لقاءات

كوكبٌ يشعُّ بالريف والمقام وعاشوراء

 

حاورته في بغداد - مريم باسل

لم تستطيع الغربة الطويلة أن تمحو تفاصيل العراق من ملامحه، ففي عيونه ترى الحلة والبصرة وبغداد، والعراق باجمعه، كوكب حمزة وبعد كل تلك السنين التي تنقل فيها من منفى إلى آخر مع طيوره الطائرة التي كانت تحمل حبه وحنينه لعراقه الجميل، عاد ليقول "الله يا ديرة هلي .. الله يا جنة هلي"، عاد لتحتضنه بغداده، وليجدها رغم الجروح التي تركت آثارها على كل معالمها، ترقص فرحا بكوكبها المملوء حبا وروعة وإحساساً.. وحين تجالسه تتذكر شريطا عريقا من الإبداعات. 

عن أي شيء نسأله؟، عن المهجر؟، أم عن رؤيته لملامح أبناء شعبه بعد الفراق الطويل؟، أم عن بداياته؟ وتركنا الأسئلة للجلسة فكان هذا الحوار:

 ·       كيف حدد كوكب حمزة بوصلته باتجاه التلحين؟

-    بدأت معلما في مدرسة المربد الابتدائية في البصرة وكنت اسمع دوما "أنت خريج معهد الفنون الجميلة ليش متصير ملحن" ولكي اكف عن سماع هذا السؤال بدأت بالتلحين. 

·       لو نقلب صفحات الذاكرة ما هي حكايتك مع معهد الفنون الجميلة؟

- الصدفة هي من أدخلتني إلى معهد الفنون الجميلة، فماذا تقولين عن (شخص) من مدينة القاسم وللمرة الأولى يسمع بمعهد الفنون الجميلة، أكيد انها صدفة، فانا سابقا كنت اعزف "الطبلة والناي" وبهما تأهلت للدخول إلى معهد الفنون الجميلة.

 ·       ما هي العوامل التي أثرت على اختياراتك؟

- تأثرت بالأغنية الريفية ومشاهد عاشوراء والمقام العراقي، فكل مكان له خصوصيته ومفرداته اللحنية وهذه العوامل كلها من ساعد على تكويني. 

·   شواهد كثيرة تذكرنا بكوكب الأغنية العراقية "كوكب حمزة"، وفي الفترة الأخيرة لاحظنا تراجع اسمك من سماء الأغنية العراقية فما سبب ذلك؟

- في فترة النظام المقبور قد تم تغييب اسم كوكب حمزة، لكن الأجيال الحالية ربما تردد بعضا من ألحاني لكن الاسم غير معروف، وهذا التراجع يعود إلى أسباب موضوعية فالفكر الرجعي واللاانساني هو السائد بالمنطقة وهذا التراجع على كل الأصعدة فبالتالي الأغنية ستكون هي أول الضحايا. 

ونحن في غمرة الحديث رن هاتف كوكب، ورنت معه أشعار النواب، بأنه سيعود..

هكذا قال لنا كوكب حمزة، فبعد أن تمت اكبر عملية جمع تواقيع في مدينة الفلوجة إلى جانب محافظات العراق بأكملها، تنادي مظفر النواب بالعودة، فقرر النواب أخيرا  أن يعود لبيته.. ونحن سننتظره فهنا عراقه وهنا أهله وناسه الطيبون...

 ·       ما الذي اشتاق إليه كوكب حمزة وهو في المنفى؟

- أروع ما شاهدت وأنا أقف في شرفة بيت صديقي عماد الخفاجي هي "الصعادات والزغلولات" بدل أصوات المدافع والصواريخ، وهذا ما كنت أتمنى أن أشاهده، أدمعت عيني فهذا هو العراق، ليست تلك الصورة المشوهة التي ينقلها الإعلام، نحن فعلا مررنا بأزمات عديدة، وسننهض بالتأكيد لأننا شعب حي. 

·       ماذا يعني لك كل من:

-         "أبو سرحان"؟

-           صديق عمري ونحن أسسنا مع بعض، شعره الجميل العذب ساهم في إنشاء مفرداتي اللحنية.

-         "طارق ياسين"؟

-          هو والفقيد (فجيعتي) الراحل عبد المحسن اطيمش كانوا في معهد الفنون الجميلة معي، نتنفس الحياة مع بعض.

-         "كاظم الركابي"؟

-          هو شاعر "يا نجمة" الأغنية التي نالت شهرة واسعة وهي التي "ورطتني" بمجال التلحين.

-         "كمال السيد"؟

-          غـُدر بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لا يتذكره أصدقاؤه ولا حكومته كأنما لم يكن موجودا.

-    اكتفى الفنان كوكب حمزة بجملة "لا أجيب" حين سألناه عن رياض النعماني، أما عن "طالب غالي" فقال: صديقي من أيام الفرقة البصرية، وهو أول من شجعني على التلحين وأول من زرع الثقة في نفسي حين قال لي فعلا أنت مشروع ملحن. 

-         "موفق محمد"؟

-          هذا الصعلوك شاعر له صوته الخاص الذي  لا يشبه صوت أي شاعر عراقي أو عربي.

-         "أغنية يا نجمة":؟

-         ورطتي الأساسية وأول نص يلحن لكاظم الركابي وأول أغنية للفنان حسين نعمة.

-         "مدينة الحلة"؟

-          مدينتي ومع الأسف الآن وضعها مزر كانت تزهو بــ"دكاكينها"، الان للأسف هي عبارة عن "مزبلة".

-         "مدينة البصرة"؟

-          لولا البصرة لا يكون كوكب حمزة، هي الجمال والبراءة، فعلا هي خلقت مني كوكب الفنان.

-         كوبنهاكن؟

-          مدينة الرحمة، استقبلتنا كحاضنة رائعة جدا، صانت كرامتنا.

-         "القاهرة"؟

-          عشت فيها هي ومدينة الرباط سنة كاملة، لكن مدينة الرباط اقرب إليّ من القاهرة.

-         "أغنية ريل وحمد"؟

-     من حسن الصدف أن نلتقي أنا والشاعر مظفر النواب في السجن عام 1961، لحنتها للمرة الأولى ونسيت اللحن لتلحن للمرة الثانية عام 1968، وما أسعدني أن مظفر النواب أعجب باللحن جدا. 

·       من هو أبو جميلة؟

-    أبو جميلة اسمي الأنصاري في كردستان العراق. تجربتي مع الأنصار مرحلة مهمة وقاسية في حياتي، لذلك أفضل أن لا أتحدث عنها. 

·   من يا طيور الطايرة ومحطات ويا نجمة وابنادم إلى بساتين البنفسج، هل أنت راض عن الملحن العراقي كوكب حمزة؟

- لم ارض عن نفسي أبدا، ولا اعتقد أني سأرضى، الرضا عن الذات هو بداية الموت لأي فنان بغض النظر عن نوع الإبداع الذي يقدمه. 

·       إلى أي مدى أثر التراث العراقي، خاصة الحسيني، في لحن كوكب حمزة لأغنية "ابنادم" الشهيرة؟

- أغنية "ابنادم" تعبر عن وجع وخيبة سياسية في مرحلة معينة، من خلال هذه الأغنية حولت الفجيعة العاشورائية إلى فجيعتنا نحن. 

·   أعمالك القليلة التي تركتها دلت على عبقرية كبيرة، لكن هل جاءت شحتها من "نحس" في الاختيار أم من "الكسل"؟

-    أكثر من يتهموني بالكسل هو مظفر النواب، وقلة أعمالي ليست بسبب الكسل لكنني ألحن النص الذي أعجب به بشدة، وإلى هذا الوقت اعتبر نفسي هاو للتلحين، فبالتالي سأكون مزاجيا في العمل، وأيضا أنا صعب في الاختيار لأني تربيت على شعر "مظفر النواب" و"أبو سرحان" و"زهير الدجيلي" فمن الصعب أن أجد نصا يهلكني كنصوصهم، لذلك أنا مقل.

 تحسرّ كوكب حمزة، وأنهى حديثه الذي لا يمل منه، وأخذته بغداد التي اشتاقت إلى خطواته على ضفاف دجلتها، أخذته وهي تقول له: أهلا بك يا كوكب في "ديرة هلك".

 

* مواليد محافظة بابل / ناحية القاسم عام 1944، درس في معهد الفنون الجميلة عام 1964 ببغداد، أكمل دراسته في جامعة كييف، الاتحاد السوفيتي –سابقا-.

* احد رموز الثقافة العراقية، فألحانه صارت جزءا مهما من ذاكرة ووجدان الشعب العراقي.

* منذ ستينيات القرن الماضي وهو ينثر ألحانه في سماء الأغنية العراقية، وكان أول لحن له مقطوعة موسيقية بعنوان "آمال".

* أطلق عليه النقاد لقب "مكتشف النجوم" فهو من أمتعنا بأجمل الأصوات العراقية التي توزعت على دروب النجومية، أمثال: حسين نعمة، رياض احمد، سعدون جابر، وهو من قدم المطربة المغربية أسماء المنور للجمهور، حين لحن لها أغنية "دموع ايزيس" عام 1997.

* لحن لكبار الفنانين العراقيين والعرب ومنهم: مائدة نزهت، فاضل عواد، ستار جبار، كريم منصور، فؤاد سالم والمطربة أصالة نصري والمطرب الكويتي عبد الله رويشد وغيرهم الكثير والكثير.

* بدأت رحلة منفاه الطويلة عام 1974، وقادته إلى بلدان عديدة كانت دمشق أولها وآخرها بعد تطواف كبير.

* اعتبر على الدوام من أفضل ملحني الأغنية العراقية وأحد المجددين لها، رغم أنه لم يلحن في مسيرته التي تجاوزت الأربعين عاما سوى 50 أغنية نقشت في الذاكرة العراقية.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com