تحقيقات

صينية زكريا مازالت عامرة بالشموع وأغصان الياس الخضراء

 

زهير الفتلاوي/ المركز العراقي للتنمية الاعلامية

يحيي معظم العراقيين في كل أول احد من شهر شعبان من كل عام ليلة صيام زكريا، وفيه تعمر النساء البغداديات صواني تملأ بالشموع المزينة بالشرائط الملونة وأغصان الياس الاخضر والحلويات والمكسرات، فيما يقوم الاطفال بالضرب على الطبول (الدنابك) ابتهاجا بهذه الليلة المباركة وسبب الاحتفال بهذه الليلة وصوم يوم زكريا هو الايفاء بنذور النساء اللاتي لا ينجبن الاطفال الذكور على وجه التحديد وحمل العيد اسم (زكريا) لاقترانه بالنبي زكريا (ع) الذي نادى ربه طالبا منه ولدا وهو في سن الثانية والتسعين من العمر وزوجته السيدة ايشاع عاقرا في سن الثامنة والتسعين، وقد لبى الله تعالى نداء زكريا ورزقه بابنه (يحيى)، كما جاء في قوله تعالى (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا   قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا   قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)  لذا منحت هذه المعجزة النساء العواقر على مر الاجيال والعصور املا في الانجاب فتشبثن باحياء طقوس يوم زكريا  لوجه الله تعالى.

ويشير الباحث التراثي المرحوم عبد الحميد العلوجي في حديثه عن يوم زكريا الى مسألة التزام المرأة العراقية باحياء المناسبات الدينية والموروث الشعبي والاتكال على ذاكرتها الناشطة في معرفة مواقيت الاعياد ومواسم الزيارات الدينية ومواعيد االشعائر المأثورة دون ان ترجع الى تقويم او روزنامة او مفكرة.

كما يصف صينية العيد بقوله :" ان المرأة العاقر او من لم يرزقها الله غلاما تتولى بنفسها اعداد (صينية ) عامرة بـ (الحلوى) و(الزردة) ـ أي الرز بالحليب ـ والخضر والفواكه المختلفة والاكلات البغدادية الشهيرة مثل (الدولمة) و(الكليجة)، وتحاط هذه الصينية بشموع صغيرة وكافور وتوضع وسطها احيانا شمعة العروس الذهبية المزخرفة بالورود بعد تثبيت قواعدها على الطين بين اغصان الآس والبرتقال .. كما اعتادت الامهات وضع اوان فخارية تتكون من ابريق لكل ذكر من اولادهن ووعاء لكل بنت قرب الصينية " .

ويحتفل العراقيون في جميع محافظات العراق بهذا العيد مع اختلاف نسبة الالتزام بأداء الطقوس، اما بقية الممارسات فتختلف من منطقة الى اخرى.

ففي منطقة الكاظمية مثلا، تصوم النساء يوماً او يومين في اول يوم احد من شهر شعبان وتصوم بعضهن عن الكلام كما فعل النبي زكريا (ع )، اما الافطار فيتكون من خبز شعير وماء من البئر، وعلى الرغم من غياب هذا التقليد حاليا، الا ان الالتزام بالصوم مازال قائما.

اما صيام زكريا بالنسبة للأكراد الفيليين فيقول عنه الحاج ابو تريفا الذي يسكن في بغداد منذ طفولته انه يدعى بالكردية (روزك زه كريا) ويشير العيد الى صيام
(زكريا المعمدان) ويستمر الصيام منذ آذان الفجر الى ما بعد آذان صلاة المغرب اذ يتم اعداد صينية للفطور الذي يتألف على الاغلب من دجاجة مشوية ورز وتوضع في الصينية شموع وبخور وحناء وملبّس و(كليجة) وماء يتم احضاره من بئر مسجد الخلاني.

ويؤكد ابو تريفا ان عائلته تواصل الاحتفال بهذا العيد سيما بعد ان رزق ابنه الاكبر بغلام بناء على نذر كنتهِ فاطلق عليه اسم (يحيى).

تتحدث ام علي (بغداد الكاظمية) عن صينية زكريا في منطقة الانباريين قائلة: كانت النساء تصوم في هذا اليوم ويتم دعوة نساء المحلة على الفطور الذي غالبا ما يكون سبع اشكال فيه (الفسنجون) اضافة الى (الكبب) و(المحلبي) و(الزردة) اما صينية زكريا ففيها الملبس والشموع والتنك والبركان وبعد الافطار تأخذ النساء قطعة من الصنية وتنذر او تطلب مرادها غالبا ما يتعلق بالانجاب وحينما يتحقق النذر او المراد في السنة القادمة فتنتقل الصينية الى ذلك البيت وهكذا.. في هذه الايام حضرنا صواني زكريا ولدينا طلب واحد ونذر واحد هو تحقيق السلام والامان لبلدنا العراق.
وتصف الحاجة جورية  احتفال عائلتها وجاراتها بالعيد بقولها: تأخذ المرأة التي تنوي تحقيق نذرها باستعارة شمعة من صينية جارتها مثلا واذا تحقق نذرها، تقوم باعداد صينية في العام المقبل مع صيامها يوم زكريا.

ويشد الحنين الحاجة جورية الى ايام مضت حين كان الاولاد يتحلقون حول امهاتهم وهم يدقون على الطبول والدفوف ويغنون ( يا زكريا ..عودي عليه .. كل سنة وكل عام .. اشعل صينية )، فهي تفتقد تلك الطقوس منذ انتقالها من منطقتها الشعبية لكنها تواصل الاحتفال بالعيد واعداد الصينية ثم توزيع الاطعمة المنذورة على الجيران ومن تريد طلب نذر فعليها ان توقد شمعة في صينية احد الاصدقاء وتطلب من الله تعالى نذرها واذا تحقق لها تحتفل بالعيد بنفسها في العام المقبل.

وتشير ام عامر التي كانت تسكن في منطقة الفضل الشعبية وتسكن حاليا في حي الخضراء الى ان مراسيم صوم زكريا تشابه ما يجري في رمضان من سحور وافطار، وان على المرأة التي يتحقق لها نذرها ـ خاصة العاقر التي تنجب ـ أن تستقل باعداد صينية كاملة في بيتها، كما ان الام التي يقعدها المرض عن الصوم تستطيع ان تكلف احدى قريباتها بالصوم نيابة عنها.وتمضي الايام والسنين محملة بالخير والمحبة دائما ويتسارع ايقاع العصر مع تسارع احداثه، لكن ذاكرة النساء في العراق تواصل تلبية نداءات التراث والمناسبات الدينية والفولكلورية لتحتفل بها.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com