لقاءات

طعنات ملونة...تصيب جسد الواقع

للفنان التشكيلي عمر مصلح

 

حاوره القاص محمد رشيد في بيروت ودمشق

الفنان العراقي عمر مصلح فنان تشكيلي من طراز خاص تختلط الوان لوحاته بطعم خمرته ورائحة دخانه...يرسم لوحاته بفرشاة صنعها من شعر حبيبته... يدعو المثقفين لتمزيق ستارة المسرح ليطلع الجمهور على مايجري خلف الكواليس... مؤمنا تماما بان حبه الاول مثل لوحته الاولى... شارك في العديد من المعارض التشكيلية داخل وخارج العراق... يميل الى المدرسة التعبيرية في فن الرسم...صمم الكثير من اغلفة الكتب الادبية والديكورات الداخلية... درس الاخراج المسرحي والتصميم الداخلي...اشاد بتجربته ادباء ونقاد وفنانون منهم : الكاتب الصحفي ناظم السعود والدكتور حسين سرمك حسن ووالقاص عبد الستار ناصر الناقد حسين الحسيني والشاعر فائز الحداد والمترجم القاص حسين حسن والفنان حمدي مخلف...له اهتمامات بدراسة الديانات والاقليات العراقية...عمل منحوتات على الخشب والمرمر وتخطيطات داخلية للعديد من الدواوين الشعرية...ادخلت بعض لوحاته على بعض اغلفة الكتب الادبية والدراسات النقدية التقيته في دمشق وبيروت وكان هذا اللقاء بيننا

 س/ ونحن نتجول في دمشق القديمة من اين تحب ان نبحر. من الشعر ام من التشكيل ام من المسرح؟

ج/ أحبذ الإبحار في التشكيل بشراعي المنجز الأدبي والمسرحي. وهي محاولة للحصول على دور فعال في القضية واخراج الازمة لوضعها على خامة اللوحة، ومعالجتها بطرق غير خاضعة لسلطة معينه.. بل لما يتداعى من داخلي. وهذا باعتقادي شان المسرحي والشاعر فهما يحيلان المتلقي الى نفق المسرحية والقصيدة ذاتها. لا الى تصور خاص عن طبيعة الواقع.

 س/ هل ترسم لوحاتك ام تنسجها؟

ج/ الرسم والنسيج هما حالة واحدة. لان الافصاح عن الغاية من خلال التناقضات واثارة الاسئلة والاستفسار هو ما يعبر عن البوح الداخلي. فهناك حركة داخلية اكثر من الادراك الحسي المجرد، وتحتاج ايضا الى فهم ما يجري وربطه ببعض. وهنا اجدني مجبرا لاستعارة ما قاله ارسطو: ( من شان الفنان ان يصنع ما عجزت عنه الطبيعة ويجد ان الموجودات واقعة بين نهايتين ).

 س/ متى بدات تشعر بمخالب الازمة؟

 ج/ حينما تلح المغيبات والمسكوت عنها بالافصاح عن مكنوناتها، وحينما ارى كهولة الرضع، واصفرار الحديد، وحين يكون اليوم ليلا باكمله.

وهنا تنفلت الاسماء من مسمياتها فالزمان لا يعبر عن الزمان فقط ولكن يعبر عن الزمان والمكان. والمكان لا تحده معالم وخصائص، ويتحول كل شيء الى شفرات تجبر المتلقي على التركيز.

 س/ ما حجم الخراب الذي تركته الحروب والحصار والاحتلال والغربة عليك؟

ج/ تجده واضحا حين تراني مجبرا على رسم فضاءات وامكنة مهجورة وتغييب الحياة بقصدية.

فهذا الاجبار القسري ناتج عن خراب ترسب في بودقة المحسوسات اولا، وعن العلاقات المرضية غير المنظمة ثانيا. مما يجعل التركيز على الخراب اكثر فاعلية من اللغة والحركة واللون.

 س/ لو غادرت عملك المهني لمدة معينه، وتفرغت للعمل الفني.. ماذا ستفعل؟

ج/ ساكمل مشروعي الذي بداته منذ سنين برسم بوريتريهات لمبدعينا، وجعل خلفية البورتريه عبارة عن رموز تشير الى فهمي الخاص لما ارادوا التعبير عنه في بعض منجزاتهم التي اطلعت عليها.

 س/ حبذا لو اطلعتنا على الشخصيات التي قمت برسمها.

 ج/ قمت برسم كل من الروائي عبد الخالق الركابي والفنانة عواطف نعيم والفنان عزيز خيون والناقد حسن سرمك حسن والروائي طه حامد الشبيب والمخرج الناقد عدنان منشد والشاعر سلمان داوود محمد والقاصة هدية حسين والتشكيلي مخلد المختار والشاعر مخلص عبد اللطيف الحديثي والشاعر منصور عبد الناصر والكاتب الفنان عباس الحربي... والقائمة طويلة.

 س/ هل بالنية اقامة معرض خاص لهذه الشخصيات؟

 ج/ نعم.. ولكن بعد انجاز رسم شخصيات ابداعية اخرى جديرة بالتقديم ايضا. ويكون المعرض في المنفى الذي ساختاره مجبرا.

 س/ هل تمارس حريتك في رسم اللوحة؟

ج/ طرد الشرطي الكامن بالذات هو احد مقومات الحرية، فالعنصر الاكثر بقاء المشروط بطرد الجزئي.

 س/ ارى في كثير من اعمالك استياء كبيرا ومشاكسة واضحة؟

 ج/ الفنان الذي لا يجيد لغة الجياع والمظلومين لا يمكن ان يكون مقنعا.

ويصبح هامشيا عندما ينزل عند رغبة المجاملة.

 فعندما اقدم عملا خارج السنن والسياقات والاعراف \ المفهومة بمعناها الحرفي \ هذا لايعني خروجا عقوقيا.

 وانما هي وسيلة لابداء الراي والاستفسار والانكار.. ربما... وهي معارضة على اي حال وليست خيانة.

 س/ لقد شاهدت لك اعمالا موغلة بالترميز وتكثر فيها الطلاسم والاعداد. فبأي خانة تضع هذه الاعمال؟

 ج/ العمل الفني منفلت بطبيعته ولا ينضوي تحت اسلوب وتيار ومدرسة معينة. فتراني احيانا واقعيا، واحيانا اخرى تجدني فيثاغوريا من حيث طهارة النفس بنزعة صوفية، وهنا يكون العدد جوهر الوجود.. فالواحد هو الاصل، والارض تدور حول النار، والهرم اجمل الاشكال... الخ.

 لكني اميل كثيرا الى التعبيرية، وهذا ما تراه طاغيا على الكثير من اعمالي

 وهنا لابد لي ان اقول شيئا : هو اني عبارة عن مجموعة من التشظيات ولا اعبر الا عن ذاتي. ولا انتمي الا

 لوعيي.

 وكما كتب فكتور هيجو في كشكوله المدرسي ( اما ان اكون شاتوبريان واما فلا ). ا لا انه اصبح فكتور هيجو وليس شاتوبريان.

 س/ في شارع الحمراء سالته هناك من يقول انك نسجت فرشاتك من شعر امراة كانت يوما ما تعني لك الكثير.. ما مدى صحة ذلك؟

ج/ انا مشروع دائم للحب، ولو تاملنا الالهة في كل الحضارات لوجدناها انثوية بالغالب. وانها سر السعادة والعذاب في ان معا. ولها طبيعة الهية – بشرية. وكلاهما تحفزان الفنان على الشروع بالعمل.

 فالمراة متغيرة متلونة تبعا للزمان والمكان، و..اشياء اخرى. لكن الانوثة تبقى كالحقيقة ثابة لا ينتابها تغير وفناء.

 فانا صنعت الفرشاة من شعر انثى.. كانت وستبقى عالقة بالذاكرة.

 س/ الوضع الراهن في العراق اثر سلبا على جميع مرافق الحياة. لكنه وقف عاجزا امام الابداع العراقي. حيث ازدهر وتالق. فماذا تقول؟

 هذا صحيح تماما. فأمام المزنجرات والالة العسكرية المهينه التي صادرت حرياتنا، وعممت الخراب، وسرقت الذاكرة التاريخية، ووزعت الموت بالمجان وبالتساوي ( بعدالة ) لا نظير لها. قد اسهمت وبشكل كبير بتسليم مفاتيح شرطي السلطة الى المبدع.

 وساعدت الانا ego عند المبدع العراقي ليمارس بعض احتيالاته على الهو id عن طريق التسامي والتصعيد كحيلة دفاعية. والادلة والشواهد على ذلك كثيرة في الدراما التلفزيونية، والفنون التشكيلية، والموسيقا، والمسرح.. الخ.

 وهذا الابداع ليس اعتباطا وناتج عن فراغ.. بالتاكيد. وانما مرهون بالثقافة والتاريخ واللذاكرة الجمعية والكوارث والازمات.

 س/ ما هي مساحة المراة في اعمالك؟ وهل كان تغييب ملامح وجهها في بعض لوحاتك مقصودا؟

ج/ الانوثة هاجسي في كل اعمالي، وتحتل المرتبة الاولى، ولا بد وان اشير الى اي عنصر انثوي في اعمالي.

اما تغييب الوجه، فهذا امر مفروغ منه حاليا – لنا كعراقيين - لان معالم الوجه لم تعد هاجس الجمال الكبير. وانما روح الانثى، وهذا اولا. واولا ايضا التركيز على العطاء المنبثق من الجسد. واولا كذلك التعبير عن الجور في عصر ( الديموقراطية ) حيث استشرت العنوسية.. فلا داعي لوجود الوجه اصلا.

 س/ ما الذي يشغلك الان؟

ج/ كثيرة هي المشاغل.... والنتيجة عطل وتسكع. ولكن بعض ما اتمناه هي دعوة للمثقفين لتمزيق ستارة ( المسرح )، وتجريد العلامة من وظيفتها. ليطلع الجمهور على ما يجري وراءها وخلف الكواليس.

 س/ ماذا تتمنى ان يتحقق؟

ج/ ايجاد عقار جديد للانسان... حيث لا بد للحروب ان تلد الكوارث، واجد من الضروري ايجاد عقار لاحفادها الخدج.

 س/ هل تطمح بمكان تعرض فيه لوحاتك؟

ج/ اي مكان في العالم.. وفي اية قاعة وساحة عامة. وحتى في مقهى شعبي.. على ان لا يكون هذا في داخل العراق. لانه يزخر بلوحات تجريدية ورمزية وواقعية وسريالية لا نظير لها على وجه الارض. فصور المهجرين والمشردين والمغدورين والجياع والثكالى متوفرة وبشكل فائض عن حاجة الشيطان.

 س/ خصصت لكم دار القصة العراقية جناحا لاقامة معرض دائم لا عمالك. فماذا تقول في ذلك؟

ج/ دار القصة العراقية التي وصفتها احدى الصحف العربية بانها محج للادباء والمثقفين العراقيين. لي الشرف بذلك بالتاكيد. وكم خشيت على هذه الدار من ايدي العابثين واعداء الابداع. ففي غياب الوعي تنتعش الاوبئة والامراض، وتدب على الارض المخلوقات ( الاخرى).

 لكني اعول على الشرفاء الباقين بالداخل لحمايتها. وموضوع اقامة المعرض حلم مؤجل حاليا..

 س/قرب صخرة الروشة في بيروت سالته: ماذا أخذت منك الغربة وماذا أعطتك؟

ج/ كل المقيمين بالداخل والخارج هم غرباء في زماننا هذا.. والغربة اخذت الكثير من الجمال، واعطتني القدرة على المطاولة والرؤيا من زوايا اخرى للعالم.

 س/ هل اللوحة الاولى مثل الحب الاول؟

ج/ العكس صحيح تماما.. فالحب الاول مثل اللوحة الاولى.. تجربة غير متكاملة، وتنقصها الكثير من الخبرة.. لكنها تبقى عالقة بالذاكرة.

 س/ انت مصمم معماري متالق، وتشكيلي من طراز نادر.. لكنك بعيد عن الاضواء. والاضواء بعيدة عنك. لا ادري. هل هناك قصدية في ذلك؟

ج/ لا اصدق من يقول ان الانتشار لا يعنيني. لكن الضرورة العملية وما يترتب عليها من التزامات تسحبني احيانا بعيدا عن الفن. فليس هناك قصدية معينه وانما ضرورة قاهرة.

 س/ ماهو الوقت الذي ترسم فيه؟

ج/ لا توجد ساعات معينة ووقت معلوم.. فحينما تلح علية فكرة مستوحاة من الواقع ومن قصيدة ومن مسرحية أباشر بعمل ( سكيتش ) ومن ثم... تختلط الألوان بطعم الخمرة ورائحة الدخان.

 س/ هل حلمت بلوحة ترسمها، وفوجئت بفنان اخر جسدها في احدى لوحاته قبلك؟

ج/ حصل معي العكس تماما.. حيث فوجئت بفكرة لوحة لفنانة عراقية ممتازة عرضت في القاهرة قبل عدة اشهر سبق وان رسمتها في التسعينيات. وكتب عنها في حينها القاص الكبير عبد الستار ناصر انطباعا في جريدة العرب التي تصدر في لندن بتاريخ 26/5/1999 تحت عنوان ( احذروه إذا نطق ).

 س/اخيرا متى تشعر بوجودك كانسان؟

ج/ حينما اجد مفاتيحا للمعميات بأساليب مختلفة، واجعل اللون علامة رمزية للتعبير.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com