لقاءات

الشاعـر العـراقي عبدالـرزاق الـربيعي لجريدة '' الأحداث'' الجزائرية  

أحاول أن أضع الألم على فرش حريرية، والنص الإبداعي يبقى في النهاية اقتراحا جماليا

 

حاورته /فاطمة حمدي

هو الذي أنطق الحرف وكتب جراحه بدمه العربي العراقي الحار .. هو الذي حقق أصعب المعادلات اللغوية بجمعه بين الجرح والألم والسعادة والاستهزاء ليستفز بذلك الكلمات التي سقطت رافعة الراية البيضاء على باب قلمه المتمرد العنيد الذي يأبى أن يكتب إلا عن القناعات مهما كانت النتائج والعواقب.

زار الجزائر فكتب عنها أجمل الكلام في مقال مرصع بالحب لهذا البلد الذي اعتبره الكاتب جزءا لا يتجزأ من العراق والعالم العربي، هو ذلك الرجل الذي جمع بين الشعر وأدب الطفل والمسرح فألمّ بجميع الفنون في الكتابة ليقول ها أنا ذا...الظاهرة التي ولدتها القسوة، والمبدع الذي ولد من مخاض الأزمات فعاش حرا ولم يقدر على تقييده الاحتلال فقط لأن فكره لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال أن يقيد. هو ابن بطوطة العصر الذي صال وجال بين الدول العربية ليرسو في الأخير على مسقط هو ابن ''الحدائق المعلقة'' وصاحب ''الجنائز المعلقة'' هو الشاعر العراقي عبد الرزاق الربيعي الذي يفتح لنا قلبه في هذا الحوار الذي أجريناه معه فحكى لنا الكثير عن حبه للجزائر وعن آلامه التي تلازمه لما يعيشه العراق الحبيب من احتلال. 

 

 * لطالما قلت أن الشعر والكتابة عموما في جميع مجالات الأدب يجب أن تكون مغامرة وأنه لن يكون هناك إبداع إلا إذا خاض الكاتب تلك المغامرة، إذن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن للمبدع أن يعيش تجربة فريدة تصل في تميزها وجنونها حد المغامرة مع كلمات يسكنها في ورق؟ 

- الشاعر مغامر يحلق في آفاق الجمال على أجنحة الكلمات، ذلك لأن الكتابة بدون مغامرة تصبح حالة تواطؤ مع الواقع وحركته الرتيبة ولأن الكلمة وسيلة الكاتب في التعبير عن عوالمه، لذا فإن هذه المغامرة تكون ساحة ميدانه الورقة، وأي ورقة!!

 إنها عالم من الدهشة وبناء واقع بديل بدون هذا تصبح الكتابة كلاما عاديا مكررا لا لون ولا رائحة ولاطعم له.

 

*أبحرت سفينة إبداعك في جميع ربوع الكتابة وأنواعها، الشعر، المسرح، كتابات للطفل، والكتابة الصحفية، أين تجد نفسك أكثر؟ وأين عساها سترسو سفينتك؟  

-طبعا روح الشاعر هي ربان تلك السفينة، وهي المبتدى والمنتهى، فمن نافذة الشعر نظرت إلى كل تلك العوالم التي أعتبرها أنشطة موازية، لذا فإنني أجد نفسي في النص الشعري حيث أتجلى وأحتدم، وأتعذب بينما أتمتع حين أكتب للمسرح والمقال وللطفل رغم صعوبة الكتابة للأطفال.

 

 

*كمبدع يعاني وطنك الأم من ويلات الاحتلال، أكيد هذا يجعلك تنزف ويجعل قلمك أيضا ينزف، إذن كيف تجسد العراق في كتاباتك؟  

- يظل العراق جرحي الناغر الذي أسكنه ويسكنني أحمله ويحملني رغم أنني غادرته منذ 14 سنة، وفي شعري الكثير من هذه الأوجاع، ولو تصفحت دواويني التي صدرت خارج العراق كـ ''جنائز معلقة'' و''موجز الأخطاء'' و''شمال مدار السرطان''  و''أصابع فاطمة '' و''غدا تخرج الحرب للنزهة '' و''خذ الحكمة من سيدوري'' التي أقول في مقدمتها:

 ''في بلاد نسج الخوف على الأعين ظل العنكبوتلم نعد نبكي على من مات

بل من سيموت ''

 لكن العراق سينهض كالعنقاء من رماد الإحتلال والطغيان والظلام فهذا هو قدر البلدان العصية على الموت.

 

 * نلاحظ أنك تتميز في كتابتك عن الجرح الذي تخلفه معاناة وطنك، حيث أنك تنقل الأحاسيس بألم لا يشبه الألم الذي يكتب به الآخرون، فأحيانا تستعمل السخرية وأحيانا أخرى توظف كلمات فرح في أقسى  عبارات الحزن، كيف استطعت تحقيق هذه المعادلة اللغوية الصعبة؟

 -  الكتابة بشكل عام تعبير عن معاناة يعيشها المثقف والمبدع، في صراعاته الفكرية واصطدامه بأرضية الواقع التي تشده إليها، ويجيء نصه انعكاسا لهذه المعاناة، لكن بإطار جمالي لكي يجعل المتلقي يتواصل معه كما أن الكاتب ينبغي عليه ألا يغلق الفضاءات، ومن يستطيع فتح نوافذ الأمل غير الكاتب؟، لذا فأنا أحاول أن أضع الألم على فرش حريرية، فالنص الإبداعي يبقى في النهاية اقتراحا جماليا.

  

* وسط كل هذا الذي نعانيه كعرب، بحكم أننا جسد واحد، يستنزف منا عضوان ''فلسطين والعراق''، نرى بعض المصريين يجردوننا من عروبتنا فقط من أجل مباراة في كرة القدم، ماهو تعليقك؟

- وهل العروبة قميص ينتزعه منا من يشاء؟ ومتى يشاء؟

 العروبة انتماء روحي وتاريخ مسطر بحروف من نور، على خلايا جيناتنا، دعك من ماكنة الإعلام التي تبث السموم وإفرازاتها التي تحاول أن تسيء إلى العلاقات الأخوية وهي بالتأكيد لا تمثل الشعب المصري إنها تمثل فئة تتحين الفرصة للطعن في الأخوة العربية.

 

  *كمبدع قرأت ما كتبه صاحب جائزة ''البوكر'' العربية، المصري يوسف زيدان في مقاله الذي صدر مباشرة بعد موقعة أم درمان عن الجزائر، فنزل ما كان يقال عنه مثقف إلى أسخف المستويات، ليتفنن في سب وشتم بلادنا، ولاحظنا  استنكارك لهذا ما الذي استفزك كعربي في هذا المقال؟

 -الذي استفزني هو ما استفز الكثير من المثقفين العرب الذين يرفضون أي مس بأي دولة عربية لها كيانها ومواقفها وتاريخها النضالي المشرف، تأسيسا على موقف عابر لكرة من (المطاط )، والواضح أن   الدكتور زيدان كتب مقاله بتأثير الإنفعال والتوتر الذي صنعته وسائل الإعلام وأنا على يقين أنه لو تمهل في نشره لتردد في ذلك لاحقا. بالنسبة للذي استفزني في المقال فقد ذكرته كما أظن وهو محاولة الكاتب التجاوز على تاريخ بلد عربي شقيق له إسهاماته الحضارية والتاريخية في الحضارة العربية والإسلامية من خلال كلام منفعل انطلاقا من موقف عابر وواجب كل مثقف أن يصحح أية معلومة تصدر حتى لو كانت من مبدع له قامته السامقة كيوسف زيدان.

 

 *قيل الكثير حول سحب ''البوكر'' من يوسف زيدان، ماهو رأيك في ذلك؟

 - لست مع معاقبة المثقف والأديب بأثر رجعي، بسبب كلمة قالها، كما جرى مع الشاعر سعدي يوسف عندما سحبت منه جائزة سلطان العويس، فالأديب تاريخ ومواقف وإنجازات وحياته سلسلة من الأحداث لأنه في النهاية من البشر، وهذا لا يعني أن يحرق تاريخه بمقال واحد صدر عنه في ساعة انفعال غير محسوب، ينبغي أن لا نعاقبه وإنما نلتمس له سبعين عذرا كما يوصينا نبينا الصديق، ولو فعلنا هذا سنصب الزيت على النار.

 

 *عاد زيدان ليعتذر من الروائي والأديب الجزائري واسيني الأعرج، هل ترى أن اعتذاره من واسيني وحده كاف؟  

- لنقرأ البادرة بروح إيجابية ونفسرها بأن الكاتب يوسف زيدان أراد باعتذاره من شخص الأديب الكبير واسيني الأعرج أن يقدم اعتذارا من جميع الجزائريين لأن الكاتب هو ضمير الأمة ورمز من رموزها.

هو سب الجزائر و35 مليون جزائري وخدش الحياء بافترائه، ثم عاد ليعتذر من واسيني ''كما سبق وقلنا'' ولكن الأمر الذي فاجأ العديد من الأوساط الثقافية في الجزائر واستنكار بعضهم له هو قبول الروائي الجزائري الكبير لهذا الاعتذار الملغم، كمحايد عربي عراقي هل ترى أن تصرف الروائي واسيني الأعرج سليم؟ ذلك أنه قبل الاعتذار عن إساءة لم توجه له شخصيا بل للشعب الجزائري كله؟ أم أنك تعتبرها ذكاء وحكمة منه؟  

- يبدو أن الأعرج قبل الاعتذار من باب إطفاء النار والإحاطة بها من جوانبها المختلفة وقد فهم أن اعتذاره هو اعتذار للجميع كما أسلفت، علينا أن نتعامل مع الموضوع كمثقفين يمتلكون سعة في الأفق المعرفي والروحي ولنعتبر المقال ''شقشقة'' خرجت من قلمه نتيجة ظرف معين.

 

 *كعربي عراقي، تشاهد من بعيد تداعيات هذه القضية التي سماها البعض ''العار على العالم العربي'' والتي تجاوز فيها بعض أشباه المثقفين المصريين الخطوط الحمراء، ماهو في رأيك السبب الحقيق في كل هذه السموم التي انفجرت مباشرة بعد مباراة أم درمان؟  

- الذي حصل لم يصدر عن المثقفين المصريين الذين وقفوا موقفا حازما ضد كل ما روجت له وسائل الإعلام وقد أشرت في مقالي إلى مواقف مثقفين مصريين كبار كجمال الغيطاني ويوسف القعيد وعشرات المبدعين والمثقفين المصريين، الذي حصل جاء من أناس محدودي الفهم والإدراك فهم لا يعرفون أن الكرة ربح وخسارة لذا تفوهوا بما لا يليق ووجد ماقالوه آذانا صاغية من قبل وسائل الإعلام التي طبلت وزمرت وحاولت تعكير صفو الود بين البلدين الشقيقين. 

 

 *ماهي أمنيتك وماهي الحلول التي تطرحها كطرف محايد في هذه القضية؟

 - أتمنى ألا نتوقف كثيرا عند هذه القضية لنعتبرها سحابة سوداء وعبرت من هنا أرى ضرورة عدم التوقف عنده كثيرا.

نعود إلى الثقافة في الجزائر، شاركت في أمسية شعرية بالمكتبة الوطنية سنة 2007 خلال الاحتفال بتظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية ماهو الانطباع الذي حملته معك خارج الحدود الجزائرية عن الحركة الثقافية بالجزائر؟ 

الجزائر قطب من الأقطاب الفاعلة في الثقافة العربية، وقد قرأنا أدبها ونحن صغار من خلال قصائد مفدي زكريا ومالك حداد وروايات واسيني الأعرج وقصص رشيد بوجدرة وعشرات الأسماء اللامعة في فضاءات الإبداع كآسيا جبار وأحلام مستغانمي وأمين الزاوي والمسرحي الراحل عبدالقادر علولة وحين زرت الجزائر أحسست أنني أسير على أرض زرتها من قبل من خلال نصوص أدبائها المبدعين الذين تجاوزوا حاجز الفرانكفونية وأوصلوا أصواتهم إلينا في المشرق العربي رغم كل الظروف التي حاولت أن تخنق هذه الأصوات داخل علبة اللغة.

 

 *هل يهتم عبد الرزاق الربيعي بالإنتاج الأدبي في الجزائر؟ و هل لديك شخصية أدبية جزائرية معينة تتابع أعمالها؟إن كانت إجابتك بنعم ما الذي يشدك في كتاباتها؟ 

-بالطبع، فالأدب الجزائري رافد من روافد الأدب العربي وقد اعتاد  صديقي الشاعر عياش يحياوي أن يمدني بكل ماهو جديد في الساحة الشعرية الجزائرية وكذلك يفعل صديقي الصحفي حمدي عيسى عبدالله وآخر كتاب جزائري قرأته هو رواية ''أنثى السراب'' للمبدع واسيني الأعرج وما يشدني في الأدب الجزائري أنه أدب يخرج من رحم المعاناة والتجربة متجاوزا سطوح اللغة لينفذ إلى العمق الإنساني.

  

*متى نشاهد مسرحياتك بالجزائر؟و هل تفكر في تعاون بينك و بين مسرحيين جزائريين؟ 

-  يسرني ذلك أيما سرور، ونصوصي بعضها مطبوع وبعضها منشور في موقعي كلكامش www.r-razaq.com

وأرحب بأي تعاون مع أي مخرج جزائري. 

 *نذهب إلى الرومانسية، حيث أصبح يتهم الشاعر في الوقت الراهن بإجهاضه لها في الكتابة؟ ماهو ردك على ذلك؟ 

- من يقدر على إجهاض الرومانسية؟ إنها تعيش مع الإنسان مادام قادرا على الحلم والحب والتأمل لكن أدوات التعبير عن الرومانسية تتغير باختلاف الزمان فالطريقة التي يتحاور من خلالها الشاعر الحديث مع الطبيعة تختلف بالتأكيد عن تلك التي كانت سائدة قبل خمسين سنة.  

 

* ماهي مشاريعك المستقبلية؟ 

- أشتغل حاليا على كتاب أسميته ''خطى وأمكنة'' أسرد من خلاله تأملاتي في مدن زرتها فاستفزتني بالكتابة كبكين وشنغهاي ووهان وإربد والجزائر وصنعاء وحضرموت وجزيرة سقطرى وجزيرة مصيرة وأماكن أخرى. 

  ونشتغل على عرض مسرحي سيقدمه المخرج فاروق صبري في نيوزيلندا في أفريل القادم عنوانه ''العالم ليس مجرد أزرار'' ولي كتاب سيصدر عن مؤسسة الدوسري الشهر المقبل عنوانه ''خيمة فوق جبل شمس'' يضم حوارات في الإبداع العماني مع 35 شخصية ثقافية عمانية بـ 408 صفحات. 

   سؤال فنتازيا...طبعا سمعت ما تردد مؤخرا حول نهاية العالم التي يزعم بعض المنجمين وبعض علماء الفلك بأنها ستكون سنة,2012 بصرف النظر عن تصديقك لهذه النهاية المزعومة. لو افترضنا أن العالم سينتهي فعلا بعد سنتين ماهو آخر عمل فني ستقوم به''مسرح، أم شعر'' أم ماذا بالضبط وماهو الموضوع الذي ستختاره ليختم مسيرة إبداعك في هذا العالم المجنون؟  

  - مثلما بدأت بالشعر أتمنى أن أختم الرحلة بالشعر أيضا وستكون تلك النبوءة لو صدقت خاتمة مناسبة لمجموعتي ''في الثناء على ضحكتها -قصائد حب لها'' لأنني كلما أريد أن أنهيها تأتي بخاطري قصيدة حب جديدة، وما أجمل تجربة الشاعر عندما يكون ختامها حب.  

  *  أخيرا نتمنى لك طول العمر ومزيدا من النجاح والتقدم وهل من كلمة أو إضافة تريد تقديمها لجمهورك؟.

 شكرا لك على هذه المساحة من البوح، راجيا إيصال تحياتي لكل أحبتي من المبدعين الجزائريين وعلى رأسهم الدكتور أمين الزاوي عبر هذا المنبر الجميل ''الأحداث''. 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com