مقالات  

 

الديمقراطية العراقية والوقوع في فخّ المحاصصة السياسية

(المفخخات السياسية)

 

 

محمد الموسوي / باحث قانوني

almosawy1967@yahoo.com

 

إن حق المشاركة السياسية وما يتفرع عنه من حقوق كحرية التعبير وحصانة الاختلاف من الحقوق المكفولة والمنظمة في الأنظمة السياسية الديمقراطية كافة، وما الصيغة الفيدرالية في إدارة الدولة إلا واحدة من مقتضيات هذا الحق.

فالمشاركة السياسية، بهذا المعنى، لا تعني حصول فريق على نسب ثابتة في السلطة مقابل نسب أخرى للفريق المقابل بنفس الوقت الذي لا تعني فيه إقصاء أي طرف من أطراف المجتمع في العملية السياسية مهما كانت توجهاته مادام مؤمنا بالعمل الديمقراطي وسيلة لخدمة المجتمع.

وإذا كان الأمر كذلك فالنسب الثابتة أو ما يطلق عليه المحاصصة السياسية ما هي إلا إفراغ لمحتوى المشاركة السياسية في النظام الديمقراطي وتدمير للحقوق المتفرعة عنها. فالمحاصصة عكس المشاركة، ففي حين أن المشاركة السياسية تعني أن يكون الجميع سواء في حق الانتخاب وحق تولى المناصب حسب الكفاءة تأتى المحاصصة وتحدد مسبقا لكل فئة مقدارا محددا من الكراسي فتتقوّض بذلك المساواة، إضافة إلى ما يترتب على المحاصصة من نتائج وخيمة كالتقوقع في محيط دائرة محددة حزبية أو طائفية أو عنصرية أو قبلية فينحصر الاختيار حسب الهوية الطائفية أو الحزبية أو العنصرية أو القبلية وهنا يتم القضاء على السمة الأهم في الدولة الديمقراطية وهي سمة المؤسسات القائمة على الوطنية والكفاءة، إضافة إلى ضرر المحاصصة في انعدام التأكيد على البرامج السياسية للقوى المشتركة في العملية السياسية فيختلط الحابل بالنابل ويضيع الغث مع السمين وينتهي الأمر إلى جماعتنا وجماعتكم ومذهبنا ومذهبكم وأصلنا وأصلكم وهو الأمر الأسوأ الذي يؤدي بالمجتمعات آلي التفكك والتحلل إن لم يكن الاقتتال، وماحدث في لبنان خير دليل على ذلك فكم شيعي أو سني أو مسيحي لبناني من ذوي الكفاءة النادرة تم استبعاده لا لشيء إلا لكونه خارج دائرة الأرقام المحددة لطائفته وكم لبناني جاهل وسارق وصل للسلطة أنه استطاع بدهاء استفزاز مشاعر طائفته ليصل آلي كرسي المجوهرات وشرب الموارد وأكل العقارات. فهل ياترى هذا هو حال الديمقراطية في العراق؟

إن ما حصل بالعراق لاشكّ انه زلزال كبير ليس على مستوى الدولة والسلطة والشعب فيه حسب بل يتعدى ذلك آلي مستوى الوطن العربي والشرق الأوسط بأكمله، فقد عانى العراق لزمن طويل من الاستبداد بكل ألوانه وصوره كالاستبداد المتأسلم الذي جعل الدين شعارا يستمد شرعيته منه أو الاستبداد المتعرب الذي اتخذ القومية العربية ستارا للتفرد والتعنصرالنازي آلي أن وصل أخيرا، في زمن صدام، آلي مرحلة الفرد الحاكم أو القائد الضرورة وهي أول مراحل تأليه الحكام وما يرافق هذه المرحلة من إجهاض للفكر السياسي المتعدد وتغييب لفلسفة المشاركة السياسية وتدمير لمفهوم الدولة المؤسسية إضافة آلي انتشار الظلم بأوصافه المتعددة ليشمل كافة شرائح المجتمع الأمر الذي أدّى بالمجتمع العراقي أن يصبح قطيعا لا رأي له وان تنعدم فيه روح المواطنة وتثار عنده النزعة الأنانية الشوفينية المستبدة، فجاء التغيير الديمقراطي ولكن بقوى دولية لها اجندتها الخاصة دون أن يكون الشعب ممتلكا لبرنامجه السياسي الواضح فوقف مسلوبا ينتظر التغيير علّه يجد خبزا وماء ناهيك عن الإشكاليات التي برزت بفعل التدخل الخارجي كإشكالية الرفض الفطري للاحتلال وعدم التهيؤ الشعبي لاستقبال التغيير بسبب جمود الاستبداد،  وهو الأمر الذي ينعكس على ضعف وجود القوى السياسية المحلية الفاعلة - بسبب التهجير والتقتيل الاستبدادي للنخب السياسية - وعدم قدرتها على طرح مشروع وطني يلتف الشعب حوله وبسبب النزعة الاستبدادية الفردية التي رسخت وضعف الروح الوطنية والشعور بالمواطنة لغياب مفهوم الدولة الراعية لمصالح مواطنيها لدى غالبية أفراد المجتمع، ونتيجة لذلك شهد العراق تخبطا واضحا أدى آلي حدوث انقسامات كثيرة بين صفوفه فلم يجد الفرد العادي أمام ذلك إلا الرجوع آلي المرجعيات العاطفية لدية كالمرجعيات الدينية أو القبلية بل وحتى المذهبية والعنصرية لشعوره بالثقة في إنها ستحمي مصالحه وهو الأمر الذي ساعد السياسيون عليه لا بل اصبحوا هم جزءا منه لضعف قدرتهم على استنباط المشروع السياسي الوطني الذي يجمع طاقات الجميع ويحقق   لهم الثقة في ضمان مصالحهم فتجد أن القوائم الانتخابية تترست بالطائفية والعنصرية واصبح رجل ديمقراطي كعدنان الباججي ينادي بحقوق العرب السنة ليجد له موطأ قدم أو كرسي ولو برلماني وهنا انصاع رجال السياسة آلي الواقع السلبي والضياع الوطني للقوى الشعبية فتجد مثلا إن غازي الياور،  وبعد أن شكّل قائمة عراقيون التي نأت بنفسها بادئ الأمر عن التكتل الطائفي، تراجع وظهر بشكل المدافع الأمين عن حقوق العرب السنة خاصة بعد خيبة القاعدة الجماهيرية لقائمته في الانتخابات وكذلك الأمر حصل للكثير من القوى السياسية الشيعية والتي نحمد الله على وجود السيد السستاني الذي أذهل العالم والعراقيين بحكمته وحنكته إذ جرّد بعض هذه القوى من النزعة الطائفية بإعلانه إن الشعب العراقي واحد ومصالحه الوطنية واحدة وان السنة نفس الشيعة إضافة آلي تأكيده على ضرورة تمثيل كافة مكونات الشعب بعد أن تصدى وبصورة مذهلة للعملية السياسية من خلال ما نستطيع تسميته بفقه الانتخابات من مشاركة وكتابة وطنية للدستور، وهو الأمر الذي أحرج القوى الخارجية أرغمها على النزول آلي ذلك بعد أن جاءت وقد أعدت دستورا وحكومة هي ارتأتها، لكن بعض القوى استطاعت أن تفلت من الإجماع الوطني على الانتخابات ولاسباب مختلفة منها ما هو مبرر ومنها ما هو غير ذلك فانكفأت عن المشاركة وقاطعت الانتخابات فجاء الفوز أعرجا الأمر الذي أدى ببعض هذه القوى آلي أن تستبين خطأ عدم المشاركة ومحاولتها الالتحاق بالعملية السياسية وان واجهت عقبات أما القوى الأخرى فقد ظلّت متمسكة تدعوا آلي ضرورة ضمان حصتها من السلطة أطلقت على نفسها وصف القوى المهمشة - والحقيقة أنها هي التي همّشت نفسها - والغريب إن القوى الفائزة وقعت في الفخ ونزلت آلي المحاصصة لترضي هذه القوى فأعطتها جزءا محددا لم ترضاه وستضل تطلب اكثر واكثر أو تستخدم قاعدة اطلب مائة لتحصل على خمسين وطبعا شعار مقاومة الاحتلال مهيأ للعمل إضافة آلي متطوعي الانتحار في المفخخات وهذا كله بالطبع يؤدي كما قلنا آلي إجهاض فكرة المشاركة السياسية بالمعنى الديمقراطي.

أن طريق الخلاص الوحيد نحو الأمن والديمقراطية هو إعداد دستور يستبعد المحاصصة ويقرّ الفيدرالية والحقوق الأساسية ويزودّها بقوانين محكمة تساعد على نمو الجنين الديمقراطي في العقلية الشعبية أو السياسية على حد ّسواء وبعكسه فن التشرذم لا مناص منه كما وان اعتماد أسلوب المحاصصة خيانة للوطن والشرف الاجتماعي يودي آلي نتائج كارثية على العراق بسبب العوامل الداخلية التي أشرنا لها إضافة آلي العوامل الخارجية التي لاتقل خطورة في التأثير على الواقع العراقي لان التغيير الديمقراطي الناجح فيه يعّد خسارة قد تكون كارثية لبعض الدول فدول الجوار مثلا لديها الاستبداد الذي تدافع عنه بكل قوة أما الدول الأخرى كفرنسا فقد خسرت المليارات التي كانت تأخذها من الاستبداد في العراق والصين لن تجد ما تبيعه وهو أمر يشكل خطرا على الاقتصاد الصيني خصوصا إذا ما علمنا إن مبيعات الأسلحة الصينية للعراق وإيران خلال الفترة من 1980- 1991 بلغت (1300) دبابة للعراق و(540) دبابة لإيران كما كانت نسبة المدرعات المصفحة لنقل الجنود بواقع (650) للعراق و (300) لإيران أما الصواريخ المضادة للدبابات فقد كانت(7500) لإيران ولا شيء للعراق وكذلك قواعد إطلاق الصواريخ (1200) لإيران ولا شيء للعراق ( انظر بيع الدبابات للعراق   والصواريخ المضادة لها لإيران وقارن نسبة الشرف التجاري والسياسي الصيني يا رعاك الله ) وغير ذلك من الدول التي يشكل نجاح العراق لها كابوسا أمنيا وماليا كبيرا دون أن ننسى قوى الظلام الإرهابية التي تحارب النور أينما بزغ، فهل ينصاع العراقيون لهذه الرغبات الهدامة أم يلتفوا جميعا حول مشروعهم الديمقراطي الوطني،  لهذا ندعوا ونشهد الله على التبليغ.

 

 

 

 

              

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com