ثقافتنا بين (أبراج) و(اقرأ)؟!

 

بعد صدور أربعة أعداد من صحيفة بنت الرافدين، صحيفة المرأة العراقية وصلتنا عدة ملاحظات تمحورت أكثرها في أعتراض النساء لعدم وجود أبراج في الصحيفة، وقالت أحداهن – والعهدة على الراوي –(كيف تكون صحيفة نسائية دون أبراج، أذا اردتم ان تقرأها النساء فعليكم ان تضيفوا اليها عمودا للابراج).

مع احترامي لهذا الرأي ولنظائره من الآراء التي طالبت بأضافة فقرة الابراج الى الصحيفة، أقدم أعتذاري لأننا لن نضع في صحيفة المرأة العراقية أبراجا.

من خلال منظومة الموروثات التي أدارت العجلة الفكرية والحضارية لمجتمعاتنا، تبلورت شخصية الافراد في تلك المجتمعات وخاصة شخصية المرأة. فنراها تهرب من عالمها المفخخ بالرعب والعنف على مختلف مستوياته ابتداء من التمييز بينها وبين أخيها في الاسرة ومرورا بنظرة المجتمع لتنتهي الى أحضان الزوجية القائمة على سيادة الرجل وعبوديتها المتأصلة في ثقافة السلوك البشري لمجتمعاتنا، الى عالم آخر ساحر يمنحها الأمل المفقود على أرض الواقع.

ومن مفردات ذلك العالم الساحر، الأبراج وما يدور في فلكها، قراءة الفنجان، التردد على الساحرات (السحارات)، البحث عن أي منقذ يقدم لها حلولا سهلة وسريعة لمشاكلها وأحلامها دون أدنى مشقة أو عناء.

فالام التي تواجه مشاكل مع الكنة – مثلا -، تيمم وجهها شطر (الفتاح فال) أو (السحارة) لتقدم لها وصفة جاهزة للمشكلة، ولو فكرت قليلا لوجدت بان قليلا من المحبة والتساهل وأحيانا غض النظر عن هفوات الآخرين كفيل بان تأتي بكنتها الى الطاعة.

والزوجة التي فشلت في كسب قلب زوجها بقليل من المحبة والتودد والتواضع وكثير من الصبر أو كسب ود أم زوجها بشيء من الخلق الحسن والقلب الصافي، وفي محاولة لرفضها الاعتراف بهذا الفشل تلجأ الى (السحارة) لتعطيها وصفة أو شربة لكي يحبها زوجها ويصبح قيسا في ليلة وضحاها.

وفي لحظات عجز أو يأس تمر بها المرأة، تحاول ان تبحث لها عن خلاص فلا تجد سوى الابراج أو الفنجان او قراءة الطالع في محاولة لاعادة ما بعثره الزمن من أمل مقطع الاوصال.

ولهذا ولغيره، أقترنت مفردات ذلك العالم الساحر بالمرأة، وسعى الجميع الى ترسيخه كحقيقة ترادف حقيقة المرأة.

ويبقى السؤال المطروح: كيف ننهض بواقع نسائنا وهن لا يقرأن من الصحف غير عمود الابراج؟

يقول أحد المشرفين على غرفة للمبيعات في احد معارض الكتب التي أقيمت مؤخرا في محافظة بابل ان نسبة الرواد للمعرض من النساء قليلة جدا بل تكاد تكون معدومة في بعض الأيام، ومن هذه القلة القليلة التي جاءت تطلب الكتاب كن يبحثن عن كتب تفسير الاحلام وكتب الابراج والطبخ وكتب الاعشاب الطبية، ومن المفارقات التي حدثت في المعرض ونقلها لي ذلك المشرف ان استاذة جامعية برفقة زميلتها كانت تتصفح  بعض الكتب حتى وصلت يدها الى كتابي (المرأة بين فاعلية التأريخ وجمود الحاضر) وعندما قرأت أسم المؤلف ورأت صورتها أعادته الى مكانه متضجورة دون ان تتصفحه وترى ما فيه وهي تقول لصاحبتها: اتركي هذا انه  لأمرأة!!

فيما كان هناك استاذ جامعي آخر يطوف المعرض متصفحا كتابا وراميا بآخر لينتهي به المطاف عند المشرف ويتسائل: أين يمكنني ان أجد كتب تفسير الأحلام؟!

يا ترى من هو المسؤول عن كل هذا؟!

ألم يكن الخطاب الالهي الاول لنا (أقرأ) ليؤسس بذلك فلسفة الحياة ويعنونها بثقافة(أقرأ)؟!

فأين نحن الآن من ذلك الخطاب وتلك الفلسفة؟

لهذا ولغيره، نعتذر عن وضع الابراج في صحيفة المرأة العراقية مع فائق الود والاحترام. 

علياء الأنصاري

مديرة المنظمة

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org