صمت الرحيل الهادئ

لرحيل الشهيد الدكتور نعمة البكري

(نادرا ما أكتب لاجل شخص ما، ولكني أجدك من الثلة التي تستحق أن يُكتب عنها).

 

 صمت الرحيل الهادئ

 لنا نحن العراقيون، مفردات نمتاز بها عن سوانا من البشر، البعض حبانا بها الله تعالى، والبعض الآخر توارثناها عن أسلافنا. ومن تلك المفردات التي خصنا الله بها، النخلة!

شامخة... هادئة... معطاء... صبورة... لا تموت ألا عندما يقطع رأسها!!

ربما توجد في أماكن اخرى من العالم، ولكني أشعر بها عراقية الجنسية والانتماء والهوية وحتى الشكل والصفات، فلو فتشت المفردات اللغوية جميعها لأصف بها العراق، لما أخترت غير (النخلة)!!

تعطي بهدوء وصمت، تتواضع وهي تعطي، وتتواضع وهي تصبر، وتشمخ الى الاعالي وهي تعطي، لذلك أعشقها وأشعر بعراقيتها!! ويغلبني الظن أن كل من يحمل هذه الصفات جدير بأن يكون عراقي!!

ولاننا بلد النخيل، وبلد الويلات وبلد الفتن والبلاءات، وبلد العجائب، لن يكون عجيبا أن ترحل بصمت وهدوء، كما عشت هادئا متواضعا لم يغيرك المنصب والجاه ولم تكن مسؤولا ديمقراطيا ضمن متغيرات مرحلة ما بعد سقوط الصنم، هكذا يسمونها، أو مرحلة ما بعد التغيير، أو زمن الديمقراطية، أو الحرية والانعتاق، أو... بارعون نحن في اطلاق المسميات والشعارات وتنميق الصور والعبارات!

نعم... كنت مسؤولا متواضعا، يمشي لوحده، يلبي دعوة الجميع، يجالس الجميع، ويفكر لاجل الجميع، ويبتسم للجميع... كان العراق همك الاكبر، وحلمك الاوحد، وحديثك كله... وعندما سقطت، برصاصة عشواء (لم أفهم الى الآن ما تعني عشواء)، كان سقوطك أيضا هادئا كهدوءك، وعجيبا كغرابة الدنيا من حولنا، وكان رحيلك كرحيل كل العراقيين بصمت وهدوء، وبضع مجالس عزاء وبيانات استنكار ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم!

يا ترى أعجزت عن تحقيق أحلامك فقررت أن تلعن الظلام، أن لا تنام!!

يا ترى أتعبك التفكير في كل ذلك الكم الهائل من الهم – مع قلة الناصر والمعين - ، فقررت أن تخبأ مدينتك الفاضلة في أحداق بناتك، وأحداقنا...  انتظارا ليوم الخلاص!!

يا ترى أعيتك الضوضاء المتسورة خطواتك، فقررت أن تسكن الى الصمت، وعندما صمت بماذا كنت تفكر؟!

أكاد أجزم أن عينيك غفت على حبَ العراق... كما كانت تغفو على همومه، وكما كنت تحلم دوما بأن يكون همنا جميعا! لذلك خسرك العراق وخسرتك بابل، وربحت أنت، ربحت رهان الحياة!!

ولكنك لم تمت، لن أمثالك لا يموتون!!

علياء الأنصاري

مديرة المنظمة

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org