاركنا بمعلومة خاصة او حادثة طريفة تذكرنا بجمالية الاهوار أو خصوصية طبيعتها وطيبة سكانها.

 أذكر في عام 2003 كان هناك أجتماع بسيط للصيادين في هور العودة في ميسان. حيث شاهدت أحد الصيادين يستخدم الصعقات الكهربائية في صيد الاسماك في الأهوار المعادة حديثا. فقلت له وأن هذا النوع من الصيد يقتل الاسماك الصغيرة والكبيرة على سواء. وقلت له أن هذا غير جائز كيف تقتل الأسماك الصغيرة. قال (وهو يتطلع ألي من رأسي الى اصبع قدمي) أأنت من خارج البلاد؟ أليس كذلك؟… فقلت لماذا؟ (كنت مرتديا ملابس محلية) فقال : يبدو أنك قد تناولت الطعام جيدا وأن بياض عينيك واضح جدا, ثم قال:يا عم ماذا أفعل لأطعم أبنائي الجائعيين الأن. لقد خجلت مما قلته، فمن أنا لأحكم عليه؟ كنت أعيش في منفى مريح، بينما عانى هؤلاء الناس فهم يشربون المياه الملوثة المالحة. انا أستطيع أن أشتري تذكرة سفر لكن هؤلاء لا يستطيعون تحمل شراء وجبة طعام. ومنذ ذلك الحين ، لم أعد أحكم على أحد وأن أكن الأحترام الشديد للصغير والكبير من عرب الأهوار و أفتخر بكوني (معيدي).

 د.علوش، ذكرت لنا بأنك تعمل سبعة عشرساعة فى اليوم ولايام متتالية. ولهذا لك مني ومن كادر العراقي واعضائه وقرائه جزيل الشكر والتقدير ونتمنى لك النجاح الدائم في حياتك الشخصيه والعملية

 شكرا لك. اقول ببساطة أنك لن تحيا حياة مناسبة ألا أذا كان لديك عمل فعال .وقتي يمر بسرعة حيث أني لا أشعر به .هناك دائما شيء أفعله كما أفعل الأن بالجلوس في صالة المطار والأجابة على أسئلتكم.

 آمل اني لم أطل عليك

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com