قالوا: يوما أو بعض يوم

في كل عام، يمتطي الحزن صهوة جواد محرم لينطلق في كرنفال الخلود مستعرضا بآباء أرقى لوحة للرفض والكبرياء، مستذكرا دروس الاخلاص والعزيمة، لينكفأ في يومه العاشر عاثرا بخطيئة الانسان الكبرى، عندما ضحى بالحسين لاجل بضع دراهم؟!

كثيرا ما نتساءل: لماذا أجتمع اولئك القوم على قتل ابن بنت رسول الله (ص)؟!

هل هو الجهل بحقيقته؟ لا أظن ذلك، لان من قتل الحسين عليه السلام من أدرى الناس آنذاك بحقيقة الحسين!

ما يشغلني في كل عام – عندما يصل الزمن بنا الى محطة عاشوراء – هو ذلك الرجل الذي يدعى (عمرو بن سعد)! أكثر من أي شخصية أخرى او موضوع آخر، باعتبار قربه من الحسين ومعرفته الواعية بمن يكون.

لماذا أختار عمرو بن سعد قتل الحسين؟! لاجل ملك الري؟! هذا ما تقوله الرواية  التأريخية، باع عمرو آخرته بملك الري، فخسر الاثنين معا. ويبقى السؤال: لماذا؟! كيف يمكن لشخص ان يقتل شخصا آخر عاش معه، احبه، رافقه، علم بمكانته وقدسيته، كيف يقتله؟ يقتله وهو يبكي؟ وربما كان عمرو يرجو رحمة الله بعد ذلك، من يدري، ربما كان عمرو يرجو ذلك آنذاك!

وما يشنج تفكيري المنشغل، سؤالٌ حائرٌ آخر: هل عمرو بن سعد شخصية تأريخية؟! شخصية نلعنها كل عام ونلهب مشاعر الناس ضدها ليشاركوننا اللعن؟!

هل هناك عمرو بن سعد واحد قتل الحسين لاجل مصالحه الخاصة؟ لاجل تحقيق رغبات دنيوية باع خلوده الدنيوي والاخروي، ليصبح لعنة في كتاب التأريخ؟!

كم عمرو بن سعد يحيط بنا؟!

كم عمرو بن سعد يعاصرنا، ربما في بيوتنا، محيط عملنا، مجتمعنا الخاص أو العام... وربما في دواخلنا أيضا، ولأرتب صيغة السؤال بشكل آخر: ما هي نسبة عمرو بن سعد في ذواتنا؟! كم مرة قتلنا الحسين لاجل مصلحة خاصة او رغبة دنيوية؟!

كيف نقتل الحسين عليه السلام ونحن نرثيه ونبكيه؟!

نقتله عندما نخالف أوامر الله تعالى، عندما تتعارض ارادتنا كبشر مع ارادة الله تعالى، فنرجح كفة ارادتنا معللين ذلك بذرائع وحجج شرعية تارة وعرفية اخرى وربما قانونية ومنطقية تارة ثالثة، لنآلف تلك الذرائع والحجج على ترادفها وتكرارها حتى تصبح لدينا عرفا وعادة وتقليدا لا يمكننا عندها الانفكاك عنه! فنتحول الى عمرو بن سعد دون ان نشعر او ندرك ذلك!

وما يجعلني في حيرة من أمري أكثر، هو أننا نقرأ القرآن،  فنصادف الآية التي تصف حال الناس يوم القيامة عندما يُسألون عن مدة بقائهم في الحياة الدنيا على اختلاف سنينها، فتكون اجابتهم (قالوا: لبثنا يوما او بعض يوم)! وكأن الحياة الدنيا بعظمتها وزخرفها واموالها وسنينها وآمالها وهمومها وكل ما جمعه الانسان وسعى اليه وكدح لاجله يختزله في (يوم او بعض يوم)! فياترى هل يستحق هذا اليوم او بعض يوم، ان نختزن العمر كله في درهم او بضع دراهم؟!

هل يستحق بعض يوم، ان نقتل حسينا؟!

 نقتله عندما نشهد زورا، نقتله عندما نصادر حق الاخرين، نقتله عندما نظلم من هو أضعف منا، نقتله عندما نأكل لقمة حرام، نقتله عندما يغتاب بعضنا بعضا، نقتله عندما نسب ونشتم، نقتله عندما يلعن بعضنا بعضا، نقتله عندما يكفر بعضنا بعضا، نقتله عندما يسفك بعضنا دم البعض الآخر، نقتله عندما لا نحب لاخينا ما نحب لانفسنا!

هل يستحق اليوم او بعضه، ان نكون عمرو بن سعد، نرى الحق فنتبع الهوى لاجل مصالحنا ورغباتنا الخاصة؟!

هل تسمحون لي أن اتساءل: من قتل الحسين عليه السلام؟!

علياء الأنصاري

مديرة المنظمة

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org