تحقيقات

الفراغ .. العدو الكامن للكبار والصغار

 

كوثر الكفيشي/ بنت الرافدين/ بابل

 من الموضوعات الحية التي تتصل بحياة كل واحد منا في بعض مراحل حياته رجالا ونساءا، كبارا وصغارا، هي مسألة الفراغ التي تدل على خلو الإنسان من أي ارتباط عملي أو علمي وقد تتمثل هذه الحالة في الإنسان العاطل الذي يقضي حياته من دون عمل ـ كشبابنا الخريج الذي لم يحصل على فرصة عمل بعد ـ وفي الإنسان الذي يعيش الفراغ في بعض الفواصل بين عمل وعمل كطلاب المدارس والجامعات.

ومن هنا ولكوننا نعيش فصل الصيف وما يرافق هذا الصيف من حلول العطلة الصيفية تطل علينا مشكلة الفراغ وتثقل علينا بظلها الثقيل على معظم العوائل، وهذه المشكلة هي مشكلة عامة يعاني منها العالم كافة غير أن توفر فرص اللهو والتسلية والترفيه في باقي بلدان العالم يجعلها أقل وطأة مما هي علينا، ففي العراق يظهر الفراغ في هذا الفصل أكثر من باقي الفصول من العام ونتيجة لإنعدام توفر معاهد التدريب الفني والمهني والمؤسسات الراعية لهذه الزمرة الفتية من المجتمع مع غياب التربية والأخلاق يجعل الفراغ هذه الفترة من العام فترة تخريبية للشبان والشابات على حد سواء.

وقد ركز الإسلام على هذه الظاهرة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن الله يبغض الصحيح الفارغ).

وقد ذكر الله عزوجل هذه الحالة بقوله: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) والكدح يمثل الجهد الإنساني. في حين نجد أنفسنا وكوننا مسلمين قليلا ما نهتم بهذه الظاهرة وخاصة لدى الجيل الصاعد منا وبالخصوص في العراق الذي بات هم المسؤول هو الأمن والماء والكهرباء والإعمار وغيره... دون التفكير بايجاد مؤسسات تشغل الشباب وتنميهم في هذا الفصل من السنة تاركين لهذا الفراغ بأن يجرف أفلاذ أكبادنا إلى دروب الحياة الملتوية.

الشباب والفراغ:

إن الشباب هو مرحلة يقظة الغرائز وقوة الشهوات والفراغ يعني أن لا قاعدة للإنسان ولا نظام له في الحياة ولا يدرك مسؤولياته، فهو يتجه إلى اللامسؤولية، والمال أيضا عندما يلتقي مع الشباب والفراغ فإنه يسقط الإنسان فصدق الشاعر عندما قال:

إن الشباب والفرا غ والجدة

مفسدة للمرء أي مفسدة

ومن هنا نلاحظ لجوء الشباب إلى الدردشة على النت أو الحديث الشاعري على الموبايل أو اللجوء والإستسلام  إلى الخمول والنوم.

تقول (م.ع.ع) وهي خريجة كلية التربية قسم الجغرافية بأنها بعد تخرجها وأسوة بمن معها ومن سبقها وأظن بمن سيأتي من بعدها إلا من رحم ربي لم تحصل على التعيين فأصبحت بعد 16 عاما من الإلتزام والدراسة تعاني من الفراغ القاتل فباتت تمني نفسها بالحصول على الزوج وفارس الأحلام غير أن هذا أيضا لم يتحقق بعد عامين من التخرج وإذا في يوم من هذه الأيام المليئة بالفراغ يرن الجوال ليظهر من خلال هذا الجهاز الصغيرصوت يفوح منه الرجولة والخشونة ممزوج مع الحنان المزيف والمعرفة (أصبح هذا الجوال وصاحب الظل الخفي من بعده كل ما يملآن فراغي) هذا كان جوابها ثم صمتت للحظة لتتابع الحديث والدموع قد ملأت مآقيها: (والله أعلم بأن هذا غلط وهو سوف لن يخطبني وأنا لن أتزوجه غير أني بهذه الطريقة أسد الفراغ الذي أعاني منه).

في المقابل نلاحظ الشاب يحيى حسن (32عاما) والذي يعاني من البطالة والفراغ القاتلان يلهي نفسه ويقتل وقته بالدردشة على النت وهو يدرك في أعماقه بأن ما يقوم به خطأ وذلك من خلال قوله: (أنا أعترف بأن وضع أهلي المادي ليس بالجيد وعمري بات كبيرا على اللهو غير أني من بعد التخرج ونتيجة لعدم توفر فرص العمل أدمنت على أن أقضي معظم أوقاتي بالدردشة والحديث الذي لا يأتي لا لي ولا لأهلي بأية منفعة).

عند هذه النقطة توجهت له بالسؤال التالي: أنت قد بلغت الثلاثين من العمر أليس من المفروض أن تبدأ بالتفكير بالإستقرار والزواج؟

أجاب يحي: (وأي رجل لايفكر بالزواج وتكوين الأسرة وانجاب الأطفال) فعدت لأسأله: وكيف تظن بأنك ستحقق ما قلت؟ أ من خلال جلوسك المتواصل على الحاسوب ومن خلال إلهاء نفسك وغيرك بلا شيء؟ سكت يحيى ولم يجب معللا كل ذلك بعدم توفر فرص العمل من قبل الدولة غير أن هذه في الحقيقة ليست إلا شماعة حاول من خلالها ضيفنا الشاب أن يلقي بأخطاءه الذي ارتكبها ومازال يرتكبها بحق نفسه وأسرته في فراغه الذي خلقه هو بنفسه على نفسه.

بينما نشاهد طبقة فتية أخرى تشغل فراغها كالشاب محيي عبد الحسين (23عاما) والشابة بشرى كامل (25عاما) بالإستيقاظ المتأخر من النوم، حيث قال محيي وهو يبتسم بأنه لايستيقظ قبل الساعة الواحدة ظهرا لأنه لاينام إلا قريب الفجر لسهره على برامج التلفاز وعندما سألته بماذا يشاهد في السهرة؟ رد قائلا: (الأفلام)

ماذا تستفيد من هذه الأفلام هل قوت ثقافتك العلمية أو الدينية أو حتى العملية؟

هنا أطلق محيي ضحكة شبابية تحمل بين طياتها شيئا من الطيش: صدقيني أعلم، وكل ما تقولينه صحيح غير آني شسوي شلون أكضي وقتي عندي نهار شطوله. هذا لم يكن رد محيي لوحده بل بشرى أيضا كان ردها هكذا حيث قالت: ماذا ينتظرني سوى المسح والكنس وأعمال المنزل الأخرى التي باتت أكثر من مملة. وفي الواقع لا أظن بأن هذا رد بشرى ومحيي فقط بل هو سيكون رد الكثيرين من شبابنا وفتياتنا الذين يعانون من ألم الفراغ.

في حين نلاحظ أم حيدر هي لا تشكو لنا من الفراغ لنفسها بل تشكو من الفراغ الذي يعانيه ابنها حيث بات هذا الصغير البالغ من العمر 12عاما يلقي بالطاقات الكامنة لديه على شقيقاته، فتارة يصبح مصارعا ليصرع هذه، وأخرى يحمل مسدسا ليختطف أخته الصغرى، ويتعمد بأن يزعج الصغير والكبير ليقضي الفراغ الذي يعانيه بالمجادلة، وعندما استفسرت من أم حيدر بأنه ألا يوجد متنفس لهذا الشاب الصغير؟ ردت بحزن: بلى يوجد وهو الشارع، وأن كأم واعية أخشى عليه منه، حيث تفتقد محافظتنا إلى وجود دورات ترفيهية وتدريبية من سباحة وكاراتيه وتطوير مهارات كالنجارة والحدادة وغيرهما...فماذا أفعل؟

الكبار والفراغ:

خاطب الشاعر المجتمع العربي الذي يفضل دائما النوم على العمل الجاد والسير بالطريق نحو الحرية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، غير أننا شعوب دائما نفضل الاسترخاء على الجهد والإستسلام للترفيه الضال على التنظيم واستغلال الوقت فأدرك الشاعر هذا الواقع المؤلم لنا فقال:

ناموا ولا تستيقظوا

ما فاز إلا النوموا

فلنخرج من مسار حياة الشباب لندخل إلى مسار الطبقة الأكبر سنا فنرى الرجل عندما ينتهي من العمل ويأتي متعبا يجلس أمام التلفزيون ومشكلة التلفاز عندنا متعددة الجوانب الأمر الأول: اختيار البرنامج الذي ينسجم مع دين وأخلاقيات العائلة، لأن المشكلة هي أن الأب لايستقل  وحده بالتلفاز وإنما تجتمع إليه العائلة كلها فيفسد ومن حيث لايدري أسرته عقليا أو جنسيا أو أخلاقيا خاصة برامج العنف التي باتت هي المسيطرة على معظم القنوات.

والأمر الثاني: هو أن بعض الناس يصرف كل وقته في داخل المنزل بالجلوس أمام هذا الجهازومن خلال هذه الفعلة يسيء إلى عائلته(إن لزوجك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا) فالتلفاز يخلق مشاكل عائلية فالمرأة تنتظر الزوج أن يأتي من عمله ليجلس إليها، ليحدثها وتحدثه، وليعيش معها، لتشعر بأنها تعيش مع زوج ولا تعيش مع مجرد جسد لا يحمل أي حميمية أو عواطف، ليس التلفاز هو الوسيلة الوحيدة التي يقضي بها الرجل وقت فراغه بل نرى شريحة أخرى يقضي فراغه بالجلوس في المقاهي ولعب الدومنة والطاولة ولايدري ابنه الشاب أو ابنته كيف يقضيان هذا الفراغ ويدع هذه المسؤولة برمتها على كاهل زوجته.

وبالمقابل نلاحظ بأن هذه المرأة تتجه إلى أن تلهي نفسها إما بالتسوق المفرط أو الزيارات اليومية أو أن تخلق مشكلة لتجلب أنظار الزوج المبعدة عنها والنتيجة بكل الأحوال هو الخراب لكافة الأسرة.

كيف نعالج ظاهرة الفراغ:

قال الإمام جعفر الصادق (ع) لبعض ولده: (إياك والضجر والكسل، فإنهما يمنعانك حظ الدنيا والآخرة).

ويقول الإمام موسى الكاظم (ع): (إن الله يبغض النوام الفارغ).

أفضل طريقة وأولها لمعالجة الفراغ هو زرع المفاهيم الإسلامية لدى الناس رجالا ونساءا، صغار وكبارا، وأن نعلم الجميع بأن (اليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل)وأن نذكرهم بأن الله سيوقفنا جميعا ليصرخ بنا بصوته الرباني (وقفوهم إنهم مسؤولون) فإن تسلحنا بهذه المفاهيم منذ الصغر تجنبنا تجاوز الخط الأحمر عند الشباب.

أما الطريقة الثانية لحل مشكلة الفراغ عندنا هو وضع أهداف أمام أعيننا وأن نشجع أنفسنا ومن حولنا لتحقيق الأهداف الخاصة وأن نخلق نحن الطرق  لصنع الهدف والسير به نحو تحقيقه على أرض الواقع.

أما الطريقة الثالثة فهي احترام الذات وزرع هذا الإحترام عندنا منذ صغر الأطفال حتى عندما يكبر هذا الصغير يحترم ذاته فيسعى إلى أن يرتقي بها ويسمو فسيرفض ذاتيا أن يذل نفسه ويحقرها تافهة للترفيه.

أما الطريقة الأخيرة والتي لا أظنها الأخيرة لأنه دائما توجد حلول وربما كل واحد منا له رأيه وحله ولكن لضيق الوقت سأجعله الحل الرابع والأخير وهو: ايجاد مراكز ترفيهية مسلية وفي نفس الوقت مفيدة وبناءة لكافة الأعمار ولكلا الجنسين.

وأختم بحثي  بقول الله عز وجل:

(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولاتبغ الفساد في الأرض إن الله لايحب المفسدين).

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com