|
دراسات نقدية
الــــــــــــــــــــــــــــــــــرواية والــــــــــــــتاريخ
لا شك ان الرواية ذات مساس بالتاريخ في كل حالاته .فهي قادرة على ان تدون ما لم يسجله المؤرخ في صفحات مخطوطاته . ومن هذا ايضا نجد ان مجموع الكتاب هم مدونو مسودات لتاريخى لم يكتب بعد ، بمعنى باتساع التاريخ تتسع حاضنة الرواية ، وكلما كانت هذه السعة تشمل الرواية انما تؤكد حقيقة ما يرد من وقائع في ملا المدونتين فهما يتمرئيان ببعض لذا فان كل رواية او سردية تكون بمثابة المسودة التي يحاول مبدعها ان يضعها في صف مسوداته الاخرى والتي اذا ما اجتمعت فسوف تكون معبرة عن حراك تاريخي وهنا نحن بصدد قراءة رواية " علياء الانصاري " الموسومة انما نعني من خلال قراءتنا ان نؤكد على تاريخ العائلة الذي هو جزء من تاريخ المجتمع وبالتالي هما مكملان للتاريخ العام . وهذا بطبيعة الحال ذو اهمية في بناء المجتمع ولقد عالجته روايات عالمية وعربية ،فدستويفسكي كان قد طرح هذا من خلال روايته " الاخوة كارامازوف " على سبيل المثال ، اطال الوقوف على العلاقات التي تحكمت وسادت في فضاء العائلة وكان للوقفات كثيرة كشفت من خلالها البنى المؤسسة لتلك العلاقات بما فيها الايجابية والسلبية بمعنى طرح المؤلف فكرة تناول هذه العلاقات ليؤمنى الى علاقات عامة تخص منظومة الفكرية والسياسية والاجتماعية المتحكمة بالمجتمع انذاك واعتبرها نتاج العام ، وان لم يشر لذلك بشكل مباشر ، وبنفس الفعل طرح "نجيب محفوظ" ذلك كتاباته الروائية وعلى رأسها الثلاثية وهو ايضا عبر عن العام من خلال الخاص كما فعل في روايات كثيرة منها ( ثرثرة فوق النيل ،ميرامار ،الشحاذ ) بمعنى عبر عن ملاحم هي جزء من التاريخ العام لمصر هنا لابد ان نؤكد كما اكد الاخرون ان الكتابة الروائية هي جزء مكمل لكتابة التاريخ بل هي تطبيق للتاريخ من باب الجمال والفن ولا نعني بالتاريخ تحديدا الوقائع الكبيرة فقط وانما تاريخ الفرد والجماعة وهذا التعامل يعطي للكاتب بطبيعة الحال فرصة الكشف عن النوازع الانسانية التي تشكل نماذجة في النص من هذا نحاول قراءة الرواية من باب تلك العلاقات التي حاولت الكتابة ان تعالجها في النص ونعني بها العلاقات الاسرية التي قامت ونشأت تحت وطأت ماض مشوه للعلاقات وحاضر مضطرب اي ان النص يعالج احداث ما بعد 2003 ولا يبتعد عن تأثيرات ما قبل هذا التاريخ غير انه لم يشكل علاقة واضحة مع بنية تاريخ مضطرب كالذي شهدناه ونشهده ما بعد التاريخ هذا او في ما قبله ايضا وذلك لأن الحقيقة كون الخاص لا يبتعد تأثرا عن وسط المحيط مقولة علمية خالصة . لم نجد في نص الرواية تأثيرا في احداثها وتشكيلات نماذجها بل لم نمسك بالنماذج الا كونهم يمارسون حياتهم الاسرية بمعزل عن الوسط او المناخ العام الذي يعيشون ضمنه هو عموما مناخ مضطرب سياسيا واجتماعيا بأستثناء اغتيال (محمود) ان معالجة الخاص بمعزل عن العام يؤدي بالنص الى الابتعاد عن تشكل البنية الخفية التي تربط ه بالتاريخ من جهة كذلك يضيع تلك البنيات التي تشكل طبيعة الشخصيات في الرواية فهي لاتتحرك الا من خلال تشكيلاتها الفكرية هذه الانتماءات هي الكاشفة لنيات متعددة تمارس فعل الصراع داخل منظومة عامة لعل الوسط المثقف الذي تشكله الشخصيات في النص ما يشفع لملاحظتنا هذه لاسيما ان معظم النماذج هم من الوسط الجامعي اساتذة وطلابا ولا بد ان يكونوا في صلب الحراك متأثرين بحركته السلبية والايجابية لأنهم ما وجدوا في النص الا من اجل ان تسجل المدونة الروائية تأريخهم وتاريخ المرحلة التي عاشوها .. تتشكل بنية الرواية من تشكيل ثنائيات اسرية كالاتي :: فؤاد – وفاء –ابنيهما منى – محود – كريم هناء – الاء – سامي – كاظم فاطمة – ارملة – ابنيها عائلة الام هذه الدوائر الاسرية استطاعت الكاتبة بمهارة ان تدير محيطها ومحورها الداخلي بحيث حققت مجموعة صراعات راحت تلاحقها تدريجيا معتمدة بذلك على خلق مجموعة تبريرات بين الطرفين او اكثر من خلال ذلك تستقري حالات هي نتاج مثل هذا الصراع الذي يمكن اعتباره جزء من تشكيل العام لبنية المجتمع لعل استثناء بناء شخصية (وفاء) اعطى صورة مؤثرة فكريا وانثروبولوجيا لما عليه الشخصية من عطاء فكري تطبيقي بسبب تشكلها الذاتي كدكتورة جامعية مثقفة تضع التطبيق في اولوياتها لكنها لا تصطدم مع زوجها (فؤاد ) من الناحية السياسية والفكرية فالفرق واضح بينهما في طرح بناهما الفكرية وفي تعاملهما مع المحيط اضافة الى انهما متباينان في الانتماء الى الحياة عبر انتمائهما السياسي فاذا كانت وفاء ملتزمة دينيا وهذا يشكل شبحا مخيفا بالنسبة لفؤاد لأنه يعيش في محيط يعتبر التدين انتماء سياسي فان فؤاد اساسا منتمي ايديولوجيا الى تنظيمات حزب البعث لكن الرواية اكدت على العلاقة الثنائية المتمثلة بالحب الذي ارادت الرواية ان تحققه فهي ابتدأت هكذا "جـــاءمتــــــأخراً " وعنت به الحب الذي افضى به "فؤاد " بعد استيقاظ ضميره فالرواية مهداة {الى كل الذين يعتقدون انهم قادرون على العيش دونما الحب ...} وقد تكررت هذه العبارة في متن النص واعيدت صاغتها في نهاية الرواية ( ولكن يبدو انها جاءت متأخرة ...) وتعني به فعل فؤاد وأخر ما ذكر تداعيا ( نعم يبدو ان موعده مع الحب جاء متأخراً !) . من هذا نرى في الرواية طغيان الجانب الاخلاقي الذي استقرأته من خلال كشف جوانبه نماذجها اذ نلحظ امكانية الكاتبة في متابعة المتغيرات التي تحدث على تلك المجاميع حيث خلقت بينها مجموعة علاقات ووشائج مكنتها من ردم الجدار الذي قد يكون حاجزا امام لقاء النماذج وهو رابط ألقرابة ) والنسب وبهذا كان مدار الصراع وكشف العلاقات تصعيدها سلبا او ايجابا مبررا لعل القيمة الاخلاقية التي تدور من خلالها شخصية( وفاء ) يعتبر المركز الذي تدور عليه الافلاك – الشخصيات الاخرى مما حدث مثل هذا النوع من تصاعد التناقض والحدة ر سيما بين وفاء الزوجة وفؤاد الزوج ذلك لأن اساس الصراع من وجه نظر الزوج هو خلاف اخلاقي مبنى على تشكل ايديولوجي . فوفاء تنطلق من مفاهيم دينية بينما فؤاد له ماض سياسي نقيض من وجهة نظره .والسبب ان ذلك يسبب له حرجا سياسيا ووظيفيا وهذا ايضا اسبغ نوعا من فرض الوصايا ومن ثم المقاطعة مع الاطراف الاخرى لنفس السبب وبالنتيجة احدث فجوة بين الاثنين من خلال الشعور بالتعالي الوظيفي الذي انتج تعاليا طبقيا من قبل فؤاد ارى محور الصراع في الرواية كان بدوافع القيمة والشعور بعلو الذات هذه قيمة تحولت الى نوع من الاضطهاد للذات والاخر مما خلق عزلا واضحا بين سلطة الذكورة ذات البعد والممارسة الجائرة والماحية لوجود الاخر الانثى وبين سلطة معرفية انثوية ذات اسلوب يتميز بالمتسامح والعقلانية ومراعاة شعور الاخر . مما انتج بعدا في العطاء الفكري عند وفاء رمز الانوثة والامومة الذي ظهر من خلال ألقائها المحاضرات عن ظواهر مهمة في المجتمع تخص المراة وبين توقف العطاء بسبب تأثير فؤاد وضغطه الذي تحول فقط الى أداة قمع لما هو منتج ان القاء نظرة على النماذج يمنحنا مبررات ما ذكرناه ونحن بصدد مركز الرواية (فؤاد ووفاء ) ::: استاذ جامعي له ماضي سياسي يمكن اطلاق عليه بالانتهازي ذلك لأنه مرتبط من باب الحفاظ على وظيفته يمتلك شخصية معتد بنفسها وهذا الاعتداد دفعها الى ان تكون اداة قمع لشريكة حياته .فهو جزء من اداة قمع عامة تحاول اسقاط وعيها المفارق على من يحيطها بحساب الاشياء حسابا رقميا عبر الربح والخسارة وذلك مجسد من خلال ما فرضه على وفاء فما زال وجوده الوظيفي يتأثر بما هي عليه وفاء فقد توقف حجرة عثرة امام اكمالها الدراسة ولما كان هذا قد تنازل عنه فانه يقبل بفكرة الممارسة الوظيفية من قبلها لأنها تسببت له حرجا بسبب تحجبها وعند انتفاء مثل هذا القبول التعيين غدت هذه الحالة تؤرقه وتسهم في تصعيد الصراع بينهما كما وانه زوج واب لا يؤدي دوره الصحيح في علاقته مع زوجه واولاده مما سبب في خلق نوع من الجدار العازل بينه وبين افراد اسرته وزحف هذا على علاقته مع الاخرين باستثناء منى ومحمود . زوجة وام وموظفة تميزت بالنجاح لها اهتمامات فكرية واعتبارية اجتماعية خارج حيز التعليم سو اء كان هذا من خلال ممارسة اقامة العلاقة مع المنظمات النسوية في القاء المحاضرات او في علاقاتها مع الاطراق القريبة والبعيدة لا سيما (جنان) الطالبة التي تعرضت للاغتصاب كذلك تتمتع بشخصية قوية وقادرة على منح الاخرين ما يفرزه عقلها من فكر واخلاق فهي نموذج يحال تجاوز ما فرضه عليها الواقع كونها اما وزوجة واستاذة جامعية فهي تبحث عن ميادين تكون قادرة على استيعاب وتلقي فعالياتها العقلية . بمعنى انها أنموذج مغير وليس ذات طابع نمطي وهذا ما سبب لها الصدام مع فؤاد الذي يشكل عنده عقدة التفوق المثيرة لمشاعره كما وانها نموذج لمشروع تاسيس لفكر معتدل يبحث عن ذات مغيبة وفي نفس الوقت يسهم في المشاركة في صنع الحياة ولو توفر للنموذج حراك وسع من العلاقات الاسرية والمجتمعية المحدودة . لظهر المجال اوسع في شأن فرز البنية المتحققة من الذات الانثوية من جهة ولتوفرنا على حالات جديدة تسهم في كشف ما ينشأ من فعل التغيير لمجتمع بني على اساس سلطة مذكورة وهيمنة الرجل صوتاً وفعلا ان ممارسة الرواية لفعل اطلاق الامكانيات الذاتية يحلينا الى مبدأ التأسيس الذي هو في شأن الرواية هذه وهو شأن تأسيس القيم الجديدة فهي ان اصطدمت بالاقرب الزوج من باب الانانية والخوف على المركز الوظيفي فانها في مجال العام تتعلق بالحراك السياسي والاجتماعي والفكري والذي استلزم التغيير ما بعد 2003 من هذا ننظر الى نموذج ( وفاء ) على انه يلعب دور المؤسس وفعلا كان هذا غير انه عمل بفبركة روائية قصدية اقتربت من السيناريو الذي يهدف الى التصعيد الدرامي لصالح حسم الامر بالنسبة للاطراف وليس وضعه ضمن مشروع صراع مستمر ان استمالة ( فؤاد) على يد (وفاء) لم تكن لاعتبارات فكرية بقدر ما كانت لاعتبارات أخلاقية اعتمدت في ذلك على المؤثر والتأثير من مثل حدث اغتيال (محمود) وحدث أعادة العلاقة بين "منى وكريم " وتأثير (آمنة ) على ابيها . وتبقى الثنائيات الذي توفرت عليها الروائية مكملات لحركة المركز حيث كانت في مجملها مؤثرات ومكملات ساهمت في استكمال تاريخ العائلة اذا نظرنا الى كل التشكيلات الاسريبة على انها تصب في مركز الفكرة التي تبشر بتاريخ العائلة ودورها في بناء مجتمع لقد قدمت الرواية عينات في عينة ثابرت على العمل السردي في تجميع كل التبئيرات في بؤرة واحدة مركزية تتعلق في ثنائية (فؤاد- فاء) باعتبارها الوحيدة التي خلقت اشكالية اثرت على كل التشكيلات الاخرى لكنها في نهاية الامر استفادت من الجزء الذي رمم الكل في خلق كيان اسري واحد مكتمل ومتوازن لكن ينقصه الحب كما ذكرت الساردة لأنه "جاء متأخراً" . اما في مجال البناء الفني فيبدو ان النص الروائي اعتمد على بنية كتابة السيناريو فقد حاول السارد ان يخلق مداخلات تميزت بالبؤر او ما يطلق عليه التصعيد الدرامي للحدث وبمجموع هذه البؤر تحقق المشهد الروائي لا سيما ان الحوار في النص اعتمد على بناء نص مسرحي مقتفيا حالة كشف الاجزاء من الاحداث والاحاسيس للارتقاء بها الى مصادف الكليات فالوحدات في النص تنضد لصالح بناء هرمي اعتمدته الرواية فهي رواية تعاملت مع الزمن من تسلسله المنطقي دون اللعب بحركته المتداخلة بين الماضي والحاضر بشكل يحقق نصا يؤشر اهمية لما تنتجه الازمنة الم تباعدة في صياغة تأثيرها في ماهو آني . اي انها استفادت من العلة والمعلول السبب والنتيجة وهي ليست خصائص ضعف بقدر ما هي تحقيق لصيرورة كتابة امتلكت كيانها وحيثياتها . ان الاسترجاعات كانت كما لو انها مسجلة واقصد بها ماتسترجعه النماذج لحوار او تصريح لنموذج اخر في زمن سابق حيث وردة كما انه منسوخا اذ من غير الممكن ان يكون بنفس الصياغة والحرفية بلب تلعب في صياغته الذائقة والانفعال الأني وبلغة جديدة وطرح مغاير في الاسلوب كما حدث في الصفحات (83-216) وغيرها من الاسترجاعات . والصرعات من خلال كشف بنية الانموذج ومدى تأثير على الاخر لا سيما علاقة وفاء بفاطمة التي بنيت على تقاطع وتواصل متأخر بسبب تسلط فؤاد كذلك علاقة وفاء بألام التي كانت ايضا متذبذبة لنفس السبب لكن كانت العلاقة مع الفتاةجنان اكثر جذبا وافرازاً للبنى الفكرية المتشظية الى بنى اخلاقية اجتماعية عند وفاء لقد كان هذا الحدث ذو تأثير بسبب مواجهة بؤر مقاومة هي ( الزوج ،اهل الفتاة ، المجتمع ، الحرم الجامعي لكنها استطاعت ان تحقق معطى مهم خاصة من خلال القائها محاضرة استثمرت هذه الحادثة مادة للاثارة الفكرية والاخلاقية ومن ثم الاجتماعية .
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبعوالنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
|