مقالات  

 

سوريا المستقبل القادم .. رأي في مفاهيم الوطنية والديمقراطية

 

احسان طالب

m.h.taleb@mail.sy

ehsantaleb.blogspot.com

 

إن التغير المأمول في بلدنا مطلب حاضر ومستقبل قريب والعمل من أجله يتطلب سعيا وصبرا ويتخذ أشكال عديدة لعل من أهمها نشر المعرفة وترسيخ الثقافة السياسية والاجتماعية. وكثيرا ما يتطلع الكتاب السوريون إلى ضرورة التوافق على مفاهيم ومضامين تصلح منطلقات تجتمع حولها المعارضة السورية، وبحثنا هذا مساهمة في هذا المجال.

فالبحث في مفاهيم الوطنية والديمقراطية من أجل الوصول إلى المعرفة ووضع مفهوم سياسي في متناول اليد يساهم بشكل مباشر في إقرار ثقافة المشاركة والتسامح والحرية على قاعدة الوطن للجميع وكل أبناءه مواطنون ذوو حقوق يمارسون السياسة والاقتصاد بحرية وديمقراطية.

إن احتكار السياسة والاقتصاد في المجتمع السوري نذير شؤم وانتهاج أسلوب الانفراد في القرار والاستئثار بثروة الوطن ومقدرات الناس كانت وما زالت السبب الأول للتخلف والضعف والتأزم الداخلي والخارجي والاعتقاد بأن الأوضاع ستتغير بنفس الأساليب السابقة إنما هو وهم هدفه الإبقاء على الاستئثار بالقرار والثروة. وأعمى البصيرة فقط هو الذي لا يرى الأحداث من حولنا ولا توحي له التغييرات الدولية والإقليمية بضرورة التغيير.

إن الوطنية والديمقراطية ليست مجرد شعارات جوفاء تطلق في كل مناسبة ــ كما يظن بعض الوزراء ــ إنها مطالبة ذات أهمية بالغة يرتكز عليها مستقبل بلدنا وأولادنا وأحفادنا، فسورية اليوم ليست كما نحب ونرضى بل ليست مكانا مناسبا للعيش بحرية ورخاء وإذا أردنا لبلدنا الخير والأمن والاستقرار فالحل في البدء بالتغيير السياسي والإصلاح الشامل من منطلقات ديمقراطية ووطنية لا تفرغ هذه المفاهيم من معانيها ولا تعلبها ضمن إضافات أو ارتباطات تلغي فاعليتها. إننا بحاجة ماسة بعد تجريب النظام الشمولي لأكثر من أربعة عقود للخلاص من الأيدلوجيات السياسية التي تستحق أرفع أوسمة الفشل وأعلى التقديرات في مستويات الهدر والتفرقة .

 

الديمقراطية مفهوم ونظام : 

التعريف المتعدد للمصطلحات السياسية تتقاطع وقد تتباين وفي النهاية هناك مفهوم عام جوهري يتبادر إلى الذهن عند ذكر المصطلح وغالبا ما يكون هذا الجوهر محل اتفاق، وليس المهم في هذا المقام الحديث عن منطلقات نظرية أو تنظيرية محدودة  بل لا بد من النظر إلى المسألة بإسقاطها على الواقع أي ما يحدث اليوم وما نريد حدوثه غدا .

إن الديمقراطية نظام سياسي مقيد يعتبر مجالات عمل الدولة مرتبط بالحريات الفردية والحريات العامة. وفي هذا النظام تكون السيادة الحقيقية على أنظمة وسلطات الحكم للناس الشعب المتكون من كل المواطنين المنتميين إلى الوطن وبذلك يكون الشعب هو المرجعية النهائية للحكم والنظام بالانتخابات السرية والحرة المراقبة محليا ودوليا يمارسها المواطنون بعد مشاركتهم في مشاريع انتخابية حقيقية يقدمها مرشحون وفقاً لقانون يضمن المساواة والفرص المساوية للمؤهلين للترشيح.

ويرتكز النظام الديمقراطي على مجموعة من المبادئ والقيم والحقوق جوهرها الحرية والمساواة وسيادة الشعب وتداول السلطة بين أفراد وجماعات وأحزاب الوطن واعتبار الفرد قيمة بحد ذاته وجدت الدولة من أجل الحفاظ على حقوقه المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة كما وتؤكد على مبدأ فصل السلطات كضمانة وحماية للنظام الديمقراطي وحريات وحقوق الأفراد والجماعات التي تكون نسيج الوطن، وقد تختلف أشكال الحكم من بلد إلى آخر ضمن النظام الديمقراطي بما يتيح للدول الحرية في اختيار الأشكال التي تراها ملائمة أو متفقة مع أوضاعها الخاصة، ففي فرنسا وبريطانيا وأمريكا يختلف شكل الحكم إلا أنها تتصف بكونها نظم ديمقراطية تطبق فيها بطرق مختلفة. كذلك في الهند وإندونيسيا وماليزيا هناك ديمقراطيات متلائمة ومتوافقة مع طبيعة تلك البلدان بالرغم من اختلافها في الثقافات والأعراق والأديان حيث تعتبر الهند أقدم ديمقراطية في أسيا في حين تعتبر إندونيسيا وماليزيا دولا إسلامية ديمقراطية.

لم يقف الإسلام الغالب على شعوبها عقبة في وجه تطبيق الديمقراطية. وبذلك تسقط كل حجج الخصوصية والتقاليد والدين التي عادة ما تثيرها أنظمة الحكم في البلاد العربية.

الديمقراطية مفهوم شامل بدون إضافات شعبية , اجتماعية, مركزية, حزبية, وكل إضافة تفرغ المصطلح من أهميته. وهي تعني وجود معارضة قوية لنظام الحكم قادرة على المشاركة في العملية السياسية وتصويب المسار عبر المراقبة والمسائلة وتداول السلطة. وكلما كان النظام السياسي في بلد ما سليما ومعافى ومستقرا كانت لديه معارضة سياسية قادرة وفعالة والعكس صحيح، وأدل شاهد على تفكك النظام وهشاشته أن تكون المعارضة فيه غير قادرة على إدارة مدرسة.

ليست مسؤولية الناس أن يعلموا الحاكم الديمقراطية أو يقدموها له بالتدرج والتسلسل ومحاولة إقناعه بمحاسنها وفوائدها على استقرار الحكم والبلد، بل ينبغي على رأس السلطة إعطاء الناس الحرية وحق ممارسة الديمقراطية وللأفراد والجماعات.

عندما يشترك جميع أبناء الوطن في الاقتصاد والثروة وصنع القرار وبناء الحاضر و المستقبل، عندما يكون من حق المواطن العادي أن يحلم بأن يكون حاكم ويسعى إلى الحكم بطرق قانونية ودستورية، عندما تغيب الحاكمة الأبدية والخلود القيادي تحضر الديمقراطية.

 

الوطنية مفهوم حقوقي ومدلول سياسي : 

أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر كلمة الوطنية حب الأرض وغريزة الدفاع عن الحمى والذود عن العشيرة تجاه الخارج والذود عن حياض القبيلة وهذا المفهوم تطور كثيرا في بلدان العالم، ونشأ مفهوم المواطن في الحضارة الرومانية وتطور كثيرا في مخال الحضارات الحديثة واتخذت مفاهيم جديدة تفرق بين الوطنية كمفهوم حقوقي ومدلول سياسي وبين الوطنية المعادية للخارج ولكن الحال ما زال مختلفا في ثقافتنا العربية حيث ما زال مفهوم الوطنية مرتبطا بالعدائية تجاه الخارج.

وهنا محاولة لتأصيل مفهوم للوطنية مرتبطة بالحداثة أخذاً بعين الاعتبار علاقة الوطنية بالحقوق والقيم والديمقراطية.

قد يكون مفهوم الوطنية من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تعريفات لارتباطه الوثيق بما هو الأفضل للوطن والناس. وبالرغم من التفاوت في تعريفاتها فهناك قواسم مشتركة تجمع كل المفاهيم والشروح على أصل الكلمة التي لا تثير كثيرا من الجدل في مفهومها بقدر ما تثير من خلافات في تطبيقها أو توصف حالات معينة أو فترات زمنية أو أشخاص.

((قد يعتبر البعض أن الوطنية منظومة من الحقوق المدنية والحريات الأساسية وما يتصل بها من التزامات ومسؤوليات تتجلى جميعها في مبدأ المواطنة وهو مبدأ سيادة القانون ومساواة المواطنين. المشاركة الإيجابية في الحياة العامة وتعبيرها الحقوقي هو الجنسية)) لجان المجتمع المدني

وقد يعتبرها البعض المصلحة العليا للبلاد بما يتفق مع التنمية الشاملة والحفاظ على الموارد والبيئة.

وهنا من أجل التوضيح سأفرق بين : الوطنية والمواطنة

فإذا اعتبرنا المواطنة حق العيش على أرض تنتمي إليها وتحمل هويتها أو تستحق أن تحمل هويتها ضمن عقد اجتماعي بين الأفراد والدولة يتم بموجبه معرفة الفرد لحقوقه وواجبا ته تجاه الدولة ومن ثم حقوق وواجبات الدولة تجاه الفرد،  فإن شروط هذا العقد تقضي بضمان حقوق المواطن من قبل الدولة القائمة على أرض الوطن.  فالوطنية هي العمل على تحقيق مصلحة الأرض والناس برؤية قابلة للخطأ والصواب ــ أي التغيير والتعديل ــ وعليه تكون المواطنة حق ممارسة الوطنية من قبل المواطنين وبذلك ينتفي الولاء المطلق لرأس السلطة أو للحزب الحاكم لأنه يتعارض مع حقوق المواطنة التي تساوي الحاكم والمحكوم أمام الدستور والقانون ، والولاء         المطلق ، عبودية المواطن لقمة السلطة وخضوعهم التام على مدار الساعة ــ من النهار إلى النهار ــ وإذا كانت الوطنية ترتبط بغريزة الحب والدفاع فهي قد تتفاوت من شخص لآخر وقد تتحول إلى مرض العداء للخارج وتأليه أو تقديس الداخل وتكون إشكالية العلاقة بين الداخل والخارج قائمة على التناحر والتنافس وهي تاريخيا كذلك، إلا أن تطور العلاقات الدولية  واعتبار الأحداث التي تجري في أية جزيرة صغيرة ومنعزلة قي  أقاصي المحيط أحداثا تحت دائرة الضوء يتم التركيز عليها والإطلاع على تفاصيلها من قبل كل العالم غدا من غير الممكن اعتبار الداخل منعزلا عن الخارج أو بمنأى عن التأثر والتأثير المباشر وغير المباشر في المحيط الخارجي والمحيط الدولي.

وضمن مفاهيم العولمة لم يعد الحاكم في أي دولة في العالم يملك الوطن والمواطنين ويحق له ممارسة كل أنواع الاستبداد والفساد من أجل البقاء في السلطة دون مساءلة أو غياب للمراقبة الدولية. وبذلك تأخذ الوطنية مفهما لا تغالي في العداء للخارج بل تقتصر على إقرار خدمة الوطن وأبناءه وأرضه.

وفي ظل مفاهيم الديمقراطية العالمية لم يعد صحيحا بحال من الأحوال استعداء الخارج الذي له مثل الحقوق التي للداخل والعلاقة الديمقراطية بين الدول القائمة على المصالح والتعاون والتبادل المشترك والمساواة أمام القانون الدولي هي التي ستحد من غلواء الوطنية وتهذيبها.

وإذا كانت الوطنية متفاوتة وقابلة للتورم والاستعداء فإن المواطنة لا تعترف إلا بالمساواة بين جميع المواطنين، تسييساً لما سبق لا يجوز أن تحتكر فئة أو حزب أو طبقة الوطنية لنفسها وُتخون الآخرين وهذا خطأ درجت أحزاب سياسية معروفة في تاريخ سورية الحديث على الوقوع فيه.

وكانت تعتبر النظام الحاكم غير وطني كما كان هو يعتبرها خائنة وسبب ذلك غموض الرؤية وضبابية الغايات والأهداف مع الغياب المرعب للديمقراطية داخل الأحزاب وضمن أنظمة الحكم السائدة.

وتتجاوز الوطنية في مدلولها السياسي أفكاراً قديمة وموروثة تحدد علاقة الناس بالحاكم بعلاقة الراعي بالرعية فالراعي هو القائد الفذ الملهم الأول في كل شيْ وهو وحده القادر على الاهتمام بالرعية واختيار ما هو الأفضل والأصلح للرعية وهو يختار لهم أفضل وأعدل الأنظمة وواجب الرعية السمع والطاعة وإن رأت خطأ تنبه له والراعي يفصل في الأمر.

 ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))

الوطنية تتجاوز مفهوم الجماهير التي تجمع  ببوق وتفرق  بأمر. الجماهير المنساقة بحب غريزي نحو القائد الملهم الذي ما يلبث أن يغدو إلهاً وتغدو الجماهير عبيدا. وكل ما يؤثر على صورته أو  سلطته يغدو عدواً أو خائنا وبهذا التجاوز لا تغدو الوطنية أيديولوجية سياسية منغلقة ولا تتحول إلى دين.

 

الأنظمة الشمولية ومفهوم الوطنية :

تلاعبت الأنظمة الشمولية بمفهوم الوطنية و كعادتها سعت لتسخيره وعول بته بما يساهم في تخليد سلطتها وتأييد سيطرتها ولعقود طويلة غاب الوطن وحضر الرمز وتحول الولاء والوفاء والانتماء  للقائد الأعلى ومن ثم للحزب القائد فوق كل الاعتبارات وتماهى الوطن مع الرمز وغدت الوطنية ولاءً مطلقاً لرأس السلطة التي غيبت هذا المفهوم وذوبته في الأيدلوجية القومية وألغت مفهوم سورية الوطن واستبدلته بمفهوم الوطن العربي الكبير.

 في حرص شديد على إخراج المواطن والشعب من دائرة الاهتمام المركزية وتحويل الثقافة الوطنية نحو المحيط الخارجي استعداءً أو استرضاءً ألحقت الوطنية بالعدائية ورسخت مفاهيم قومية لا ترى الآخرين إلا من الأعلى، وغدا الحديث عن الوطن في معارضة مفهوم الأمة بهدف الانفراد بالسلطة والثروة والنأي بهما عن المراقبة وصرف الأنظار نحو الخارج العربي لتحقيق حلم أو وعد تسعى الأنظمة بكل ما أوتيت من قوة لعدم حصوله بطرق حضارية أو مدنية، وإنما العمل بالقوة والعنف لتحقيقه بهدف الاستيلاء والانفراد بمزيد من السلطة والثروة ( احتلال الكويت من قبل صدام ــ بقاء القوات السورية في لبنان لأكثر من ثلاثين عاماً ــ السعي الليبي للسيطرة على الدول الأفريقية المجاورة ) ومن أجل الاستغراق في تغييب الوطن وقيم ومبادئ المواطنة، سعت هذه الأنظمة إلى استعداء العالم الخارجي وإيهام الإنسان البسيط بالخطر الداهم لصرف الأنظار عن مستويات الإذلال والإفقار والمهانة التي وصل إليها هذا الإنسان، وتأجيل مشاريع التنمية والحفاظ على البيئة إلى حين القضاء على العدو الخارجي. في الوقت الذي تدرك فيه تماماً عدم قدرتها على مجابهة هذا العدو و تعقد اتفاقيات هدنة للإبقاء على الصراع قائماً نظرياً بما يسمح بقمع كل الحريات و استباحة الإنسان و الوطن بحجة الوقوف صفاً واحداً في مواجهة العدو المفترض الذي يكبر يوماً بعد يوم و كلما ظهر فشل هذه الأنظمة في صراعها مع العدو تعمل على توسيع دائرة عدائها و تضخم العدو و تضيف أعداء جدد يستحيل التغلب عليهم و هكذا يطول أجل الصراع و تحضر الأجيال الناشئة لترث الصراع مع الأعداء القائمين والمحتملين  ونقله للأجيال القادمة بعدها في حين ترتع الأنظمة الشمولية الفئوية في خيرات الوطن و تورث الأبناء ثروات جمعت من داخل الوطن وغدت إمبراطوريات رأسمالية في الخارج،وأخيرا لجأت الأنظمة الشمولية إلى نبذ العلمانية وإصباغ الصراع باللون الديني وإعطائه أوصافا عقائدية شرعية وإلحاق الدولة القومية المنشودة بمفاهيم الأمة الشاملة. وهكذا تزداد الشعارات تورما وتتعقد المهمات المستحيلة أصلاً . ويغدو الوطن والمواطن في خبر كان الغائب.

 

الأنظمة الشمولية ومفهوم الديمقراطية :

لم تكن المسألة الديمقراطية ذات بال في الطروحات الأيديولوجية للأنظمة الشمولية.

ونتيجة لاحتكاك بعض مؤسسي الأحزاب الشمولية بالثقافة الغربية كان لزاما التفاتهم نحو مفاهيم الديمقراطية السائدة،  ولما كان الوصول إلى السلطة هدفا بحد ذاته والبقاء فيه غاية نهائية،  كان لا بد من إفراغ المشاركة السياسية والتعددية الحزبية وإسهام المواطنين في السياسة من مضامينها والالتفاف عليها واللجوء إلى أساليب تجعل مجرد التفكير في السياسة جريمة فضلاً عن ممارستها، وصارت المشاركة الوحيدة في السياسة هي البحث في صوابية الأنظمة وعظمتها وتحويل هزائمها المرعبة إلى إنجازات معجزة.

وكذرٍ للتراب في العيون تبنت الأنظمة الشمولية شعارات تلحق الديمقراطية بتوصيفات  وتحديدات تسلبها الإطار الحقيقي للكلمة وغدت الديمقراطية الشعبية والديمقراطية الحزبية والاجتماعية طريقاً وأسلوباً لوضع العراقيل والحدود أمام المفهوم الأساسي وأنشئت المنظمات والنقابات والهيئات بقرارات سياسية وانتخابات شكلية نتائجها ليست معروفة فقط بل ومكتوبة.

ورسخت الثقافة الشمولية أعجمية الديمقراطية ونسجت على منوال الخصوصية والاختلاف الثقافي والعرقي عن بقية دول العالم لتجنب اللجوء إلى المشاركة الحقيقية للشعب في السلطة والقرار.

وأقحم الدين في مواجهة التغيير الديمقراطي على اعتبار الثقافة الغربية فاسدة ومتحللة من الأخلاق والقيم والمبادئ وكل ما تطرح يتعارض مع تقاليدنا وعاداتنا الإسلامية والعربية الأصلية. ولما زادت المطالبة الخارجية بالديمقراطية تجندت الأقلام لتفنيد مفاسد الغرب وضلاله وغيه والعزف على وتر الثراء الثقافي والحضاري لأمتنا وصد الغزو الثقافي الآتي إلينا من الخارج وأننا سنصنع ديمقراطيتنا الخاصة خطوة، خطوة  وقد نصل بعد عقود أو مئات من السنين لكننا نحظى بشرف المحاولة. وتكون النتيجة الإصلاح الجزئي وبطرائق استثنائية وتفضيلية انطلقت أساساً من رؤية فردية أو حزبية ضيقة . وكتأجيل للحل الديمقراطي تلجأ الأنظمة إلى التعددية الشكلية.وتشهر أحزاب تتفق مئة في المئة مع المنهج الفكري والعملي للحزب القائد وتعد تلك الأحزاب الوهمية خط الدفاع المتقدم عن سياسات السلطة الداخلية والخارجية التعددية الشكلية والانتخابات المحددة النتائج والديمقراطية الملحقة بحدود وأوصاف قادرة على العيش جنبا إلى جنب مع الأنظمة الشمولية بل وستساهم في تثبيت أركان السلطة وتوريث الدولة والثروة.

(( في مصر التعددية موجودة والصحافة الحرة موجودة إلى جانب الإنفراد بالسلطة والعمل على توريث الحكم )) ــ برهان غليون موقع الرأي ــ .

إن الأنظمة الشمولية التي تعتبر نفسها وطنية وليست ديمقراطية إنما دمرت الوطن وقضت على المواطن ورسخت ثقافة الاستبداد وائتلاف الظلم وأوجدت تيارات تعتبر الديمقراطية وهماً وشعاراً أجوف وجد لإبعاد اهتمامنا عن قضايانا الكبرى وأعدائنا الحقيقيين . وإن الظلم والفساد والاستبداد لا يتعارض مع الوطنية طالما توجه الاستبداد بالشعار للحرب على الخارج وحتى ولو لم يفعل يكفيه فضيلة موقفه الثابت وشعاراته الراسخة.

 

مفهوم الوطنية في الفكر الديني :

جاء المفهوم الديني من أجل السمو بالروابط بين البشر والارتقاء بها إلى المستوى الإيماني والروحي ، فالدين لا يعترف بوجود حدود جغرافية ( أضحى الإسلام لنا دينا وجميع الكون لنا وطنا ) ــ محمد إقبال ــ

تعتبر الوطنية في الفكر الديني ارتباطا بالأرض يشبه إلى حد كبير ارتباط الحيوانات بالحظائر.

( إن لبنان أرض إسلامية فتحها أجدادنا الصحابة الكرام عليهم الرضوان فنحن قاطنون في أرض لبنان الذي هو قطعة من بلاد الشام والشام بدورها جزء من دولة الخلافة إن شاء الله ) ــ أمين مكناس عضو المكتب الإعلامي لحزب تحرير لبنان ، السفير  11/5/2005

فالكون يجب أن يكون وطنا واحدا يحكم بأمر الله وشريعة الله والأوطان لا وجود لها صغيرة كانت أم كبيرة. هذه هي المنطلقات الأصولية ، لكن الواقع التاريخي للدولة الدينية منذ فجر الإسلام إلى الآن يظهر فشل  تلك النظرية بالإضافة إلى كونها نظرية ميتافيزيقية غير قابلة للتطبيق. فالدولة الإسلامية منذ عهد النبوة كانت قبلية (( الأئمة من قريش )) وأبو بكر أبى أن يولي الأنصار ورفض تحكمهم في دولة الإسلام في المدينة المنورة التي هي مدينتهم أصلاً ، وعمر بن الخطاب كان قوميا بامتياز والنفس العروبي كان ملازما لفكره وأعماله ولا يخفى على أحد المآخذ التي أثارتها معارضة أهل البيت على عثمان الذي أقطع البلاد والثروات لرحمه وأهل بيته وعندما اعترضوا عليه قال : ( وهل أآخذ إذا وصلت رحمي ) ثم جاءت الدولة الأموية استمرارا لتحكم الأسرة والقبيلة وأورثت الدولة لبني مروان تؤكد القبلية التي قامت عليها الدولة. في حين كانت الدولة العباسية انتماءً لأبي العباس مؤسسها الذي اشتهر بفتكه الشديد لبقايا الأمويين وحتى حلفائه الذين قد يشكلوا خطراً على سلطته من المعارضين السابقين.

وتعددت الارتباطات القومية والقبلية التي تلت انهيار الدولة العباسية فكان البويهييون والإباضيون والبرامكة والقرامطة والفاطميون والمماليك والأيوبيون والسلاجقة إلى أن جاءت الدولة العثمانية التركية القومية الجذور والتي عرف تاريخها عنصرية واضحة ضد العرب والأرمن وسواهم، وفي عصرنا الحالي الدولة الفارسية الإسلامية في إيران ( أشار الصحافي الفرنسي إيريك ردلو في مقابلة مع قناة الجزيرة إلى أسبقية القومية ولاحقة الدين في فكر الخميني كونه على صلة وثيقة به خلال إقامته في باريس ) ، والدولة العربية السعودية القبلية في الجزيرة المنسوبة أصلاً إلى مؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بمرسوم ملكي أصدر في 13/9/1932 .

وفي استعراض دقيق للنصوص الشرعية نجدها تخلو تماما من إشارة إلى قيمة الوطن أو الأرض أو الانتماء للدولة بدون ارتباطات دينية، ولا يوجد دلالة على عقد اجتماعي بين الفرد والحاكم ، ولم تعرف السياسة ونظمها في الإسلام إلا البيعة والطاعة وعلاقة الراعي بالرعية ولم يكن هناك مجلس أو مجالس تتولى مصالح الناس بل الشرطة والقضاء وعلماء الدين هم المسئولون عن النظر في مصالح البلاد والعباد وتقديم النصح والمشورة على الحاكم. والشورى على الرأي الفقهي الراجح والإشارة الوحيدة إلى التعلق بالأرض غير ملزمة للأمير أو ولي الأمر. 

والإشارة الوحيدة إلى التعلق بالأرض جاءت بعد هجرة الرسول إلى المدينة حيث أصاب المرض بعض المهاجرين وقال النبي : ( إنه هوى مكة ) . وحب النبي لمدينته الأم كان دائما مبررا  لوجود البيت الحرام والكعبة.

 أما مقولة حب الوطن من الإيمان فهي محدثة ولا أصل لها لا في القرآن ولا في الحديث ولا في المأثور عن الأئمة والصحابة والتابعين، إذن فمسألة الوطنية طارئة في الفكر الديني.

( إن النظام السياسي الإسلامي ابتدأ كنظام قبلي لعدم وجود مفهوم المواطنة وحتى الآن فإن الإسلام السياسي يلح على لفظ الأمة متصوراً أن المسلمين جماعة أو قبيلة واحدة ) محمد سعيد عشماوي .

وفي رؤية الإخوان الأخيرة جاءت الإشارة إلى دولة المواطنة التي يتساوى فيها ( جميع المواطنين أمام القانون ويتمتعون بالحقوق السياسية التي يكفلها الدستور وتنظمها القوانين ) واعتبرت العلاقة بين الحاكم والمحكوم تعاقدية منبثقة عن إرادة حرة ) رؤية الجماعة ص 37 .

والواقع أن هذا الموقف الإيجابي ما زال قيد بحث وجدل شديد بين أقطاب التيار الديني ومفكريه كونه لا يستند إلى آية مرجعية نصية أو حتى فتاوى فقهية سابقة. وبذلك تكون هذه الرؤية اجتهادية فوق النص تتعارض مع ما أقرته الجماعة في مرتكزاتها باعتبار المرجعية الدينية أساساً للدولة الحديثة في حين أن حزب التحرير الإسلامي ما زال يصر على مبادئ البيعة والشورى والإمارة والإمامة التي لا تتضمن حقوق المواطنة الحديثة المتعارضة مع النصوص الشرعية.

 

الوطني والديمقراطي من مفهوم قومي : 

في الثقافات العالمية لا يوجد تفريق بين الوطنية والقومية وغالباً ما تتداخل المصطلحان ويصبحا كلمتان لمعنى واحد.

سعت الأنظمة الشمولية في أوربا الشرقية إلى تذويب القوميات في المفهوم الوطني ، وحاول تيتو في دولته المتعددة القوميات والأديان (( يوغسلافيا )) طحن القومي والديني في المنطق الوطني لكنه لم يفلح وتفتت دولته ونشأ عنها دويلات على أساس الأعراق والأديان، كذلك الحال في تشيكوسلوفاكيا السابقة التي انفصلت إلى دولتين على أساس عرقي، وكذلك هو الحال في الاتحاد السوفييتي السابق حيث سعت الدولة المركزية لطمس القوميات والأديان وصهرها في بوتقة الوطن لكنها بعد سبعين عاماً من النضال والفكر الأيديولوجي لم تفلح ونشأت العديد من الدول كان الغالب عليها الطابع القومي وأحيانا الديني.

في حين أن الأنظمة الشمولية العربية عكست الآية وأرادت تذويب الوطن والأعراق والأديان في بوتقة القومية وجهدت طيلة أربعة عقود لطمس الهويات الوطنية والقوميات المختلفة التي يتألف منها النسج الوطني وكانت النتيجة الفشل الذر يع في لبنان كما في محاولة تعريب الأكراد السوريين والأكراد العراقيين وتفريس عرب الأهواز الإيرانيين في حالة مشابهه.

الديمقراطية عند القوميين ديمقراطية مركزية فمؤتمرات الحزب تنتخب بشفافية وحرية الأجدر والأقدر من كوادر الحزب قائد الجماهير ليكون قائد الوطن.

وهناك ديمقراطية درجة ثانية هي الشعبية وتتم ممارستها ضمن منظمات ونقابات واتحادات موالية ولاءً أعمى للحزب القائد يتم قادة لهذه الهيئات عن طريق الانتخابات الصورية.

وأخيرا تبنت الأحزاب الشمولية مقولة الديمقراطية الاجتماعية في سعي لإبعادها عن المفاهيم السياسية والحقوقية .

في البلاد العربية إبان الحكم التركي كان مفهوم الوطنية متجليا في الانتماء القومي حيث كان أعلام النهضة العربية يرون مصلحة البلاد والعباد في الانعتاق من نير الأتراك وعندما أعياهم الإصلاح لجأوا إلى الاستعانة بكل ما يحقق غايتهم وتسبب ذلك باعتبارهم خونة وتم إعدامهم في 6 أيار  عام 1916 في بيروت ودمشق،  وفي المقابل اعتبر بعض رواد النهضة العربية أن السعي للإصلاح إنما يكون من خلال تغير الاستبداد الداخلي وبقاء الارتباط الديني مع العثمانيين وكان على رأس هذا التيار جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي الذي لم يسلم من الاستبداد وتم اغتياله من قبل الأتراك عام 1902، والإشارة هنا إلى رواد النهضة العربية ليس من قبيل السرد التاريخي إنما هي حالة استشرى فيها الاستبداد والفساد وسعى أعلام التيار التنويري العربي للتخلص منه بأساليب مختلفة وربما كانت متعارضة ولكن الغاية كانت واحدة والنتائج جاءت مخالفة لتوجهات الجميع حيث احتلت البلاد العربية من قبل أوربا التي تم طلب مساعدتها وفي نفس الوقت لم تفسح سلطة الاستبداد مجالا للتغيير أو الإصلاح.

وبالرغم من التغير الجذري الحاصل في النظام العالمي الجديد والعلاقات الدولية بما يفرض شروط موضوعية مغايرة للحالات التاريخية إلا أن الالتفات نحو تلك الحالة يساهم في توضيح الرؤية.

 

العلاقة بين الديمقراطية والوطنية :

أية دراسة نظرية سطحية لا تظهر علاقة بين المصطلحين وخاصة عندما ترتبط المفاهيم الوطنية بغريزة الحب والدفاع ، وربما كانت الأسبقية التاريخية لتطبيقات الديمقراطية ووجودها في أنظمة الحكم اليونانية القديمة حيث عرفت أثينا الحكم الجمهوري الديمقراطي وساد إسبارطة نظام ملكي تخللته مظاهر ديمقراطية ، في حين ظهر مفهوم المواطن في الحقوق الرومانية إبان العهد الجمهوري الروماني الذي عرف التشريع المدون والمقونن   ، ووجد الالتباس والغموض استنادا إلى حداثة مفاهيم الوطنية وتاريخية ظهورها القريبة من عالمنا الفكري السياسي المعاصر.

بيد أن التأسيس على دراستنا يظهر ارتباطا هاما وحيويا بين المفاهيم ويؤكد على ضرورة وجود قاسم مشترك بين الوطنية والديمقراطية. فكلا المفهومين يشتمل على حقوق مدنية وسياسية يضمنها العقد الاجتماعي بين الدولة والفرد.

فإذا كان الحفاظ على بيئة الوطن وثرواته البشرية والمادية وتحقيق التنمية المستدامة من أجل رفع مستويات الحياة المدنية والحضارية من أولى مهمات الدولة الوطنية فإن الراعي لهذه العملية والمشرف على استمرارها وتحقيقها هو النظام الديمقراطي.

إن الرغبة أو النية الصادقة المنطلقة من وطنية غريزية لدى بعض القادة الأعلام في تاريخ العرب الحديث أجهضت مصلحة الوطن وتسببت في كوارث وهزائم ما زالت أثارها قائمة إلى اليوم وذلك بسبب غياب الديمقراطية عن نظمها الدكتاتورية، واستفرادها في القرار والمصير.

إن الذي يحمي الوطن من الرؤية الفردية والأيديولوجية بمفهومها الانغلاقي أو التوهمي هو إشاعة ثقافة الديمقراطية بين أفراد الشعب وتربية الأجيال وفقا لمفاهيمها الحديثة.

والسبب في الاعتقاد بوجود الوطنية بمفهومها الحديث بدون ديمقراطية غياب الثقافة التعددية وسيطرة وهم الدولة الأمة أو الأمة الدولة التي تعد من أولياتها تذوب الفرد في المجموع وذلك خلافا لمنظومة الديمقراطية القائمة على احترام الفرد وحقوقه وحرياته.

     فيما تعود أسباب غياب الديمقراطيات الوطنية أو عدم استمرارها في حالة وجودها ( في سوريا ما بعد الاستقلال وحتى عام 1958 باستثناء فترة الانقلابات وديكتاتورية الشيشكلي مثلا ) إلى :

1 ـ تأخر ظهور النظم الديمقراطية في البلاد العربية تاريخيا

2 ـ غياب الثقافة الديمقراطية في الهيئات التعليمية والمنتديات الاجتماعية وغموضها في فكر ونتاج المثقفين العرب

3 ـ المرجعية الدينية للتشريعات المدنية والسياسية

4 ـ التيارات القومية التي أعمت العيون عن الديمقراطية لإماتة الشعور بالوطن واستبداله بالقطر المفروض تذويبه في الوطن الكبير وفي بوتقة الأمة

إن عدم ربط الديمقراطية بالوطنية يفرغها من مفهومها الفعال والايجابي ويحصرها في غريزة حب الداخل وعداء الخارج ، مما يبرر وجود الحاكم الوطني الذي يحارب الديمقراطية ويسعى لتوريث الحكم لأحد أفراد أسرته بدون إشراك الشعب أو وفق تمثيليات انتخابية صورية وتعديلات دستورية فورية.

والانفراد بالوطنية بمفاهيمها الطبيعية ينشئ أجيالا تفضل نظام الاستبداد والفساد وتحارب لبقائه بل وتدفع حياتها ثمنا لاستمراره بحجة تفضيل الداخل على الخارج وهذا ما يبرر دوافع بعض الانتحاريين في العراق وما يخلفونه من دمار وإزهاق لأرواح أبناء وطنهم واستنزاف خيرات بلادهم بسبب مفاهيم خاطئة ومغلوطة عن الوطنية وغياب مفزع للثقافة الديمقراطية.

أخيرا لا بد من الإشارة إلى محورين هامين استكمالا لهذه الدراسة وهما :

1 ـ الديمقراطية والعلمانية

2 ـ الديمقراطية في الفكر الديني ، وتطبيقاتها في بعض الدول الإسلامية

وسيتم نشرهما لاحقا  .

              

                   

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com
 

87