لقاءات

 

حوار مع الكاتب والاديب محمد الكاظم

 

 

حاوره: غفار عفراوي

  القصة القصيرة اكتشاف وليست إختبارا للتشريح يجب ان أتسلح قبل دخوله بالمبضع والسكاكين ومحلول التعقيم،  *أكره "حمد" الذي يشم رائحة القهوة في القطارات المسائية المحملة بالجنود،واكره "الريل" المحمل بالدبابات  

*لو كان علي بن طاووس حيا لأفتى بوجوب الهجرة الى كندا 

*وزارة الثقافة صالون بغدادي وكبار مسؤوليها ليسوا أكثر من متعهدي حفلات 

*فليترك السياب شناشيل ابنة الجلبي ويقوم بتدريب فريق الزورخانه

 *ماهذا البلد الذي يفكر فيه الجميع بمناطق ماتحت الحزام

 محمد الكاظم ،كاتب وأديب واعلامي ،بدأ الكتابة في الثمانينيات ،ونشر اعماله في عدد من الصحف والمجلات العربية،

يكتب القصة القصيرة ،وله اهتمامات في مجال الفكر والنقد الثقافي ، يعمل في مجال الاعلام حاصل على تسع جوائز ادبية منذ العام 2003 وحتى الآن وهي:

 جائزة الشارقة للأبداع العربي 2009 عن مجموعته القصصية 12/9

جائزة دبي الثقافية 2007 عن مجموعته القصصية طواسين زرقاء

جائزة الديوان الثقافي 2008عن مجموعته القصصية جنطائيل

جائزة الملتقى الثقافي العراقي الاول

جائزة عزيز السيد جاسم

جائزة أور الثقافية

جائزة القصة والنقد في الاتحاد العام للادباء والكتاب

جائزة سماء واحدة في الدنمارك

جائزة مسابقة الجامعة الأمريكية 

جائزة القاهرة للسرديات المعاصرة

واجهته بما يدور ودار في بالي وما يختلج في نفوس الكثير من القصصاصين والادباء والاعلاميين الذين يرون كيف يحصد هذا المبدع الجوائز بلا كلل او ملل وكانه ماكنة حصد الجوائز ويتسائلون لماذا هذا التهميش وهذا التناسي من قبل الجهات الحكومية وكذلك الادبية والثقافية داخل العراق!!

وسالته السؤال التقليدي لانني اريد اخبار الشباب كيف وصل الى ما وصل اليه :

 ابو زيد الهلالي والجرافة

 س/هل يمكن أن تلقي لنا بعض الضوء على تجربتك وكيف كانت البدايات بالنسبة اليك

 بدأت شاعرا كما يبدأ العراقيون جميعا بتهجي العالم المحيط بهم من خلال الكلمات التي تملأ وجدانهم بالسحر، ليس هذا غريبا فأجدادنا هم من أخترع الكتابة وأول من دوّن الشعر، ولابد أن تحمل جيناتنا جزءا من ولعهم بالحرف وهوسهم بالأساطير ورغبتهم بالخلق.

والبداية تقودني دائما إلى نصف نسخة  قديمة لتغريبة بني هلال كان احد أقاربي يحتفظ بها ككتاب ديني لمجرد أن أوراقها كانت صفراء مهترئة فالرجل لم يكن يعرف القراءة والكتابة وكان يحتفظ بالسيرة الهلالية "للبركة"، كانت أوراقها المتناثرة أول قراءاتي، وكنت مع أصدقائي نقضي الظهيرة في تمثيل مانتخيله من إحداث السيرة الهلالية، ومغامرات فرسانها في حديقة منزلنا الذي جرفته وهدمته فيما بعد آليات الحكومة التي لم تحفل ببطولات أبي زيد ولابقراءاتي الطفولية ولا بحلم أسرة بان يكون لها بيت وحديقة. كنت اصنع سيوفا ورماحا من جريد النخل واغصان أشجار السدر التي صارت فيما بعد علكة في فم الجرافات . فأختنقت في رئتي  نسمة الحرية التي كنت أتلمسها في انفاس أبطال الصحراء.

من هذا الدرس تعلمت ان ابا زيد الهلالي لايمكن ان يولد في زمن فيه بنادق وحبال مشنقة وجرافات مجنزرة وطغاة لايحبون النخيل.

ولدت في زمن برزخي كانت أغاني السبعينات وافلامها وكتاباتها تصنع منه زمنا آخر مختلفا عن زمن فقير كنا نعيشه دون ان نعي اننا فقراء 

كانت نجاة الصغيرة وعبد الحليم إيقونات حسية وروحية مثلما كان حسين نعمة وكوكب حمزة ومحمد جواد أموري وسعدون جابر وقحطان العطار ،لكن هذه الأيقونات تضائل وهجها مع ظهور أول مارش عسكري بثته إذاعة بغداد مطلع الثمانينات،وانطفأ وهجها مع إلتماع أول نوط شجاعة، ولف الضياع مراسيم العشق مع أول إطلالة لبذاءة المراسيم العسكرية ،

ولدت في زمن انتقالي بين طلاء الأضافر والروج الشمعي وبين اللافتات السوداء المكتوبة باللون ابيض التي تعلن عن مغادرة فرد آخر من هذا الوطن الى فضاءات الله ، 

الكاتب الذي يكره الهيل 

س/ كيف بدأت علاقتك بالكتابة

ولدت أدبيا بين بقايا عطر التيروز ورائحة البارود والدم المتخثر التي بدأت تتسلل الى الرئة،

وتفتحت ذائقتي في المسافة الفاصلة بين (قوم انثر الهيل) وبين (يمه البارود من أشتمه ريحة هيل)

فكرهت الهيل من يومها ،وكرهت حتى "حمد" الذي يشم رائحة الهيل في القطارات المسائية التي لاتحمل سوى الجنود الذاهبين الى الحرب.وكرهت "دق القهوة" التي لم تعد تصب الا للذين يلبسون الزيتوني.وكرهت "الريل" المحمل طول الوقت بالدبابات

اول رواية اقرؤها جعلتني اشكر الله كثيرا لأن في العالم هذا الكم من الكتب الكافية للهروب من البشاعة المحيطة بنا، والتي تترصد برائتنا وتحاصرنا

وتصورت ان الكّتاب والمؤلفين هم كائنات قريبة من الآلهة، وابتدع ذهني السومري حكايات عن أدباء وفنانين يحّلقون في السماء السابعة مثل آنو وإنكي وشمش لينظروا الى العالم ثم يكتبوا عنه، ولم اتوقع للحظة ان اكون في يوم من الأيام كاتبا، كان المهم عندي الا أكون جنديا.

في بداية الثمانينيات كان هناك لونان فقط  الأسود ،والخاكي

أجواء الحرب لم تتح لنا التعرف على المزيد من الالوان كان كل شي خاكيا تقريبا المقرات الحكومية ،والسيارت العسكرية ،الثياب ،محطات البنزين ،

صهاريج الوقود كانت تصبغ بلون صحراوي مبقع باخضر ترابي فتبدو مثل ضفادع سمينة توشك على الولادة ،

بالفعل اصبح الزمن التالي زمن النقيق ، فمن البيانات العسكرية الى قصائد المديح، الى بحة اصوات الشعراء الشعبيين الذين يهللون للحرب الى نشيد (ياقاع ترابك كافوري عل الساتر هلهل شاجوري ) ثم تبالس كتاب الاغاني وملحنوها ومغنوها ليجعلوها اكثر وقعا ودغدغة للمشاعر "هذا العراقي من يحب  يفنى ولا عايل يمس محبوبته..  إحنا مشينا للحرب"

"هي يااهل العمارة... هاي اجمل بشارة." وكان الكل يردح في هذا العراق  من ساسته الى ادباءه الى شيوخ عشائرة. والكل يهز عجيزته من أجل نصر لم يأت. من عبد الرزاق عبد الواحد وحتى سعدية الزيدي مرورا بفلاح عسكر وهادي العكاشي

ثم اخذوا يقسمون بالعباس ((لا والله والعباس.. نوكع زلم فوق الزلم لمن يشيب الراس ..هلقاع ماتنداس ) مستفزين حتى أيماننا بأن العباس خط احمر لايمكن القسم به كذبا.

 

وفي الإعدادية جاء مدرس اسمه زيدان حمود يرتدي بنطلونا اخضر غير مألوف  لم تستسغه ذائقة الجميع لأن الثمانينيات بدأت تصبغ بالسواد كل شيء ،فقد كنا نحب الملابس السوداء، لكن مدرسا منتدبا شابا أصر ان يسير ببنطلونه الذي ينتمي لحقبه نجاة الصغيرة وعبد الحليم مستفزا شغفنا باللون الأسود الضاري

قالوا لي انه كاتب قصة،فأيقنت عندها ان الكتاب يمكن ان يكونوا بشرا، ويمكن ان يهربوا من الحرب تحت غطاء انتدابهم للتدريس،ويمكن ان يكون ذوقهم في اختيار الملابس سيئا،أي إنهم مثلنا تماما،

الأمر الذي جعلني أكثر جرأة على الكتابة متجاوزا ذكرياتي السيئة معها، فقد كان أول درس إنشاء اكتبه في المرحلة الابتدائية يساوي عندي  أول عقوبة احصل عليها من معلمي الحاج هادي بكوري بعد أن اتهمني بنقل الإنشاء من الصحيفة،لأنه لم يقتنع بأني أنا من كتب ذلك الإنشاء الذي لم أعرف انه جيد الا بعد ان تلقيت تلك العقوبة.

وأول مقال نشر لي في مجلة كانت تصدر في لندن كان يعني وقوفي أمام أول ضابط أمن أراه في حياتي، رغم ان المقال كان يتناول ابا ذر الغفاري، وليس قلب نظام الحكم في العراق.

فهربت الى الشعر،بعد ان ورطني الأديب ماجد كاظم علي بحرفة الأدب إذ كان تعليقه على قصائدي الأولى التي اكتبها إنها أفضل من قصائد الذين ينشرون في الصحف في وقتها، فراقت الفكرة لشاب لم يجد بعدا مايفعله بحياته، فأصبحت ماأنا عليه

قرأت في تلك الفترة الحلاج، والبسطامي، وعروة بن الورد،  ونيرودا  ولوركا ومظفر النواب، لأهرب من زعيق شعراء المربد الذين يأتون من العواصم العربية ليمدحوا الطاغية، وقرأت محمد باقر الصدر لأهرب من أبالسة القلم الذين تركوا كل شيء وأخذوا يمجدون الدم والطغيان ويتغزلون بشوارب القائد. ومطابع الحكومة تملأ الشوارع والعقول بإستهتارهم بالانسان والحقيقة ، فغرقت في أصول الكافي ومن لايحظره الفقيه وطوق الحمامة ويتيمة الدهر والعقد الفريد وبحار الأنوار وغصت في كتب التراث كي أنسى الحاضر الذي أخذت تقضمه المدافع النمساوية عيار 106 ملم.

الكنطرة بعيدة

 س/كيف انتقلت من الشعر الى كتابة القصة القصيرة

بعد سبع مخطوطات لدواوين شعرية، شعرت بضيق الشعر فهاجرت الى القصة القصيرة، ببساطة ودون إستئذان. وحين وجدت ان قصصي القصيرة لايمكن نشرها والنظام السابق موجود لذت بالرسم فخانتني الموهبة، فدخلت عالم الرواية  ودفنت فيها حلمي بسماوات مختلفة فأنجزت روايتين غير منشورتين حتى الان ، وحين حدثت انتفاضة 1991 ولم يسقط النظام أصبح الحمل ثقيلا فلجأت الى أحضان الغربة. وطوال مئات الكيلومترات التي تفصلني عن أقرب عاصمة كنت صامتا، ولم اردد سوى كلمتين قالهما كوكب حمزة وإختفى " الكنطرة بعيدة ..الكنطرة بعيدة..الكنطرة بعيدة.."

ولم اعد إلى كتابة المقال الا بعد خروجي من العراق في التسعينيات،حاملا معي قميصا وعلبه سجائر وكومة أوراق هي مخطوطات كتبي التي تناثر جزء كبير منها في غرف الشتات العراقي الكبير.

 الشتات الكبير وفتوى بن طاووس

 س/حدثنا عن تجربة السفر والغربة والوطن والكتابة

إثني عشر بلدا حملت حقائبي اليها برغبة مني احيانا وبدون رغبة أحيانا اخرى،كان الوطن يرافقني فيها مثل عيون أمي ، لكن ليس الوطن الذي تركته يرتدي ثياب الخاكي، ويتناول البارود والبيانات العسكرية على الفطور، ويأكل  لحم الموتى على الغداء. ويحلّي بالتوابيت المدماة.

كنت اكره الوطن الذي يلبس الثياب المرقطة، ويعاقب أبناءه على جريمة الكلام، ويتعامل مع حفنه الفاصولياء التي توزعها مراكز التموين على إنها منحة حكومية في بلد تتجشأ أرضة نفطا ومعادن وقمحا وبرتقال .

في غرف الغربة كنت احلم بوطن مختلف، وكنت انتظر يوما أصحو فيه على خبر الخلاص، لكن الانتظار طال وتعددت غرف الغربة وتكاثرت أوجه الغرباء

يساريين ودعاة وقوميين ،شعراء وفنانين ومهربي بشر، حركيين وإنقلابين وتوفيقين وباحثين عن سكن رخيص أو عقد عمل ، منظرين وثوريين وصدريين ومجلسيين وملكيين وبعثيين وتجار وأفاقين وعشاق صغار.كل هؤلاء كان يربطهم حلم بغد مختلف.

عملت في مجال الأعلام والتدريس، و تنقلت بين أكثر من عشرين مجلة وصحيفة ووكالة إنباء ومحطة فضائية،

عدت منها بالكثير لأقدمه لهذا الوطن، الذي عدت إليه مع أول بوادر التغيير،وفي ذهني صورة لعراق أجمل نحتفظ فيه باللوحات الفنية والكتب في منازلنا،  بدل أن نحتفظ فيه ببنادق البرنو، وعلى شفتي أمنية بان يلهو الأطفال بالدمى لا ببقايا الألغام وخراطيش الرصاص الفارغة، ويقضي فيه شبابنا الوقت في العمل المثمر، بدلا عن لهوهم بقاذفات الستريللا وقنابل السي فور  وبدلا عن شتمهم  آبائهم لأنهم ولدوا في العراق وليس في النرويج او الدنمارك.

 كل مكان أزوره يملؤني حرقة على حال الوطن ،وحال أهلي الذين يزدحمون إمام شبابيك دائرة التقاعد ويفترشون الأرض في سوق هرج ،ويحلمون بوظيفه ،ومبردة وأمبير كهرباء، وحبة رقي وطنية حمراء على السكين ،

أهلي الذين  يتحدثون عن المحسوبية والفساد بالسر،ويعربدون إمام الفضائيات كهرباء ماكو نفط ماكو غاز ماكو ماء ماكو

 ويبلعون الأمواس كل يوم فلا هم قادرون على القول ان الماضي كان أحسن فليس فيه حرية، ولاهم قادرون على القول ان الحاضر أحسن فليس فيه امان ،

ولاهم قادرون على القول بأن بقاء المحتل افضل فكل يوم يقتل المحتل خيرة شبابنا ويسجن منهم مايشاء، ولاهم قادرون على القول ان خروج المحتل هو أفضل، في ظل الخوف من ان يأكل قابيل اخاه وزوجته وأطفاله،ويتوضأ بدمه ليرضى عنه "بن جبرين"،

 وفي ظل الخوف من ان يحمل هابيل عياله في شاحنة ويفر الى مدينة اخرى بعد ان يرسل له قابيل رسالة تهديد.

في العراق الآن سيدوخ الف شيخ مثل رضي الدين علي بن طاووس  وسيحل عمامته وينظم الى خليل زاد وبريمر والأخضر الإبراهيمي وبن حلي وعمرو موسى و ديمستورا ويرمي منديل الإستسلام مع الذين دوّخهم العراقيون باستفتاءاتهم المحيرة 

هل الكافر العادل أفضل ام المسلم الظالم

هل المسلم الديكتاتورالذي يوفر الأمن في الشارع أفضل ،ام المسلم الديمقراطي الذي لايستطيع توفر 60 دقيقة متواصلة من الكهرباء.

هل إن الذي يتعامل مع رعاياه بالتيزاب والخردل،افضل ،ام الذي يتعامل معهم بالأهمال وقصر وظائف هذا الوطن الكبيرعلى المقربين منه .

هل الطاغية الذي يتوعدنا ازلامه كل يوم حتى وهم خارج السلطة بالويل والثبور، افضل، ام الحاكم المتدين الذي يختلس محاسيبه قوتنا ويخلطون لنا شاي التموين بنشارة الخشب،

 هل الذين يريدون العودة للسلطة بالسيارات المفخخة وأشرطة الذبح المصورة وقنابل السي فور أفضل ،ام الذين يردون البقاء في السلطة ولم يقدموا لنا غير وصلات صراع الديوك التلفزيونية، والسمن النباتي الذي يجمد على وجه المرق.

هل الديمقراطية التي جعلتنا اكثر الشعوب سياسيين واقلها عملا ، هي افضل ، ام الديكتاتورية التي ننهي حربا على يديها لندخل حربا أخرى

هل إجبار مفكري هذه الأمة ومثقفيها على ارتداء زي الحرب افضل، ام السماح لجهلتها بالوصول الى ارفع المناصب.

هل الجزار أفضل، ام الضحية التي تقلد جزارها،   

 لوكان علي بن طاووس رحمة الله عليه حيا حتى اليوم لأفتى بالرحيل الى كندا على الأحوط وجوبا. ولأعاد كتابة رسالته العملية من جديد

ولأنتج لنا فقها جديدا، وجيلا جديدا من الفقهاء والساسة والإداريين الذين يجيدون فقه الواقع وفقه الأولويات أكثر من إجادتهم لفقه التنظير والينبغيات

 

تجربتي في الكتابة محاولة لمجاراة حرقة اهلي والناس الذين احبهم، ومحاولة لقول كلمة حق ومحاولة لتصحيح المسار، وتذكيرا بحق الجميع في الإنصاف والعدالة الأجتماعية ، وحفاظا على مادفعنا من اجله من دمائنا وحريتنا وغربتنا.

الكتابة هبة من السماء، ومحاولة للدفاع عن حقي وحق الآخرين في الحياة. وطريقة لبناء مستقبل مختلف .هكذا انظر اليها. 

أنا مجرد اديب ولست رجل أدب

 * هل هناك فرق بين القصة القديمة والقصة الجديدة ؟

لست معنيا بدرجة كبيرة برصد الإختلافات بين طوفان القصص التي تدرها هذه البلاد التي تعتاش على المزيد من القصص والمزيد من الشعر،

ولست معنيا بتحقيب الأبداع، او تقطيعه كما تقطع الأضاحي لتوزع على الجيران، كل ما يهمني هو العمل على تجربتي الخاصة.

مرة سأل احد الصحفيين المولعين بالكلمات الكبيرة الكاتب وليم فوكنر عقب صدور أحدى رواياته عن تيار الوعي والقيم النقدية التي تكرسها الرواية

وكان فوكنر وقتها يحاول زرع بعض المزروعات في أرضه الزراعية فأجاب السائل قائلا (عذرا ايها السيد أنا مجرد أديب ولست رجل أدب ،الا ترى اني مزارع بسيط يهوى الكتابة)،

انا اتعامل مع القصة على انها اكتشاف انساني  لكائنات حية ولا اتعامل معها على انها إختبار للتشريح يجب ان اتسلح قبل ولوجه بالمبضع والسكاكين ومحلول التعقيم،

وأنا أقرأ القصة القصيرة بإعتبارها كشفا إنسانيا شخصيا أطل من خلالها على مشاعر البشر وحالاتهم المختلفة، لا بأعتبارها إمتحانا في الرياضيات تستوجب أن أحمل قبل قرائتها المسطرة والفرجال وشاقول البناء 

ليس الزمن مهما امام القصة الجيدة، وانما هو وعي الزمن ،الكثير من القصص تبقى جيدة رغم مرورعقود على كتابتها، والكثير من القصص المعاصرة لالون لها ولاطعم، والعكس صحيح

 صوت خلف العليان أقوى من صوت الجواهري والسياب

 كيف تنظر الى واقع الثقافة العراقية الآن؟

 للأسف لازال المثقف غير واع بدوره الريادي في قيادة المجتمع ، ومازال غير قادر على اكتشاف بوصلة التغيير،فالمثقف الذي يفترض به أن يرسم الإطار العام الذي تسير فيه كل تفاعلات المجتمع لم ينظر للتغيير الجاري في العراق  بإعتباره خيار أمة، وإنما باعتباره مفهوما جادت به قريحة السياسي

فطغت شحنة السياسة على المجتمع ما تسبب بتحييد الأخير وتقييد قدرته على تغيير  الأوضاع نحو الأفضل، أو في الأقل توفير الزخم الشعبي الذي يتطلبه أي تغيير بهذا الحجم .

فصوت السيد خلف العليان مثلا أقوى من صوت الجواهري والسياب وأعضاء اتحاد كتاب البصرة والناصرية مجتمعين،

وتصريحات السيد صالح المطلق التي يطلقها بمناسبة ودون مناسبة اعلى صوتا من كل قصائد التغزل بالذات التي يتحفنا بها شعراؤنا.بمناسبة ودون مناسبة.

وحظور السيد عباس البياتي في العقل العراقي صار اهم من حظور الشاعر عبد الوهاب البياتي

وفي تقديري لابد من إعادة الحياة الى تفاعلات المجتمع الأخرى ،والثقافة بمفهومها العام هي القادرة على إحداث هذه النقلة ،شريطة ان يتخلى المثقف عن الدور التقليدي الممنوح له باعتباره كائنا جماليا، ينشغل بالشعر ويترك قراءة الواقع وأكتشاف حلول لمشاكله.

 ثم إن إرهاب السلطة والمنحى الديكتاتوري الذي تتجه إليه اغلب الدول العربية ،خلق نوعا من القطيعة بين المثقف والواقع ،

كما جعلت إشكاليات المجتمع الثقافية والدينية والقيمية من المثقف محلقا في عالمية مظلله فترك معالجة مشاكل المجتمع وأدمن الحديث في المشكلات الابستولوجية والتفكيكية والبنوية

وشكلت هذه الاهتمامات قطيعة بين المثقف وبين السياسة وبين المثقف وبين المجتمع وفقدنا الحلقة الرابطة بين الجمهور وبين مؤسسة الحكم نتيجة لعجز المثقف عن فهم الآليات المحركة للسلطة وللمجتمع لانشغاله باهتمامات اخرى هي الثقافة العالمية التي قد تكون منشغلة بانشغالات تجاوزت مايفترض ان ينشغل به المثقف المحلي

فنحن ننشغل بالحداثة ونحاول الخروج من صدمتها  في وقت تجاوز الغرب فكرة مابعد الحداثة .

وحتى عندما حاول بعض المثقفين المشاركة في عملية التغيير الحاصل في العراق بعد ابريل 2003 تركوا أدواتهم الثقافية التغييرية وإستخدموا أدوات السياسي، ففشل بعضهم فيما تحول بعضهم الآخر الى سياسيين اقحاح.وأصبحوا ابعد الناس عن الثقافة

لكل ذلك نرى إن مساحات الاشتغال الثقافي لاتزال هلامية وغير واضحة المعالم ماأدى الى تخوف الكثيرين من المغامرة باكتشاف مناطق جديدة خشية التضاد مع مكونات المشهد العرقي والطائفي والسياسي

وأنا أقول بصراحة اذا لم يتكون لدينا فكر منفتح يتعاطى مع الاشكالات المعاصرة بنوع من الاهتمام لن تكون لدينا سياسة منفتحة ولا مجتمع متفتح،

أقولها بكل وضوح وصراحه المثقف العراقي مطالب الآن بخلع ثياب المناسبات التي يرتديها ويحتاج الى الخروج من أسلوب العمل الذي يشبه أسلوب الصالونات الثقافية، ويحتاج الى العمل على صنع ثقافة جديدة متماشية مع التطور العالمي عبر آليات عمل ثقافي جديدة ، ثقافة تقرأ بواقعية الهزات التي طالت العراق والعالم

 السياسي هو نتاج بيئة ثقافية، وشكل ثقافي ينتجه المجتمع

 هل هذا الكلام يدور في أطار ماتحدثت عنه قبل فترة في محاضرة أسمتها سلطة الثقافة وثقافة السلطة

سلطة الثقافة التي أعنيها هنا هي  تحويل الثقافة الى عنصر ضاغط يساهم في رسم معالم الحكم وتحديد منهجيات الفكر السياسي .فالمجتمع العراقي برمته يدفع ثمن تجاهل المثقف لدوره ،

فأنحدار الثقافة في بلد من البلدان يقود الى شيوع منطق متطرف، وتردي الواقع الثقافي يؤدي الى ارتفاع الاصوات المتشددة وسيخلق الديكتاتورية، ويخلق الطائفية في ظل عدم وجود منطق التعايش والحوار الذي تؤسس له ،وتردي الواقع الثقافي سيخلق العنف في ظل عدم وجود قيم انسانية تكرسها الثقافة،فمن الواضح جدا ان هناك سطوة للسياسي على ذهنية المجتمع ،ومن الواضح ان العراق يعيش حالة ازاحة للمجتمع تمارسها السياسة ،وهناك الآن طبقة سياسيين وطبقة ماعداهم ،مايؤشر الى انعدام تأثير كل الطبقات الأخرى وسط عجز ثقافي عن هظم المتغير وتحديد بوصلة اتجاهه،وعجز في ايجاد مناخات جديدة للعمل الثقافي ، والمثقف العراقي لايزال عاجزا عن ايجاد البوصلة التي تتحكم بمنطلقات التغيير وعاجز عن رسم الشكل الثقافي للسياسي

ويحتاج المثقف العراقي الى الخروج من عباءة السياسي بل واجبار صناع القرار على ايجاد التشريعات والتمويل الكافي لكل المشاريع الثقافية التي تساهم في التنمية الثقافية،

وعلى المثقف ان يعي ان دورة هو دور رئيسي في بناء البلاد وتقدمها عبر تطويره للوعي العام وايجاد المناخات والقيم التي تحرك المشهد برمته ،

وعليه ان يعي ان دوره هو دور مشارك في صنع العملية السياسية ،فالسياسة بمجملها هي صناعة ثقافية ،والسياسي هو منتج ثقافي

 فالسياسي هو نتاج بيئة ثقافية وشكل ثقافي ينتجه المجتمع

فالسياسي الفاسد ،والمتسلط ،والفاشل هو نتيجة لوجود بيئة ثقافية فاسدة ومستبدة ،وفوضوية

والتركيز على نقد الواقع نقدا بناءا مصححا في العراق بالاستفادة من مساحة الحرية الممنوحة هو اعادة لبناء جسور الثقة بين المثقف والواقع، وإثراء لتجربة التغيير وتصحيح لمسار الديمقراطية في البلاد.

 

نصوصي القصصية لايمكن أن تكتب في غير العراق الجديد 

 ماذا يمثل لك فوزك بعدد من الجوائز الأدبية المهمة منذ العام 2003 وحتى الآن ،آخرها جائزة الشارقة للابداع العربي ؟ وقبلها جائزة دبي

المشاركة في جائزة الشارقة كانت لأجل فتح مساحات جديدة أتحرك فيها إبداعيا ،فمن الواضح ان الحياة الثقافية في العراق تعاني من ركود شبه تام على مستوى الفعاليات الحقيقية المؤثرة، يقابلها منجز كبير لدى غالبية الأدباء العراقيين ينتظر أن يرى النور، خصوصا لدى أبناء الجنوب الذين مازالوا يعانون من سيطرة فكرة المركز والإطراف على ذهن صانع القرار الثقافي، وللأسف فأن المؤسسة الرسمية والمؤسسات المعنية بالثقافة والإعلام،  والفعاليات الأخرى من رجال إعمال ومؤسسات مجتمع مدني لم تساهم بدورها في تحريك عجلة الثقافة ودعمها وأكتفت منها بالجانب الاستعراضي الشبيه بثقافة الصالونات دون ان تفكر في علاقة الثقافة بالمجتمع،

حينما صدر اعلان جائزة الشارقة وفيه أسمي  شعرت بالفخر الشديد ،ليس لفوزي فقط وانما لأنني شعرت بأن العراق الذي تكالب عليه الجميع أستطاع ان ينهض من رماده ويحقق انجازات كبيرة على المستوى العربي

أضف الى ذلك أني وجدت ان من مسؤوليتي تجاه بلدي وأهلي في العراق أن اشرح بحماس وجهه نظر العراقيين في التغيير الكبير الذي طرأ على حياتهم ،وأؤكد إن نهر الإبداع العراقي لاينضب رغم كل مايحيط به من بشاعة.

حاولت ان أوصل الى المثقفين العرب الذين إلتقيتهم  إن مساحة الحرية التي يتمتع بها الكاتب العراقي أصبحت اكبر بكثير مما مضى ،وتفوق كثيرا تلك المساحة الممنوحة للكاتب في أية دولة عربية ،والدليل هو فوز خمسة من الكتاب العراقيين بجائزة الشارقة وقبلها فوز سبعة من الأدباء بجائزة دبي، اضافة الى عدد لايستهان به من الجوائز الاخرى في الثقافة والأعلام والفن،

وإن ظاهرة الفوز العراقي المتكرر في الجوائز الإبداعية العربية خصوصا بعد التغيير الذي شهده العراق هو دليل عافية ودليل على حب العراقيين للحياة وقدرتهم على تجاوز المحن،وإن الأنسان العراقي الآن بدأ يتعافى من عقود الديكتاتورية، وإنه بدأ يمارس حقه في الانتخاب والعمل السياسي  وفي الكتابة والنشر وإبداء الرأي،

لذلك أدعو الجهات التي تتحدث عن  فرض المزيد من القيود على الكتاب والجريدة والمطبوع ومواقع الانترنت تحت شعار الحفاظ على الأمن القومي الى الكف عن هذه الحماقات الثقافية

وعن مجموعتي الفائزة تحدثت لجميع المثقفين العرب الذين حظروا حفل توزيع الجوائز في امارة الشارقة انني  كتبت نصوصا قصصية لايمكن ان تكتب في بلد غير العراق الجديد.

وماأثار دهشتي  إن صورة  العراق في أذهان المثقفين العرب لاتزال محكومة بقراءات خاطئة مستقاة من الإعلام المظلل ومن المواقف الرسمية  العربية تجاه العراق، الأمر الذي جعلني اتساءل عن دور سفاراتنا وملحقياتنا الثقافية وقنواتنا الدبلوماسية، ووسائل الإعلام الممولة من الدولة ،ومؤسساتنا الثقافية واتساءل عن جدوى ماتقوم به وزارة الثقافة العراقية ووزارة الخارجية وبقية المؤسسات المعنية برسم صورة العراق المشرقة أمام العالم. .

ودعني أقول لك بكل صراحة إن حالة الصدود الثقافي والإعلامي الرسمي العربي وبالتالي الصدود الشعبي نتحمل نحن كعراقيين  جزءا من مسؤوليته فنحن انشغلنا بخلافاتنا الداخلية ونسينا العمل على تحسين صورة تجربتنا الحديثة امام الآخر العربي والأسلامي والدولي،واخترنا من الأشخاص المتواضعي القدرات في الثقافة والاعلام ليكونوا عرّابين ونماذج لتجربة ثقافة مابعد سقوط الصنم،

وأنا ادعو لمراجعة خطابنا الموجه تجاه الآخر، كما أدعو لأختيار الأشخاص القادرين على نقل صورة التجربة العراقية المعاصرة بدقه وبشعور بالمسؤولية. وادعو لوضع شرط( وعي المرحلة) كشرط عند اختيار أي مسؤول حكومي عالي المستوى،  أضافة الى شروط القدرة والكفاءه والمؤهل العلمي ونظافة اليد ،لأن هناك من المسؤلين الحكوميين من يغرد خارج السرب، وبعضهم يجر العجلة الى الوراء، وأشعر احيانا ان بعض هؤلاء لاينتمي لمرحلة التغيير الكبير الذي يعيشه العراق، مايعكس صورة سلبية تهدد مشروع بناء الدولة الذي ليس لنا من خيار سوى المضي فيه قدما بعد وقوف الكل ضدنا.

 الموازين المقلوبة

قلت مرة ان الموازين الثقافية في بلادنا لاتزال مقلوبة،وقلت ان الدولة بمجملها تنظر الى اقدام اللاعبين اكثر من عقول المفكرين

 ببساطة علينا ياصديقي ان نفهم المعادلة التالية ، العراق يعيش الآن مرحلة تحول ،والسياسة هي التي تحركه  وترسم مناخاته وسط غياب لدور المثقف ،واي تغيير سياسي لابد ان يرافقه تغيير ثقافي من اجل ترسيخ التغيير وقيمه في الوعي الجمعي وهذا لم يحصل لدينا في العراق، لسبب بسيط هي ان السياسي يحمل صورة سلبية عن الثقافة بأعتبارها تمثل كتابة الشعر وغيره من الفنون الأبداعية ،والكارثة الكبرى تكمن في ان كثيرا من المثقفين مازالوا يحملون نفس الفهم للثقافة،وهذا الامر يفقدنا فرصة كبيرة لأحداث التغيير الأجتماعي 

وطبيعة المرحلة الانتقالية التي نعيشها، ولوازم صندوق الاقتراع وضغط التجارب الانتخابية على العقل السياسي العراقي المعاصر جعله يتجه الى ماهو شعبوي ، في ظل وجود (شكل) نخبوي للثقافة لم نستطع نحن كمثقفين كسر نمطيته، وفي ظل فشل السياسي في تفكيك هذا الشكل النخبوي للثقافة والتعامل معه وفق احتياجات المجتمع

وكمصاديق لهذا الكلام دعني اقول ان من الغريب ان توفر الحكومة الدعم والمعسكرات التدريبية والسفرات والأنفاق الكبير لفرق رياضية تمارس ألعابا لايعرف أحد ماهيتها، ولاتوفر الدعم العادل للمنجز الثقافي الذي ينمي انسانية المواطن العراقي وينمي وجدانه بدلا عن تنمية عضلاته.

قبل فترة بث التلفزيون تقريرا عن مشاركة فريق للعبة اسمها مواي تاي هي نوع من رياضات الركل والرفس في بطولة دولية تقتضي سفرا وتذاكر وطائرات وفنادق ،وانا متأكد من ان وزير الرياضة والشباب شخصيا لايعرف هذه اللعبة فضلا عمن يمارسها،

وهناك فرق للبيسبول ، وكرةالماء، والتنس،والبولينغ،والكيك بوكسنك، وحتى فريق الزورخانه له مشاركات خارجية تنفق عليها الالاف الدولارات بينما نحن نلغي مهرجان الحبوبي لعدم وجود التمويل، ومهرجان المربد يتضائل عاما بعد عام حتى اصبح مثل العليل الذي يحتاج لمن يطلق عليه رصاصة الرحمة ويلغيه ،نتيجة لنقص التمويل بينما يشارك العراق بوفد قوامه 56 فردا في دورة دورة رياضية "غير معترف بها" اقيمت في مصر للعبة  "غير معروفة" اسمها الكرة العابرة ،وطبعا المشاركون كلفوا الدولة الاف الدولارات من اجل يتنافسوا مع مصر وجزر القمر،

 لو كان الحبوبي حيا لنصحته بأن يخلع عمامته ويلعب المواي تاي 

ولو كان السياب حيا لنصحته بأن يترك شناشيل ابنه الجلبي ويبحث له عن وظيفه في وزارة الشباب والرياضة لعله يصبح مدربا لفريق الزورخانه أو هوكي الجليد

ولو كان الجواهري حيا لنصحته بأن يترك التغزل بدجلة الخير ويبدأ بالتغزل بالمنتخب لينافس المطربة دالي.

 خصخصة محمد باقر الصدر،وتأميم هوار الملا محمد

 س/ البعض تعتقد ان للرياضة اهميتها ايضا فلماذا تعارض ذلك

 نعم للرياضة أهميتها التي لاانكرها ،لكن حينما يزيد الاهتمام عن حده بمقابل اهمال فعاليات  اخرى افهم ان هناك شيئا خاطئا في إدارة الدولة، ومحاولة لتسييس الرياضة،على غرار ماكان يفعل الطاغية

الحكومة تهتم ببناء الأجسام ولاتهتم ببناء العقول، فضلا عن بناء المنازل

وتهتم برفع الأثقال، ولاتهتم برفع الحيف عن المفكرين، فضلا عن رفع مستوى الخدمات

وتهتم بقفز الموانع ولاتهتم بقفز المراحل التي يحتاجها بناء العراق،فضلا عن القفز نحو المستقبل

وتهتم بكرة السلة ولاتهتم بالسلة الغذائية، حتى أخذ البعض يطالب بالسلة القديمة بعد ان كره العنب والديمقراطية

وتهتم بالبينغ بونغ اكثر من اهتمامها بالفكر ، ربما لان هذه الرياضة تتناسب مع أجواء بينغ بونغ التصريحات التي تتبادها الكتل السياسية

الحكومة تريد ان تبني متحفا لعمو بابا، وتسمي شارعا بأسم جمّولي، ولاتعيد طبع كتب علي الوردي ولاتهتم بتراث هادي العلوي او أحمد الوائلي او عالم سبيط النيلي او غيرهم

واكتفت بتطبيقها الخصخصة الثقافية على الرموز الفكرية والسياسية والاجتماعية في البلاد فأصبح باقر الصدر من حصة الدعاة ،ومحمد صادق الصدر من حصة الصدريين، وباقر الحكيم من حصة المجلس الاعلى،وفهد وسلام عادل من حصة الشيوعيين ، والملا مصطفى وعبدالله كوران من حصة الكرد، وعبد العزيز البدري من حصة الاخوان، كأن هؤلاء ليسوا رموزا وطنية. وكأن على كل جهة ان تهتم برموزها. اما الدولة فأنها تهتم بيونس محمود وعلي رحيمة .وتكتفي بتأميم هوار الملا محمد وكرار جاسم.

أنا شخصيا احب مشاهدة كرة القدم لكني حينما ارى هذا الانفاق غير المبرر على الرياضة اشعر ان هناك خطأ ما يحاول صانع القرار اخفاءه، واشعر ان هناك سعيا لتتفيه وتسخيف العقل العراقي، وشغله بحقن مورفين موسمية اسمها المنتخب الوطني.  

فلو اهتممنا ببناء العقل العراقي وبناء نماذج ايجابية عبر احتكاك الكفاءات العلمية والفكرية العراقية بالتجارب العالمية، وتوفير المنح والدورات والملتقيات والزمالات والايفادات الى الخارج سيكون لدينا بعد فترة وجيزة نماذج نوعيه، تستطيع احداث النقلة النوعية في العقل العراقي،اعتمادا على برامج صناعة النموذج الأيجابي، وليس نموذج مشعان الجبوري وايهم السامرائي وحازم الشعلان

اليس هذا افضل من الانفاق على كرة القدم وغيرها ، ولو كانت هناك انجازات حقيقية لكان الأمر مقبولا ،فمنتخباتنا تنتقل من خسارة الى خسارة ومع ذلك تحظى بهذا الأنفاق الغير محدود

بينما يعرف الوسط الثقافي العراقي إن احدى الجوائز العربية المهمة تعرضت لإحراج شديد بعد حصول الأدباء العراقيين على 13 جائزة من جوائز المسابقة الخمسة عشر، ماحدى باللجنة التنظيمية الى تغيير النتائج وإختصار هذا العدد من الفائزين العراقيين الى النصف وتوزيع النصف الآخر على بقية الدول العربية،حفاظا على سمعة الجائزة،وخشية من ان يقال ان العراقيين حصلوا على كل الجوائز

الحكومة مثلا تنفق على كرة القدم ملايين الدولارات ولاتنفق على الثقافة الفتات .

في الوقت الذي نفتقر الى المطبوع الرصين الذي يغزو الدول العربية وينقل تجربتنا على غرار ماتفعله مجلتا  العربي الكويتية  او عالم الفكر،او على غرار ماكانت تفعلة الأداب اللبنانية،ونفتقر الى المسرح الجاد والفيلم الروائي والوثائقي والمسرحية ونحتاج الى الكتاب والمجلة والجريدة التي تصل الى كل مكان معبرة عن تجربتنا، وتأثيرات خروج العقل العراقي من جب الديكتاتورية..

نحن ننفق الملايين على الرياضة بينما كتابنا يطبعون اعمالهم على نفقتهم خوف ان يموتوا دون ان يتركوا اثرا.وافضل مؤلفينا لايحلمون بطباعة اكثر من الف نسخة توزع على الأصدقاء ،

وننفق الملايين ولايوجد لدينا صحف قوية ولافضائيات منافسة، ولا حتى إعلاميين متميزين،

اقولها بصراحة علينا ان نتعلم من الاخرين كيف نعيش ونتعايش

هل فكر احد مثلا ان يرسل مجموعة من الكتاب والأدباء والصحفيين العراقيين لينقلوا تجارب شعوب خرجت من اجواء الحرب وانتصرت على هزائمها كاليابان والمانيا، ونقلها بطريقة يستطيع المجتمع بأكمله تقبلها،

هل فكر احد في ارسال هؤلاء الكتاب الى دول تجاوزت مشاكلها العرقية والطائفية كجنوب افريقيا وفرنسا والمملكة المتحدة وامريكا، من اجل استلهام تجارب تلك الشعوب ونقلها الى العراق

هل فكر أحد في تحفيز قدرة الإنسان العراقي على اكتشاف الحلول الاستثنائية،

هل فكر أحد في التنسيق لأقامة ندوات للمثقفين العراقيين ليتحدثوا عن تجاربهم الإبداعية بعد التغيير في الجامعات والأندية الثقافية الدولية .

 هل فكر احد في اشاعة مفاهيم جديدة في العمل الإداري تخرج بدوائرنا الرسمية ووزارتنا من التخلف الذي تعيشة ،وتخليصها من تراث اداري بيروقراطي يعود بعضه الى زمن الدولة العثمانية،

هل فكر أحد في نقل أرسال الأعلاميين والكتاب الى المؤسسات الاعلامية الدولية الكبيرة لمعرفة كيف تدار هذه المشاريع ، هل فكرنا في أستلهام عدد من المشارع الثقافية المهمة ومحاولة تطبيقها على واقعنا.

هل فكرنا في طرق لكسر حالة التقوقع الثقافي الذي نعيشه ، وكسر الصورة النمطية التي يرسمها الأعلام  العربي لنا، وطرح صورة بديلة للمجتمع العراقي التعددي الدستوري الذي يتمتع بحرية الفكر والنشر والتعبير

هل فكر احد في تطبيقات جديدة لنظريات الأحلال المفاهيمي، والانفاق الثقافي ، والأستثمار في الثقافة والانسان، وميكانيزمات التغيير،والدراسات المستقبيلة ، هذه الجوانب من المعرفة هي جوانب ثقافية، لكنها ليست ثقافة الشعر وانما الثقافة التي تصنع امما وشعوبا معاصرة.

نعم ياصديقي الموازين لاتزال مقلوبة في بلادنا

وصدقني ياعزيزي لو أنفقت الدولة على الثقافة والأعلام انفاقا جيدا وأحسنت إختيارها للأشخاص الذين يتمتعون بالوعي الكافي وبالشعور الكافي بالمسؤولية لادارة مؤسساتنا الثقافية والإعلامية  لمادفعنا هذا العدد الكبير من الضحايا والخسائر على الأصعدة البشرية والمادية والسياسية ،ولوجدت زعماء العرب قبل شعرائها يتغنون ببغداد وبإنجازاتها الحضارية     

الوزارة الصالون

الا يجب ان تهتم وزارة الثقافة بمثل هذه الامور

وزارة الثقافة ليست اكثر من صالون بغدادي يجترح انشطة ثقافية تعود الى زمن منقرض، او متحف للعناية بديناصورات الثقافة الإحتفائية

وأشعر احيانا إن كبار موظفي الوزارة ليسوا اكثر من متعهدي حفلات.

اليس غريبا ومخجلا ان تحاول وزارة الثقافة العراقية  بث رسائل طمئنة الى المحيط الاقليمي عبر الاسابيع الثقافية والملتقيات التي تكلفنا الكثير والتي لاتحوي فعالياتها غير فقرات راقصة وفقرات غنائية على غرار الاسبوع الثقافي العراقي في دمشق وغيره، الذي عاد منه السيد الوزير بأنجاز لم يتجاوز تعهد السوريين بطباعة عشرة كتب للأدباء العراقيين .. تخيلوا عشرة كتب..

لماذا تكون راقصات الفرقة القومية للفنون الشعبية وسكرتيرات المسؤولين في وزارة الثقافة وجه الثقافة العراقية بحيث لايخلو وفد ثقافي منهن. ويغيب المئات من الأدباء والمفكرين من المشاركة في مثل هذه الملتقيات،واين ملتقيات الفكر والابداع والجوائز الثقافية والمطبوعات الرصينة وطباعة الكتب والعرو ض المسرحية ،ام ان الأستقرار الأمني ونجاح العملية السياسية وكتابة الدستور ونجاح المصالحة الوطنية وبناء علاقات حسن الجوار مع المحيط لايمكن ان ينعكس لدى دول الاقليم الا بهز العجيزة العراقية على انغام "خالة يم حسن"

وبصراحة متناهية اقول ان مشكلة الثقافة العراقية تكمن في القائمين عليها، وفي طبيعة فهمهم للمهمات الملقاة على عواتقهم

وأصبح من غير المجدي وغير المفيد تكرار ذريعة  قلة الأموال المخصصة للثقافة،

لأنها اصبحت ضد مسؤولي وزارة الثقافة وليست لهم ،فلو اقتنع صانع القرار في البلاد بجدوى ماتقدمة وزارة الثقافة لجرى تخصيص مبالغ اكبر،

واذا عدت لموضوع كرة القدم فسوف اسأل هل هذه المنح التي تقدم للأندية الرياضية والإنفاق على المنتخب وسفراته من ميزانية وزارة الشباب ام من ميزانيات خاصة ومنح تعطى لدعمهم . 

اقول لو كانت لدينا قيادات ثقافية تمتلك من الجرأة ووضوح الرؤية مقدارا مناسبا لتمكنت من اقناع صانع القرار واعدت مشاريع تتبناها الدولة وتنفق عليها بأعتبارها مشاريع وطنية خارج ميزانية الوزارة،

فالدولة التي تفكر بمترو يمر تحت سيقان اهالي بغداد، وتفكر في اطلاق قمر صناعي  وبناء ميناء هو الأكبر في الشرق الأوسط ليست عاجزة عن دعم مشاريع ثقافية ضخمة، فقط على المسؤولين الثقافيين تقديم مشاريع مهمة تخرج بالثقافة عن إطار الاحتفاء بعصر الديناصورات، وعن إطار الحفلات الراقصة، والمهرجانات السقيمة التي جعلت من وزارة الثقافة مكتبا لإدارة الحفلات التي لاترضي احدا.

فمن البديهي ان يقتنع صانع القرار بجدوى المشروع المقدم له اولا، حتى يوفر له الدعم الكافي، فما بالك اذا كان المثقفون انفسهم غير مقتنعين بمثل هذه الأنشطة الثقافية . 

ياسيدي علينا ان نتعلم النظر الى الأمام

فنحن نعبر عن استقرارنا السياسي بهز الأرداف إمام الأخرين ليتبرعوا بطباعة كتبنا،

ونعبر فيه عن استقرارنا الأمني بالنظر الى أقدام اللاعبين اكثر من النظر الى عقول المفكرين

فبالله عليك ماهذا البلد الذي يفكر فيه الجميع بمناطق ماتحت الحزام

وفوق ذلك يقال لك "ارفع راسك انت عراقي "

 الثقافة وعقلية الزقاق

س/يقال أن مطربة الحي لا تطرب ، لماذا ياترى

ا سؤال لصيق بالهم الثقافي العراقي وهناك عوامل كثيرة منها مايتعلق بسوء فهم لطبيعة عمل المثقف ،ومنها مايتعلق بأبوية زائفة تمارسها الأجيال السابقة ،ومنها مايتعلق بامراض اجتماعية تصيب المثقفين أنفسهم،

وفي هذا المجال يعجبني توصيف للمفكر عزيز السيد جاسم حيث تمثل لديه الثقافة العراقية نشاط مجموعة من الأولاد داخل الحارة، يتنافسون بينهم بكل مايحمله التنافس الزقاقي من حالات حسرة وحسد وغيرة بوجود عجائز أدمنّ الكذب والعمل على إثارة الزوابع.

وللأسف هذا حال أوساطنا الادبية

في العام الماضي فاز شاعر موريتاني بمسابقة امير الشعراء التي تقيمها قناة ابو ظبي الفضائية فإستقبله رئيس بلاده في المطار وعزفت فرق الجيش له السلام الوطني إعتزازا بانجازه

وفي الأردن تجد الشوارع مسماة بأسماء شعراء البلاد وأدبائها ورموزها الحضارية

وفي مصر خرج الرئيس المصري  وجميع رموز الدولة في تشييع نجيب محفوظ

وفي العراق خرجت الدولة كلها ببرلمانييها ووزرائها وموظفيها وفراشيها لأستقبال لاعبي المنتخب الفائز بكأس آسيا ،لكن أحدا من مسؤولي هذه البلاد لم يفكر برفع سماعة الهاتف للتهنئة بفوز أديب أو فنان يحقق أحدى الجوائز الإبداعية المهمة التي تثبت ان العراقي قادر على تجاوز محنته .

لايزال الكثير من شعرائنا وأدبائنا عاطلين عن العمل، والكثير منهم يعاني الفقر والفاقة، والكثير من اعلاميينا  وادبائنا مضطرون لأن يكونوا بهلونات لكي يعيشوا، في ظل اتساع ظاهرة التوظيف السياسي للأعلام والثقافة، والكثير منهم لايزال مأخوذا بنجومية زائفة حققها بعض من يستطيعون أصدار كتاب كل عام لتمكنه من النشر عبر المال او النفوذ او العلاقات الشخصية بمقابل موت الكثير من التجارب الخلاقة المبدعة نتيجة للإهمال والفقر وقصر اليد، وانا متاكد بأن مطربة الحي سيكون صوتها مدويا متى ما إستعادت حياتنا الثقافية توازنها 

س/أنت شخصيا الا تعاني من بعض الإجحاف في حقك بعد فوزك بكل هذه الجوائز

بالنسبة لي كتبت مقالات في الصحف ومواقع الأنترنت وعملت مراسلا تلفزيونيا وإذاعيا منذ سقوط النظام السابق وحتى الآن، أنجزت خلال هذه الفترة الاف المواد الأعلامية، وقدمت برامج تلفزيونية إستضفت خلالها كبار هذه البلاد، وعملت في خمس فضائيات واربعة وعشرين جريدة ومجلة، وأخرجت وكتبت عددا من الافلام الوثائقية لمحطات عالمية، وفزت بتسع جوائز أدبية مهمة كان أخرها جائزة الشارقة وقبلها جائزة دبي ،وخلال سنتين فازت لدي ثلاث كتب في جوائز عربية، وأقمت ندوات فكرية وأمسيات أدبية عن ثقافة التغيير ومسؤلية التأسيس وكل ذلك كان بجهد شخصي ، فماذا يمكن ان افعل اكثر من ذلك ،هل "أقلب دقله" مثلا.

اتذكر قولا للشاعر كمال نشأت يقول فيه "ان على الشاعر ان يكون بهلوانا لكي يشتهر"

وأنا لست مستعدا للعب دور البهلوان رغم إغراءات هذا الدور.

نعم أني مصاب بالإسى  للحال الذي وصل اليه مثقفونا ، لكني لازلت  أعول كثيرا على خروج المثقف من حالة الصدمة التي يعيشها ،وأعتقد ان المثقف العراقي سيبدأ بالتفكير بمفرده بعد ان كانت السلطات تفكر نيابة عنه، وسيتحمل المثقف مسؤوليته تجاه مواطنيه، وتجاه الوطن وتجاه التحدي الكبير في بناء الإنسان والوطن، شريطة ان تغير السلطة من نظرتها الدور الذي يمكن ان يلعبه المثقف ويغير المثقف من نظرته لطبيعة الدور الذي يمكن أن يؤديه

ماهي اخر مشاريعك الأبداعية

على صعيد الكتابة اعمل على مجموعة قصصية جديدة أرى إنها تحمل تجربة متفردة وجديدة تماما أستكمل فيها مشروعي الجديد في كتابة القصة القصيرة الذي أسميته النص الكرنفالي وأتوقع صدور هذه المجموعه قريبا جدا،اضافة الى اهتمامي بوضع اللمسات الأخيرة على كتابي ثقافتنا والخروج من فكر الصنم الذي ناقشت فيه متغيرات الثقافة والأعلام في العراق عقب التغيير

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com